35. اليقين في أن يُستجاب لنا
الإخوَةُ والأخواتِ الأعزّاء، صباح الخير!
هناك معارضة جذريّة أمام الصّلاة، والتي تنشأ من ملاحظة نقوم بها جميعًا: نحن نصلّي، ونطلب، ومع هذا، في بعض الأحيان تبدو صلواتنا غير مسموعة: ما طلبناه – لنا أو للآخرين – لم يتحقّق. نحن أيضًا عِشنا هذه التجربة مرّاتٍ عِدّة. ومن ثمّ، إذا كان السّبب الذي من أجله صلّينا نبيلاً (كطلب الشّفاعة من أجل صحّة مريض، أو كي تتوقّف الحرب)، فإنّ عدم الاستجابة يبدو شكًّا وحجر عثرة. على سبيل المثال الحروب: نحن نصلّي حتى تنتهي الحروب، الموجودة في مناطق كثيرة من العالم. لنفكّر في اليمن وسوريا، البلدان التي هي في حالة حرب منذ سنوات، منذ سنوات! بلدانٌ تعذّبها الحروب، ونحن نصلّي وهي لا تنتهي. ولكن، كيف يمكن أن يكون هذا؟ “بعضهم يتوقّف حتّى عن الصّلاة لأنّهم يعتقدون أن تضرّعهم لم يُستجب” (را. التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية، 2734). ولكن إذا كان الله أبًا، فلماذا لا يصغي إلينا؟ الذي أكّد لنا أنّه سيُعطي العطايا الصّالحة للأبناء الذين يسألونه (را. متّى 7، 10)، فلماذا لا يستجيب لطلباتنا؟ كلّنا لدينا خبرة في هذا الأمر: لقد صلّينا وصلّينا من أجل مرض هذا الصّديق أو هذا الأب أو هذه الأم، ثمّ غادروا هذا العالم، ولم يصغِ الله إلينا. هي خبرةٌ عشناها جميعًا.
يقدّم لنا التّعليم المسيحيّ ملخّصًا جيّدًا عن الموضوع. إنّه يحذّرنا من خطرٍ وهو أنّنا لا نعيش خبرة إيمان حقيقيّة، فنحوّل العلاقة مع الله إلى ما يشبه السّحر. الصّلاة ليست عصًا سحريّة، بل هي حوارٌ مع الله. في الواقع، عندما نصلّي، يمكن أن نقع في خطر ألّا نكون نحن الذين نخدم الله، بل ننتظر منه هو أن يخدمنا (را. 2735). صلاتنا هي دائمًا صلاة طلب، نريد توجيه الأحداث وفقًا لخطّتنا، ولا نقبل أيّة مشاريع أُخرى إلّا ما نرغب فيه. أظهر يسوع حكمة كبيرة لمّا وضع صلاة “الأبانا” على شفاهنا. إنّها صلاة فيها طلبات فقط، كما نعلم، ولكن الطلبات الأولى التي نلفظها كلّها موجّهة إلى الله. هي طلبات نسأل فيها لا أن يتحقّق مشروعنا، بل إرادته هو تجاه العالم. من الأفضل أن نترك الأمر له: “لِيُقَدَّسِ ٱسمُكَ، لِيَأتِ مَلَكوتُكَ، لِيَكُنْ ما تَشاء” (متّى 6، 9-10).
ويذكّرنا الرسول بولس أنّنا لا نعرف حتّى ما هو المناسب لنطلبه (رومة 8، 26). نحن نسأل من أجل احتياجاتنا والأشياء التي نريدها، “ولكن هل هذا مناسبٌ أكثر أم لا؟”. يقول لنا بولس: نحن لا نعرف حتّى ما هو المناسب لنطلبه. عندما نصلّي يجب علينا أن نكون متواضعين: هذا هو السّلوك الأوّل للذّهاب إلى الصّلاة. مثلما توجد عادةٌ في أماكن كثيرة وهي كي تذهب للصّلاة في الكنيسة، تُغطّي النّساء رؤوسّهنّ أو يأخذن الماء المقدّس ليبدأن الصّلاة. وهكذا يجب أن نقول لأنفسنا، قبل الصّلاة، ما هو مناسب أكثر، وهو أن يعطيني الله ما هو أنسب لي: هو يعلم. عندما نصلّي، يجب علينا أن نكون متواضعين، حتّى تكون كلماتنا حقًّا صلاة، وليس كلمات فارغة يرفضها الله. يمكننا أيضًا أن نصلّي مدفوعين بدوافع خاطئة: على سبيل المثال، لهزيمة العدو في الحرب، من دون أن نتساءل ما هو رأي الله في تلك الحرب. من السّهل أن نكتب على الراية “الله معنا”. كثيرون يسرعون في التأكّيد أنّ الله معهم، لكن قليلون هم الذين يهتمّون للتأكّد هل هم فعلًا مع الله. في الصّلاة، الله هو من يجب أن يبدّلنا، ولسنا نحن نبدّل الله. هو التواضع. أنا أذهب لأصلّي، ولكن أنت يا ربّ، بدّل قلبي حتّى يطلب ما هو مناسب، ويطلب ما هو الأفضل لحياتي الروحيّة.
