منذ أكثر من ألفي سنة حتى يومنا هذا، والإنسان يعيش في الدوامة عينها، لم يتعلم أبدًا أن يميّز بين الحرية الحقيقيّة والحرية المزيفة. وما زال يحقّق حريته على مثال الإبن الضالّ:
عندما يبلغ الإنسان سن الرابعة عشر وما فوق، يصبح شعار الحرية هو قضيته وهمّه الأول والأخير.
أ- لا بد أن يقتل سلطة الأهل، فيقف في وجه من سهروا الليالي وضحوا بحياتهم لأجله، يقف بكل جرأة ويقول: “أنا قد كبرت، أنا حر، أنا أعرف، أنا أقرر، لا أحد يحقّ له أن يتدخل في أموري”، وكم يتمنى قتل تلك السلطة! والقصة لا تنتهي هنا، بل يريد قتل سلطة الله عليه، فيقول له، “لا تتدخل بعد اليوم في حياتي، لا أريدك ولا أريد أي شيء من تعاليمك، تعاليم الله تقليد قديم جدًا، لا بدّ التخلي عنها، تعاليم الله تحدّني، تقتل حريتي، وكم أتمنى أن يتحقق قول الفيلسوف نيتشه في حياتي عندما صرخ قائلًا : “الله مات” فياليته يموت في حياتي أيضًا”.
ب- لا بد أن يرحل عن بيت الأب، يا ليته يستطيع السفر! يا ليته يشبه الغرب بحياته اليومية! عند سن الثامنة عشر يرحل الشاب ليعيش وحده، عند ذلك يكون حرّ بكل ما معنى الكلمة. أحلام جميلة جدًا، مهما كان ثمنها غالٍ سيدفعها، المهمّ أن يكون حرًّا. والقصة لا تنتهي هنا، بل يجب أن يرحل عن بيت أبيه السماوي، الكنيسة. فتصبح بنظره “أمّ عجوزة، أمّ طعنت بالسن جدًا”. لا يريد أن يكون مثل تلك الناس التي تذهب إليها وتتقيّد بتعاليمها، وتحبس ذاتها في تقاليد عمرها مئات السنين. بالنسبة له، متى ستتعلم الناس أن تتحرّر من الكنيسة، وتكون أحرارًا.
ت- وأخيرًا، أصبح في سن الثامنة عشر، الآن أصبح بإمكانه دخول الملاهي الليلية؛ يستطيع السهر ولو لساعة متأخرة. يريد أن يعيش، أن يسهر، أن يشرب، إلخ. رغبته الآن، أن يعيش الحرية المطلقة من الجنس والشهوات والملذات، من مخدرات، وقمار، وإلخ، يريد أن يكون “حرّ”.
وما النتيجة؟ الدمار والموت.
تحت إسم الحرية المزيفة هذه، يقتل شباب اليوم مفهوم العائلة، القيم والمبادئ، وبعضهم البعض…
تحت إسم الحرية المزيفة هذه، سيموت هو وتموت عائلته ورائه. يفقد رشده، يفقد هويته، يفقد قيمته في المجتمع. يتألم وتتألم عائلته معه.
تحت إسم الحرية المزيفة هذه، يهين كرامته بالسرقة لكي يستطيع العيش، يبيع كل ما يملك، حتى جسده، المهم أن يحصل على المال، لكي يعيش. يصبح عبد لهذا ولذلك. يبحث في القمامة ليجد الطعام. الحبس يصبح رفيقه الدائم يزوره من فترة إلى أخرى. من الخارج هو أسعد إنسان، أما من الداخل، حزن كبير يلف قلبه، لا يجد معنى لأي شيء يعيشه. ويصرخ في النهاية لأقول: “كم كنت مغشوش، لقد خَدَعَتْني العبودية المتشحّة بلباس الحرية”.
ويبقى السؤال الكبير: أيا ترى هناك أمل للعودة؟
الجواب، هو الدعوة إلى التأمل بعودة الإبن الضالّ، ومدى روعة “رحمة وحنان” الأب، الذي لم يتعب أبدًا من إنتظار “عودة الإنسان”.
فلا تخف أن تعود، هو بإنتظارك…
لقراءة الجزء الأوّل من المقالة، أنقر على الرابط التالي:
https://ar.zenit.org/2022/01/31/%d8%ad%d8%b1%d9%91%d9%8a%d8%a9-%d8%a7%d9%84%d8%a5%d8%a8%d9%86-%d8%a7%d9%84%d8%b4%d8%a7%d8%b7%d8%b1-%d8%b9%d8%a8%d9%88%d8%af%d9%8a%d9%91%d8%a9-1/