كيف ومتى أكون حرًّا ؟ ماذا تعني الحريّة؟ بين ماذا وماذا يجب أن أختار؟
أسئلة عديدة تدور برأس كل إنسان يبحث عن الحرية. للإجابة على هذه الأسئلة المطروحة، سنغوص معًا في الكتاب المقدس ونتأمل بالإنسانة الرائعة ” أم الحرية وملكة الحرية” مريم العذراء، تلك الفتاة من الناصرة التي غيّرت وجه العالم بحريّتها.
البعض يقولون بأن مريم العذراء لم تكن حرّة بإختيارها لمشروع الله الخلاصي في حياتها، بل كانت مسيّرة، وكلمات وكلمات ليس لها أي معنى. لكي ندرك معنى ال”نعم” التي قالتها مريم للملاك جبرائيل، ال”نعم” لمشروع الله الخلاصي، ال”نعم” لخلاص البشرية من سلطان الموت والشرير، لا بد لنا أن نتأمل صعوبة الواقع التي كانت تعيشه مريم العذراء.
1- مريم فتاة مخطوبة لرجل إسمه يوسف (لوقا 1\27): كانت مريم تحلم دائمًا كيف سيكون بيتها؟ كيف ستأسّس عائلة؟ وعدد الأولاد؟ مشاريع عديدة قد رسمتها لحياتها الزوجية، أحلام عمرها سنين وأيام، وإذ يأتي ملاك من عند الرب ليقول لها بأنه لديه حلم جديد لمريم، مشروع جديد، مشروع مبهم قليلًا، مشروع يتعارض مع كل ما كانت تحلم به. بالوقت الذي كان حلمها الرائع يدفعها لرفض حلم الله الأروع، مريم كانت حرة وإختارت حلم الله.
2- عملية حَمِلْ غريبة، طفل من دون زواج: كل إمرأة مخطوبة تحبل بطفل قبل زواجها، من رجل آخر غير زوجها، ترجم حتى الموت (تثنية 22\23-24). وإذ يأتي ملاك من عند الربّ ليقول لها ستحبلين وتلدين طفلًا (لوقا 1\31). يا له من موقف قاسٍ جدًا، يا له من موقف لا تحسد عليه أبدًا، هناك مجازفة، هناك مخاطرة كبيرة، قد تكلّفها حياتها. بالوقت الذي كان قانون الشريعة يدفعها لرفض حلم الله، مريم كانت حرّة وإختارت قانون الله.
3- لا كرامة للمرأة في ذلك الوقت: في المجتمع اليهودي، لم يكن هناك كرامة أبدًا للمرأة، هي لشغل البيت، وتحضير الطعام، وإنجاب الأولاد وتربيتهم، وخدمة الرجال، لا يحقّ لها التكلم بالشؤون الإجتماعية والسياسية وخاصة الشؤون الدينية في المجتمع. وإذ ملاك الرب يبشرها برسالة دينية عظيمة جدًا، يبشرها ببشرى ينتظرها المجتمع اليهودي، وخاصة الكهنة والكتبة والفريسيين وينتظرون علامة على ذلك، ماذا ستقول مريم، تعالوا وانظروا الخلاص سيأتي على يدي؟ تعالوا لأقول لكم سيف سيتمّ الخلاص؟ إمرأة ستشرح للرجال مشيئة الله! ومن هي؟ من أنت ليختارك الله؟ أنت لست سوى إمراة بسيطة جدًا، ما المميز بك ليختارك الله؟ وأسئلة عديدة جدًا ستُواجَهْ بها مريم. بالوقت الذي كان التعصب الديني والإجتماعي وحكمة المجتمع يدفعونها لرفض الله، مريم كانت حرة وإختارت حكمة الله.
4- لا يخرج شيء صالح من الناصرة (يوحنا 1\46): كان هناك صيت سيء على المنطقة، صيت يتداول فيه جميع المناطق المجاورة. كل ما يدخل واحد من الجليل إلى منطقة معينة ليتكلم عن الله أو عن الخير، إلخ. كانوا ينعتونه بهذا المثل. بالوقت الذي كان الصيت السيئ لهذه المنطقة يدفعها لرفض الله، مريم كانت حرة وإختارت “صيت” الله.
أخي الإنسان، يختلف الزمان والمكان والشخصيات ولكن الحدث واحد، وحدث الحرية يبقى هو هو. كم نشبه تلك الفتاة الرائعة في حياتنا اليومية، كم من الأصوات الخارجية والدخليّة تدعونا لنرفض الله، وقتل حضوره في حياتنا. كم من الملذات والأمور الدنيوية تدعونا لرفض الإله الحقيقي. فلماذا لا نكون على مثال مريم، أحرار.
أخي الإنسان، تكون حرًّا،
عندما تقول لملذاتك وشهواتك وأنانيتك “لا”، وتقول “نعم” لله.
عندما تقول لحبّ الشر والقتل و… “لا”، و” نعم” لحبّ الخير والآخر.
عندما تقول “لحكمة أصدقائك” التي تدعوك لكي لا تتكلم عن الله وإلا تكون “المجنون” و “الهبلة” و…. “لا”، و “نعم” لله وحكمته والبشارة به.
عندما تقول لماضيك السيء وللصيت السيء الذي يلاحقق “لا” أريدك بعد اليوم. و”نعم” للمستقبل الرائع والصيت الرائع مع الله.
الحرية أن تختار الله بالرغم من كل الشياطين التي تغويك، أن تختار الخير بالرغم من كل الشرّ الذي يشجعك، أن تختار حكمة الله بالرغم من منطق البشر الذي يكللّ حياتك اليومية، أن تختار الله بالرغم من ماضيك الأسود.
أخي الإنسان، كن حرًّا واختر الله.