ومع ذلك، يبقى الشكّ وحجرُ العثرة: عندما يصلّي الناس بقلب صادق، وعندما يطلبون خيراتٍ تتّفق مع ملكوت الله، وعندما تصلّي الأم من أجل طفلها المريض، لماذا يبدو أحيانًا أنّ الله لا يصغي؟ للإجابة على هذا السؤال، يجب علينا أن نتأمّل بهدوء في الأناجيل. قصص حياة يسوع مليئة بالصّلاة: كثير من الجرحى في الجسد والرّوح كانوا يطلبون منه الشّفاء. وبينهم من صلّى من أجل صديق لم يعد يستطيع المشي، أو هناك آباء وأمّهات جلبوا له أبناء وبنات مرضى… كلّها صلوات مشبعة بالمعاناة. إنّه جمع كبير يتوسّل ويقول: “ارحمنا!”.
نرى أنّ استجابة يسوع في بعض الأحيان تكون فوريّة، وفي بعض الحالات الأخرى يتمّ تأجيلها إلى حين: يبدو أنّ الله لا يستجيب. لنفكّر في المرأة الكنعانيّة التي تتوسّل إلى يسوع من أجل ابنتها: يجب أن تلحّ هذه المرأة لفترة طويلة حتّى يُصغي يسوع إليها (را. متّى 15، 21-28). لديها أيضًا التواضع لسماع كلام يسوع الذي بدا مهينًا قليلاً لها عندما قال: يجب ألّا نرمي الخبز للكلاب، لصغار الكلاب. لكن هذه المرأة لم يهمّها الإذلال: ما يهمّها هو صحّة ابنتها. فاستمرت تقول: “نعم، حتّى صغار الكلاب تأكل ما يسقط من المائدة”، وهذا أَسَرَّ يسوع. أعني الشجاعة في الصّلاة. أو نفكّر في المُقعد الذي حمله أصدقاؤه الأربعة: في البداية غفر يسوع خطاياه وبعد ذلك فقط شفاه في الجسد (را. مرقس 2: 1-12). لذلك، في بعض الحالات، لا يكون حلّ المأساة فوريًّا. في حياتنا أيضًا، كلّ واحدٍ منّا عاش هذه الخبرة. لنتذكّر قليلًا: كمّ من مرّة طلبنا فيها نعمة أو معجزة، لنقل ذلك، ولم يحدث شيء. ثمّ، بمرور الوقت، استقرّت الأمور، ولكن بحسب أسلوب الله، الأسلوب الإلهيّ، وليس بحسب ما أردناه في تلك اللّحظة. إنّ زمن الله ليس زمننا.
في هذا الصّدد، شفاء ابنة يائيرس يستحقّ أن نفكّر فيه (را. مرقس 5، 21-33). أمامنا أب يركض لاهثًا: ابنته مريضة ولهذا السّبب طلب مساعدة يسوع. قَبِلَ المعلّم على الفور، ولكن أثناء ذهابهم إلى البيت، حدثَ شفاء آخر على الطّريق، وبعد ذلك جاء الخبر بأنّ الطّفلة قد ماتت. بدى إذّاك أنّ كلّ شيء قد انتهى، لكن يسوع قال لأبيها: “لا تَخَفْ، آمِنْ فَقَط” (مرقس 5، 36). “استمرّ في إيمانك”: لأنّ الإيمان هو الذي يدعم الصّلاة. وبالفعل، سوف يوقظ يسوع تلك الطّفلة الصغيرة من نوم الموت. لكن لبعض الوقت، اضطرّ يائيرس أن يسير في الظلام، مع شعلة الإيمان فقط. يا ربّ، أعطني الإيمان! وأعطني أن ينمو إيماني! اطلبْ هذه النّعمة، أن تتحلّى بالإيمان. قال يسوع في الإنجيل إنّ الإيمان يحرّك الجبال. لكن، أن يكون لديك الإيمان بجديّة. يسوع، أمام إيمان الفقراء، وإيمان الناس، يستسلم ويشعر بحنان خاص أمام هذا الإيمان، ويصغي لهم.
