خاطب البابا فرنسيس يوم الاثنين 10 كانون الثاني ممثّلي السلك الديبلوماسي في حديث طويل تطرّق فيه إلى أمور كثيرة وأوّلاها أهميّة بذل الجهود لمواجهة جائحة كورونا.
وقال: “إنا نرى في هذه الأيام كيف أنّ مكافحة الجائحة ما زالت تقتضي جهدًا كبيرًا من الجميع، وما زلنا نتوقع أن يكون العام الجديد مليئًا بالتحديات. ما زال فيروس الكورونا يخلق العزلة الاجتماعية ويحصد الضحايا، ومن بين الذين فقدوا حياتهم، أودّ أن أذكر هنا رئيس الأساقفة الراحل ألدو جوردانو، السفير البابوي المعروف والمحترم في الأسرة الدبلوماسية. في الوقت نفسه، أمكننا أن نرى أنّه حيثما تم تنظيم حملة تطعيم فعالة، انخفض خطرتقدّم المرض.
لذلك من المهم أن تستمر الجهود المبذولة لتطعيم السكان بأكبر قدر ممكن. وهذا يتطلب التزامًا متعددًا على المستوى الشخصي والسياسي وكلّ المجتمع الدولي. أولًا وقبل كلّ شيء على المستوى الشخصي. كلّ واحد مسؤول، وعليه أن يعتني بنفسه وصحته، وهذا يعني أن نحترم صحة كلّ من كان قريبًا منا. الرعاية الصحية واجب أخلاقي. للأسف، إنّنا نرى يومًا فيوم أنّنا نعيش في عالم من التناقضات الأيديولوجية الشديدة. في كثير من الأحيان نسمح لأنفسنا بأن نتأثر بأيديولوجية اللحظة، والتي غالبًا ما تكون مبنية على معلومات لا أساس لها، أو هي أقوال ليس لها توثيق كاف. كلّ بيان أيديولوجي يقطع روابط العقل البشري بالواقع الموضوعي للأشياء. من ناحية أخرى، تتطلب الجائحة أن يكون لدينا نوع من ”علاج للواقع“، الأمر الذي يتطلب منا أن ننظر في المشكلة كما هي، ونتخذ العلاج المناسب لحلها. اللقاحات ليست أدوات سحرية للشفاء، لكنّها تمثل بالتأكيد، بالإضافة إلى العلاجات التي يجب تطويرها، الحل الأكثر منطقية للوقاية من الأمراض.
ثم يجب أن يكون هناك التزام من قبل السياسة لمتابعة السعي لتحقيق خير السكان باتخاذ القرارات للوقاية والتحصين، وهذا يقتضي توعية المواطنين حتى يشعروا بأنفسهم مشاركين ومسؤولين، فيتم عرض المشكلات بصورة شفافة، وكذلك الإجراءات المناسبة لمعالجتها. النقص في الحَزم في اتخاذ القرار والنقص في الوضوح في عرض الأمور يولد الارتباك وعدم الثقة ويقوِّض التماسك الاجتماعي، ويغذي توترات جديدة. وتظهر”نسبية اجتماعية“ تضر بالانسجام والوَحدة.
أخيرًا، هناك حاجة إلى التزام شامل من قِبل المجتمع الدولي، حتى يتمكن كلّ سكان العالم من الحصول بصورة متساوية على الرعاية الطبية الأساسية وعلى اللقاحات. للأسف، يجب أن نلاحظ بألم أنّ الوصول الشامل إلى الرعاية الصحية في مناطق واسعة من العالم لا يزال سرابًا. في مثل هذه اللحظة الخطيرة للبشرية جمعاء، أكرّر مناشدتي للحكومات والهيئات الخاصة المعنية لكي تبدي إحساسًا بالمسؤولية، فتطوِّر استجابة منسقة على جميع المستويات (المحلية والوطنية والإقليمية والعالمية)، من خلال نماذج وأدوات جديدة للتضامن ولتعزيز قدرات البلدان ولا سيّما أكثرها حاجة. أسمح لنفسي أن أحث، خاصة، الدول التي تعمل على إنشاء أداة دولية بشأن الاستعداد ومواجهة الجائحة برعاية منظمة الصحة العالمية، لكي تعتمد سياسة مشتركة غير متحيزة، كمبدأ أساسي لضمان وصول الجميع إلى وسائل التشخيص، واللقاحات والأدوية. وبالمثل، من المستحسن أن تقوم المؤسسات، مثل منظمة التجارة العالمية والمنظمة العالمية للملكية الفكرية، بتكييف أدواتها القانونية، حتى لا تشكل القواعد الاحتكارية عقبات أخرى أمام الإنتاج، وحتى تسمح بالوصول المنظم والمتسق إلى الرعاية الصحية في جميع أنحاء العالم”.