من يحبّ نفسه يُهلكها، ومن يُبغض نفسه في هذا العالم يحفظها إلى حياة أبدية” (يو12/ 25)
بدأنا في المقالة السابقة بطرح موضوع تدريب الحياة، إحدى تقنيات التنمية البشرية، وقد أوضحنا كمقدّمة، بعض الأمور الأساسية حتى لا يحصل إلتباس أو سوء فهم لما نريد تبيانه .ارتكزنا على أبحاث قام بها إكليروس كاثوليك متخصّصون درسوا إشكاليات هذه الممارسات مقارنةً بالإيمان الكاثوليكي. ينتمي هؤلاء إلى “راعوية المعتقدات الجديدة والإنتهاكات البدعوية”Pastorale des Nouvelles croyances et Derives Sectaires (PNCDS) التابعة لمجلس الأساقفة الكاثوليك في فرنسا CEFوهي موجودة في عدّة مناطق في فرنسا.[1] ولها عدّة روابط إلكترونية.بالإضافة إلى منظّمات أخرى حكومية وغير حكومية تعمل إلى جانبها[2]
تدريب الحياة، التنمية البشرية، الخدعة الكبيرة (برتران شوديه)
نقرأ على موقعsosdiscernement [3]وهو من المواقع الإلكترونية التابعة للأب الفرنسي المقسّم “دومينيك أوزينيه”P.Dominique Auzenet ، مقالةً للشماس برتران شوديهBertrand Chaudet [4] بعنوان: “التدريب، التنمية البشرية، الخدعة الكبيرة””Coaching, développement Personnel. La grande illusion!” يشرح فيها ماهية الكوتشنغ وإشكالياته مقارنةً بالإيمان المسيحي.
يقول إنّ كلمة Coach من الكلمة الفرنسية Cocher، والمقصود بها الشخص المولج بقيادة عربة من مكانٍ إلى مكانٍ آخر. ويُضيف أنّ ركّاب هؤلاء المدّربين في أيامنا هذه، يُشبهون الرهائن الذين يجهلون من أين يأتون وإلى أين هم يذهبون! ويؤكّد “شوديه” أنّ في فرنسا اليوم حوالي مئة مدرسة أو معهد لتنشئة المدرّبين لا يعترف بشهاداتها في أغلب الأحيان إلا من ذويها. أمّا عن اختصاصاتها، فهي تبدو كأنّها غير محدودة وتغطّي تقريباً كلّ المجالات: تداريب عقلية، فنون التجميل، الصحّة، إستراتيجية التغذية، الرياضة، العلاقات الزوجية، التنمية الجنسية السليمة، إدارة الضغوط النفسية، إدارة الشركات التجارية، إدارة المشاعر، التنظيم، الركض… حتى في موضوع دفن الموتى!
مناهج إنتقائية من مذهب المتعة والنرجسية
من الأقوال الكثيرة التي يستعملونها: لا تنهمّ-إستفد من الفرص- إستمتع- عش اللحظة الحاضرة-كن ذاتك- كن سعيداً- الإمتنان- فكّر إيجابياً … هي من ضمن أقوال وتمنيات نسمعها بشكل كثيف في هذه الأيام، يمكن أن تلخّص هدف التدريب أو التنمية البشرية بشكلٍ عام. إنّ شعارات مثل: إستفد من اللحظة، إستمتعEnjoy، إنتهز الفرص … تذكّرنا بأتباع مذهب المتعة Hédonisme الذين يعتبرون هذه أولويات عندهم والهدف الأساس للحياة. بالتالي يمكن تسمية رواد التنمية البشرية والتدريب ب “النرجسيون الجدد”Les nouveaux Narcissistes الذين يتحكمّون بصورهم الذاتية “المنقحّة” على مرآة صفحاتهم الإلكترونية (خصوصًا على مواقع التواصل الإجتماعي)، في محاولة منهم للحصول على أكبر عدد ممكن من المعجبينLikers والتابعين followers ولكي يجذبوا إليهم اهتمام الآخرين ويؤكّدوا ذواتهم.
يتكلّم أتباع العصر الجديد (منهم المؤلّف المشهور إيكهارت تولليEkhart Tolle) بشكلٍ متكرّر عن حالة من الإمتنانGratitude وهي موقفٌ فكري تجعل الفرد يرى الأمور بإيجابية وبالتالي يجذب إليه كلّ الإيجابيات والأحداث الحسنة، بحسب قانون الجذبLaw of Attraction الإفتراضي خاصتهم. هي حالة شكرٍ دائمة ليس لله، بل للمخلوقات والكون والطاقة الكونية. في الحقيقة هي شكل مبطّن لعبادة وثنية للمخلوقات والكون والعالم والذات.
يتحججّون قائلين “يجب أن نتعلّم أن نكون إيجابيين دائمًا وفي كلّ مكان، ومهما كانت الظروف أو الأحداث، لندخلَ طوعاً في التفكير الإيجابي، هذا الفكر هو الذي يجعل الأمور إيجابية أكثر مما نتصوّر”.
خلطات ملتبسة “إسمية”
غالباً ما يخلط المدرّب الشخصي المبادئ، ويستعمل مصطلحات عامة ملتبسة وضبابية في توجيهاته ونصائحه، ليروّج للفرح والسلام، الثقة والإطمئنان، تحقيق الإنجازات، الأداء الجيّد وما شابه. من شعاراتهم أيضاً “غيّروا أفكاركم فيتغيّر واقعكم وتتغيّر حياتكم” وهو بلا شك شعارٌ مقبول في الشكل، إلاّ أنّ المقصود منه يتخطّى المنطق السليم. تنتقد جوليا دو فونيز[5] Julia De Funes، الباحثة في التنمية البشرية وتقنياتها، فتعلّق قائلة أنّ الميل في الفلسفة، إلى تفضيل حقيقة الكلمات على واقع الأشياء يسمّى “الإسمية” Nominalismeبينما الفكر الفلسفي الواقعي يفضّل الحقيقة المؤلمة على الوهم المريح.
هكذا كتب ألبير كامو: “إنّ تسمية أحد الأشياء بطريقة خاطئة يعني إضافة بؤس إلى هذا العالم”.
يتبع
لمجد المسيح
[1] Les Hautes Pyrenees, Ariege, Haute Garonne, Le Tarn, Le Tarn et Garonne, Aveyron, Le Gers, Le Lot, …
[2] Miviludes(www.miviludes.gouv.fr), UNADFI(www.unadfi.org),CCMM(www.ccmm.asso.fr),GEMPPI(www.gemppi.org), GAMALIEL(//gamaliel21.page.perso-orange.fr, PNCDS72.free.fr,Charismata.free.fr, sosdiscernement.org, …
[3] https://sosdiscernement.org/coaching-developpement-personnel/
[4] الاب دومينيك أوزينيه والشماس برتران شوديه كلاهما من راعوية المعتقدات الجديدة والإنتهاكات البدعوية”
Pastorale des Nouvelles croyances et Derives Sectaires (PNCDS) وهما متخصّصان في البدع وانتهاكاتها خصوصًا في تيار العصر الجديد
[5] Julia de Funès, Développement personnel. Le succès d’ une imposture, Ed de l’ Observatoire août 2019