رأي كاثوليكي في تدريب الحياةLife Coaching (4)
“لنتقدّم بقلبٍ صادق في يقين الإيمان …” عب10/ 22
بدأنا في المقالة السابقة بطرح إشكاليات تدريب الحياة، إحدى تقنيات التنمية البشرية، بناءً على أبحاث قام بها إكليروس كاثوليك متخصصوّن من “رعوية المعتقدات الجديدة والإنتهاكات البدعوية” . تحديدًا، نستشهد بملاحظات وتوجيهات الشمّاس “برتران شوديه”Bertrand Chaudet والأب “دومينيك أوزينيه”P.Dominique Auzenet بخصوص هذه التقنية.[1]
يقول الشمّاس”برتران شوديه” أنّ الكوتشنغ والتنمية البشرية مناهجٌ جديدة للإختبار، لا تأخذ بخبرات أو بحكمة من سبقونا أو بالقيم المسلّمة لنا والتي علينا نقلها للأجيال المقبلة. وهذا أمرٌ بديهي متى اعتبر كلّ فردٍ منا أنّه وحده المرجع والمحور الأساس. يشبّه “شوديه” هذا الوضع بما عبّر عنه “ألكسيس دو توكوفيل”Alexis De Toqueville في وصفه بعض المظاهر السلبية للديموقراطية :” لا تدعو الديموقراطية فقط أن ينسى كلّ إنسان أجداده، وهي تخفي أنسباءه وتفصله عن معاصريه. بل تجعله يتمحور حول ذاته وحدها بذلك تهدّده بالتقوقع والإنعزال في قلبه الداخلي”.
إنّ الإحساس الفوري عندهم يتقدّم على التفكير والمنطق، لذلك تقول الإختصاصية جوليا دو فونيز “إنّ قيمًا كالوفاء، والإجتهاد أو الواجب التي تفترض بُعد الوقت والإمتداد في الزمن وإعالة الآخر، تصبح قيمًا منحطة”[2]
ويُضيف “شوديه” أنّ المعلّمين الجدد اليوم ليسوا هؤلاء الذين كانوا في الماضي. يعني هم ليسوا المعلّمين العلمانيين والجمهوريين الذين كانوا يدّرسون في الأخلاق، ولا هم الكهنة الواعظون في أهمية الضمير والقيم كالخير والصلاح، بل هم مدرّبو الحياة والمعالجون النفسيون في كلّ المجالات. بالفعل إنّ إنضباط الأمس الذي كان من المفترض أن يُعيد الأشخاص إلى الطريق الصحيح، يتمّ استبداله بتنمية القدرات البشرية. إذًا أصبح كلّ شيء الآن مسؤولية الشخص. وقدراته وحدها هي التي يجب الإعتماد عليها.
خداع ووهم النرجسية !
إنّ مسألة الفرد كسيّد نفسه لم تعد موضع تساؤل بعد. لقد استبدلوا السؤال “هل لي الحق في القيام بذلك أو ذاك؟” ب”هل أنا قادر على فعل ذلك؟” “إذاً، كما كان يعتقد عالم النفس “سيغموند فرويد” يصبح الرجل عصبيًا، لأنّه لا يستطيع تحمّل درجة الكبت التي يفرضها عليه المجتمع”[3]. وتؤكّد “جوليا دو فونيز” في كتابها: “يصبح الشخص محبطًا لأنّ عليه تحمّل وهم أنّ كلّ شيء ممكن. هذا الوهم يروّج له عدد كبير من الكوتش وأصحاب مؤلّفات التنمية البشرية”[4]
هذا مثَال على ما قد يقوله لك الكوتش: ” إذا استطعنا أن نرى الواقع بطريقة مختلفة، عندها تصبح حياتنا أفضل”. إذًا الأمر له علاقة بأن نقنع ذواتنا أنّ بالإمكان تغيير واقعنا بتمارين ملائمة. إنّه خداع ووهم النرجسية الأقصى يقول “شوديه”. بالمقابل يدعونا التقليد الفلسفي الكلاسيكي أو التقليد الروحي أن نعود دائمًا إلى الحقيقة. كما يقول بوسييه Bossuet ” إنّ الأحداث هي معلّمتنا”.
إيحاءٌ ذاتي وأقوالٌ محفّزة !
من الأسماء التي أسّست للتنمية البشرية والكوتشنغ إميل كوييه Emile Coué(1857-1926) الذي ابتدع سنة 1922 طريقة علاجية بديلة هي- الإيحاء الذاتي- Self Suggestion ينصح فيها بترداد أقوال محفّزة يومياً مثل: “في كلّ الأيام وفي كلّ الأحوال، أنا في وضع جيد من حسن إلى أحسن !” ويؤكّد أن له فائدة كبيرة. إنّ الأميريكيين الذين رحبوا به كانوا من الأوائل الذين أطلقوا مفهوم التفكير الإيجابيPositive Thinking .
في سنة 1936 نشر دايل كارنيجي Dale Carnegie كتاباً بعنوان: “كيف تربح الأصدقاء وتكون مؤثرًا”، يطرح فيه برنامجًا للتنمية البشرية لتحقيق النجاح في مجال الأعمال.
وإبتداءً من سنة 1962 بدأ مركز إيسالين في كاليفورنيا، وهو مركز تابع لتيّار العصر الجديد، بالتمهيد لما يسمّى بعلم نفس الأنسنةPsychologie Humaniste وحركة القدرات البشرية Mouvement du Potentiel humain كما عمل على تطوير منهاج للتنمية البشرية وكلّ انحرافاتها من التأمّل التجاوزيMeditation Transcendantale، الأداة النفسية الروحية- التاسوعيةEnneagramme إلى تأمّل الوعي الكاملMindfulness
في هذا الإتجّاه نفسه، عمل ريتشارد باندلرRichard Bandler وجون غريندلر Jhon Grindler، على إيجاد أداء في حدّه الأقصى يُغني كلّ القدرات الشخصية، فابتدعا ما يسمّى بالبرمجة اللغوية العصبيةPNL(Programmation Neuro Linguistique) .
ما هو سبب نجاحهم؟ لقد ولّدت مجتمعاتُنا المادية والإستهلاكية أشخاصًا لديهم حاجة إضافية لإشباع رغباتهم والتخلّص من كلّ إعاقة بطريقة سريعة. في الوقت عينه، أصبحت كلّ أشكال السلطة والعقائد والأخلاق حواجزًا لا تحتمل كالتقاليد و التاريخ العائلي والإنتماء. كلّها عوائق يجب إزالتها لأنّها برأيهم تمنع النموّ الشخصي. لذلك لا يتكلّم الكوتش عن معارف نظرية أو عن حكمة مستدامة تتطلّب تعليمًا طويلاً، بل عن اختبارات تتحقّق بشكلٍ فوري.
يتبع
[1] https://sosdiscernement.org/coaching-developpement-personnel/
http://charismata.free.fr/?page_id=5237
[2] Julia de funès,Developpement Personnel. Le succès d’une imposture. Ed de l’observatoire août 2019, p29
[3] Sigmund Freud, Malaise de la civilisation, PUF, 1986,p44
[4] Julia de Funès, Developpement Personnel, Le succes d’une imposture, op.cit, p35