حتّى الصّلاة التي يوجّهها يسوع إلى الآب في الجسمانيَّة تبدو غير مسموعة: “يا أَبتِ، إِن أَمكَنَ الأَمْرُ، أَبعِد عنِّي ما يَنتظِرُني”. يبدو أن الآب لم يصغِ إليه. سيتعيّن على الابن أن يشرب كأس الآلام حتّى النّهاية. لكن سبت النّور ليس الفصل الأخير، لأنّ في اليوم الثّالث، أي يوم الأحد، ستكون القيامة. الشّرّ سيّدٌ في اليوم قبل الأخير: تذكّروا هذا جيّدًا. الشّرّ ليس سيّد في اليوم الأخير أبدًا، لا: بل في اليوم قبل الأخير، أي اللّحظة الأحلك من اللّيل، قبل الفجر مباشرة. هناك، في اليوم قبل الأخير، توجد التّجربة، حيث يُفهمنا الشّرّ أنّه انتصر: “هل رأيت؟ أنا انتصرت!”. الشّرّ هو سيّدٌ في اليوم قبل الأخير: في اليوم الأخير هناك القيامة. لكنّ الشّرّ لن يكون أبدًا سيّد في اليوم الأخير: الله هو سيّدُ اليوم الأخير. لأنّ هذا اليوم هو لله وحده، وهو اليوم الذي تتحقّق فيه كلّ أشواق البشر للخلاص. لنتعلّم هذا الصّبر المتواضع في أن ننتظر نعمة الله، وننتظر اليوم الأخير. في كثير من الأحيان، يكون اليوم قبل الأخير سيّئًا للغاية، لأنّ المعاناة الإنسانيّة سيّئة. لكنّ الرّبّ موجود، وفي اليوم الأخير هو يحلّ كلّ شيء.
*******
من إنجيل ربّنا يسوع المسيح للقديس مرقس (5، 22-24؛ 35-36)
وجاءَ أَحَدُ رُؤَساءِ المَجْمَعِ ٱسمُه يائِيرس. فلَمَّا رآهُ ٱرتَمى على قَدَمَيْه، وسأَلَه مُلِحًّا قال: «إِبنَتي الصَّغيرةُ مُشرِفَةٌ على المَوت. فتَعالَ وضَعْ يَدَيكَ علَيها لِتَبرَأَ وتَحيا». فذَهبَ معَه وتَبِعَه جَمْعٌ كثيرٌ يَزحَمُه. […]وبَينَما هُو يَتَكَلَّم، وَصَلَ أُناسٌ مِن عِندِ رَئيسِ المَجمَعِ يقولون: «إِبنَتُكَ ماتَت فلِمَ تُزعِجُ المُعَلِّم؟» فلَم يُبالِ يسوعُ بهٰذا الكَلام، بل قالَ لِرئيسِ المَجمَع «لا تَخَفْ، آمِنْ فَقَط».
*******
Speaker:
تأمَّل قداسةُ البَابَا اليَوم فِي موضوعِ: كيف نكون أكيدين أنّ الله يستجيب لنا، قَالَ قَدَاسَتُهُ: نحن نصلّي، ونطلب، ومع هذا، في بعض الأحيان تبدو صلواتنا غير مسموعة: ما طلبناه – لنا أو للآخرين – لم يتحقّق. وإذا كان السّبب الذي من أجله صلّينا نبيلاً، فإنّ عدم الاستجابة يبدو لنا شكًّا وحجر عثرة. ثمّ قد يتوقّف بعضهم حتّى عن الصّلاة لأنّهم يعتقدون أنّ صلاتهم لا تُستجاب. يقول لنا التّعليم المسيحيّ: يجب أن نكون حذرين، قد يكون إيماننا غير صحيح. بحتميّة الاستجابة، نريد نحن أن نبدّل الله، بدلًا من أن نبدّل أنفسنا نحن. وكأنّ الله هو الذي يخدمنا، ولسنا نحن الذين نخدم الله. في صلاة “الأبانا” حكمة عظيمة: إنّها صلاة طلبات فقط، ولكن الطلبات الأولى موجّهة إلى الله، ولا نطلب شيئًا لأنفسنا. في الصّلاة يجب أن نكون متواضعين، حتى لا تصبح صلاتنا بلا معنى. ومع ذلك، يبقى السؤال: عندما يصلّي الناس بقلب صادق، وعندما يطلبون خيراتٍ تتّفق مع ملكوت الله، وعندما تصلّي الأم من أجل طفلها المريض، لماذا يبدو أحيانًا أن الله لا يصغي؟ للإجابة على هذا السؤال، يجب علينا أن نتأمّل بهدوء في الأناجيل. حتّى الصّلاة التي وجّهها يسوع إلى الآب في الجسمانيَّة تبدو غير مسموعة. ومع ذلك استُجيبَ يسوع في يوم القيامة. الكلمة الأخيرة ليست للشرّ، بل لله. وسيستجيب الله لنا في حينه.
*******
Speaker:
أحيّي المُؤمِنِينَ النَاطِقِينَ بِاللُّغَةِ العَرَبِيَّة. احتفلنا الأحد الماضي بعيد العنصرة، فيها أرسل يسوع الرّوح القدس إلينا جميعًا، المعزّي الذي يقوّي فينا الإيمان الذي يدعم الصّلاة. فلنردّد إذًا الصّلاة التي علّمنا إيّاها يسوع قائلين: “لتكن مشيئتك” لا مشيئتنا.ليباركْكُم الرّبُّ جميعًا ولْيَحمِكُم دَائِمًا مِن كُلِّ شَرّ!
*******
© جميع الحقوق محفوظة – حاضرة الفاتيكان 2021
© Copyright – Libreria Editrice Vaticana