أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، صباح الخير!
تقدّم لنا ليتورجيّا اليوم اللقاء بين يسوع والشّاب الذي “كان ذا مالٍ كثير” (مرقس 10، 22) والذي عُرف في التاريخ باسم ”الشّاب الغنيّ“. لا نعرف اسمه. في الواقع، يتكلّم إنجيل اليوم على “رجل”، من دون أن يذكر عمره واسمه، ما يوحي إلينا بأنّنا يمكننا أن نرى جميعًا أنفسنا فيه، كما في المرآة. في الواقع، يسمح لنا لقاؤه بيسوع أن نقوم باختبار إيماننا نحن أيضًا. أنا، عندما أقرأ هذا النص، أقوم باختبار إيماني.
بدأ ذلك الرجل كلامه بسؤال: “ماذا أَعمَلُ لأَرِثَ الحَياةَ الأَبَدِيَّة؟” (الآية 17). لنلاحظ الأفعال التي استخدمها: ماذا أعمل – لأرث. هذا هو تديّنه: عليه واجب، وعمل، من أجل الحصول، ” أعمل أمرًا ما لأحصل على ما أحتاج إليه“. هذه علاقة تجاريّة مع الله، أي أُعطيك حتّى تُعطيني. لكن الإيمان ليس طقسًا آليًّا، أي ”يجب عليّ، فأعمل، فأحصل“. إنّه مسألة حرّيّة ومحبّة. الإيمان هو مسألة حرّيّة، وهو مسألة محبّة. هذا هو الاختبار الأوّل: ما هو الإيمان بالنّسبة لي؟ إذا كان واجبًا أو ورقة مساومة بالأساس، فنحن خارج الطريق، لأنّ الخلاص هو عطية وليس واجبًا، وهو مجّانيّ ولا يمكن شراؤه. الأمر الأوّل الذي يجب فعله هو أن نتخلّص من إيمان تجاري وآلي، يكوِّن فيَّ صّورة زائفة لإلهٍ مُحاسب ومُراقِب، وليس أَبًا. وفي كثير من الأحيان في الحياة يمكننا أن نعيش علاقة الإيمان “التجاري” هذه: أفعل هذا حتى يعطيني الله هذا.
ساعد يسوع في المرحلة الثّانية ذلك الرّجل وقدّم له وجه الله الحقيقيّ. في الواقع -يقول النّص- “فحَدَّقَ إِليهِ” و “أَحبَّه” (الآية 21). هذا هو الله. هذا هو المكان حيث يُولد الإيمان ويتجدّد: ليس من واجب، وليس من شيء يجب أن أعمله أو أدفعه، بل من نظرة حبّ نَقبَلُها. هكذا تصير الحياة المسيحيّة جميلة، حين لا تستند على قدراتنا ومشاريعنا، بل تستند على نظرة الله. هل إيمانك، هل إيماني مُتعب؟ هل تريد أن تنشطه؟ ابحث عن نظرة الله: اسجد، واطلب المغفرة في سرّ الاعتراف، وقِفْ أمام الصّليب. باختصار، دع الله يحبّك. هذه هي بداية الإيمان: أن ندعه يحبّنا، هو الأب.
يوجد بعد السّؤال والنّظرة – المرحلة الثّالثة والأخيرة – دعوة من يسوع، الذي قال: “واحِدَةٌ تَنقُصُكَ”. ما الذي كان ينقص هذا الشّابّ الغنيّ؟ العطاء والمجّانيّة: “إِذْهَبْ فَبِعْ ما تَملِك وأَعطِهِ لِلفُقَراء” (الآية 21). ربّما هذا ما ينقصنا نحن أيضًا. قد نفعل غالبًا الحدّ الأدنى، بينما دعانا يسوع إلى أن نفعل الحدّ الأقصى. كم مرّة اكتفينا بالواجبات – الوصايا وبعض الصّلوات وأمور أخرى هكذا – بينما يطلب منّا الله، الذي منحنا الحياة، اندفاعًا حيًّا! اليوم يمكننا أن نرى بوضوح هذا العبور من الواجب إلى العطاء، مع يسوع الذي بدأ بذكْرِ الوصايا: “لا تَقْتُلْ، لا تَزْنِ، لا تَسرِقْ،…” وما إلى ذلك (آية 19) – كلّها أمور يجب ألّا نعملها! – ثمّ وصل إلى العرض الإيجابي: “اذهَبْ، وبِعْ، وأَعطِ، وٱتبَعْني!” (راجع الآية 21). لا يمكن حصر الإيمان في لفظة ”لا“، لأنّ الحياة المسيحيّة هي ”نعم“، ”نعم“ المحبّة.
أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، إيمان بدون عطاء وإيمان بدون مجّانيّة هو إيمان ناقص، وهو إيمان ضعيف وإيمان مريض. يمكننا مقارنته بطبق غنيّ ومغذٍّ، ولكن ينقصه النّكهة، أو بمشاهدة مباراة جيّدة إلى حد ما ولكن من دون أهداف. لا، هذا ليس حسنًا، لأنّه ينقص ”الملح“. الإيمان من دون عطاء ومجّانيّة وأعمال خيريّة يجعلنا في النّهاية حزينين: مثل ذلك الرّجل الذي، على الرّغم من أنّ يسوع نفسه نظر إليه شخصيًا بمحبّة، عاد إلى بيته “حَزينًا” و “مغتَمَّا” (الآية 22). يمكننا أن نسأل أنفسنا اليوم: في أيّ مرحلة يوجد إيماني؟ هل أعيشه مثل أمرٍ آليّ، ومثل علاقة واجب أو مصلحة مع الله؟ هل أتذكّر أن أغذّيه وأسمح ليسوع أن ينظر إليّ ويحبّني؟ أن أسمح ليسوع أن ينظر إليّ ويحبّني، وأن نسمح ليسوع أن ينظر إلينا ويحبّنا. ”وعندما يشدني إليه، هل أقبل المجّانيّة والكرم من كلّ قلبي؟“.
العذراء مريم، التي قالت ”نعم“ كاملة لله ، ”نعم“ بدون ”ولكن“ – ليس من السّهل قول نعم بدون ولكن: العذراء مريم فعلت ذلك، قالت نعم بدون ولكن – لتجعلنا نتذوّق جمال أن نجعل الحياة عطاء.
صلاة التبشير الملائكي
بعد صلاة التبشير الملائكي
أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء!
يسعدني اليوم أيضًا أن أعلن إعلان طوباويين جُدد. بالأمس، في نابولي، تم إعلان تطويب ماريا لورينزا لونغو، زوجة وأم لعائلة من القرن السادس عشر. كانت أرملة وأسست في نابولي مستشفى للأمراض التي لا علاج لها. وأسست راهبات الكلاريس الكبوشيات. امرأة تحلّت بإيمان كبير وحياة صلاة عميقة، بذلت حياتها في سبيل احتياجات الفقراء والمتألمين. واليوم، في تروبيا، في كالابريا، تم إعلان تطويب الأب فرانشيسكو موتولا، مؤسس راهبات ورهبان القلب الأقدس، وتوفي في عام ١٩٦٩. كان راعيًا غيورًا ومبشرًا بالإنجيل لا يكلُّ، وشاهدًا نموذجيًا لكهنوت عاشه في المحبة والتأمل. لنصفق لهؤلاء الطوباويين الجدد.
أرغب اليوم، في مناسبة اليوم العالمي للصّحة العقليّة، في أن أتذكر الإخوة والأخوات الذين يعانون من اضطرابات عقليّة وكذلك ضحايا الانتحار، وهم في الغالب من الشباب. لنصلِّ من أجلهم ومن أجل عائلاتهم، حتى لا يُترَكوا وَحدهم أو يتعرّضوا للتمييز، بل حتى يتم قبولهم ودعمهم.
وأتمنّى لكم جميعًا أحدًا مباركًا. ومن فضلكم، لا تنسَوْا أن تصلّوا من أجلي. غداءً هنيئًا وإلى اللقاء!
***********
© جميع الحقوق محفوظة – حاضرة الفاتيكان 2021
Copyright © Dicastero per la Comunicazione – Libreria Editrice Vaticana