“الرّحمة جزء جوهريّ من المحبّة، بل هي المحبّة المعتنية بالقريب المحتاج.”
أبونا يعقوب الكبّوشيّ
القلوب جميعها تصرخ.. تناجي الرّبّ… تسأل رحمةً…
هدف البشريّة اليوم الرّاحة، والفرح، والسّلام…
سُمّيَ ب “رسول الرّحمة” لأنّه كان على يقينٍ تام أنّ القريب بحاجة إليه، وهو بحاجة إلى الله. ذاك كان فكره الذي قاده إلى عمل الرّحمة… إنّه أبونا يعقوب الّذي أحبّ القريب، أحبّ ابن الله، أحبّ صورة الله، أحبّ محبوب الله… أحبّ الإنسان…
انطلق من إيمانه أنّ رحمة الرّبّ لا حدود لها، هي رحمة تحبّ، ولا تكتفي بانتظار الخاطئ، بل تذهب إليه. فكان ذاك الإيمان خير معلّم في حياته، يرشده، ويقوده إلى القريب، ليبلسم جراحه، ويدواي ألمه بطيب الحبّ، والرّحمة…
ونحن ما زلنا نسعى، بمخطّطنا الخاص، نطلب الرّاحة، والفرح، والسّلام…
والرّبّ لا يتركنا أبدًا…العناية الإلهيّة ترافقنا اليوم، كما رافقت الكبّوشيّ…
خطّة الرّبّ هي السّاعية دومًا إلى الخلاص، خطّة الرّبّ حبّ، والحبّ راحة، وفرح، وسلام…
خطّة الرّبّ تدخُّلٌ ذاتيّ، أشرق نجمه، تجسّد، تشبّه بنا، أخذ طبيعتنا البشرية ليجلوها بنوره، ويرفعها. أخذ ضعفنا، وهشاشتنا، أخلى ذاته، وتواضع حتّى الموت. حمل أوجاعنا ، حمل آلامنا ليعطينا الراحة، والفرح، والسّلام…
ونحن نرى أنفسنا نبحث، ونبحث، ونسعى لنصل إلى خير نتمنّاه….ولكنّ بصيرتنا مشوّشة… نرى أنفسنا متعثّرين بين الأزمات…
والربّ معنا ، لأنّه يريدنا أن نرى بوضوح، يريدنا أن نرى بعينَي الكبّوشيّ، والسّامريّ، والقيروانيّ، يريدنا أن نرى بعينيه زكّا، ومتّى ، وسواهم… هؤلاء الذين استقبلهم، ودعاهم إلى فرحه…
“علينا أن نخرج إلى الضواحي الوجوديّة للإنسان” ( البابا فرنسيس)
نعم … نحن اليوم بأمسّ الحاجة إلى الدّخول إلى معاناة الآخر، وإلى عيش إنسانيّة الخدمة، وإنسانيّة الغفران…
نحن بحاجة إلى بناء بشريّة جديدة، بشريّة اللقاء، والحوار، والإصغاء ، فنهدم عندها بشريّة بابل التي بلبلها الخوف، والقلق، وزعزت مداميكها الأنانيّة، وعمّها خراب الطّمع…
على خطاك “أبونا يعقوب”… اليوم نريد أن نكون علامة الإنسانيّة الجديدة … سنلوذ إلى العناية الإلهيّة، وحدها مرشدتنا لنحيا الرحمة، والحبّ… لنقترب من الآخر…
لنمدّ معًا يدنا نحو الرّبّ …
الرّبّ معنا، ونحن نريد أن نكون معه…