أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء،
اسمحوا لي أوّلاً أن أحيّي تحية المودّة والتقدير فضيلة الإمام الأكبر، الدكتور أحمد الطيّب، الذي وقّعت معه، قبل ثلاث سنوات بالضبط، في أبو ظبي، وثيقة الأخوّة الإنسانيّة من أجل السّلام العالمي والعيش المشترك. سِرنا في هذه السنواتِ إخوةً مدركين أنّنا مدعوُّون، مع احترامنا لثقافاتنا وتقاليدنا، إلى بناء الأخوّة، لتكون حاجزًا أمام الكراهية والعنف والظلم.
أشكُر كلّ الذين رافقونا على هذا الطريق: صاحب السّمو الشيخ محمد بن زايد على التزامه الدائم في هذه الغاية، واللّجنة العليا للأخوّة الإنسانيّة على المبادرات المختلفة التي تمّ الترويج لها في مختلف أنحاء العالم، والجمعيّة العامة للأمم المتّحدة لأنّها سمحت بقرار في 21 كانون الأوّل/ديسمبر سنة 2020 بأن نحتفل اليوم باليوم العالمي الثاني للأخوّة الإنسانيّة. والشكر موجّه إلى جميع المؤسسات المدنيّة والدينيّة التي تدعم هذه القضيّة النبيلة.
الأخوّة هي إحدى القيّم الأساسيّة والعالميّة التي ينبغي أن تكون أساس العلاقات بين الشعوب، حتى لا يشعر الذين يتألّمون أو يعانون من الحرمان بالإقصاء والنسيان، بل بالترحيب والدّعم بكونهم جزءًا من العائلة البشريّة الواحدة. نحن إخوة!
كلّنا، فيما نتشارك في مشاعر الأخوّة المتبادلة بيننا، يجب أن نصبح دعاةً لثقافة السّلام، التي تشجّع التنمية المستدامة، والتّسامح، والاندماج، والتّفاهم المتبادل، والتّضامن.
نعيش كلّنا تحت السّماء نفسها، بغضّ النّظر عن المكان وعن كيف نعيش، وعن لون بشرتنا، وديننا، وطبقتنا الاجتماعيّة، وجنسنا، وعمرنا، وظروفنا الصّحيّة والاقتصاديّة. كلّنا مختلفون، لكن متساوون، وقد أثبَتَتْ لنا ذلك فترة الجائحة. أُكرّر مرّة أخرى: لا أحد يمكنه أن يَخلُص وحده!
نعيش كلّنا تحت السّماء نفسها، وباسم الله، علينا، نحن خليقته، أن نعترف بأنّنا إخوة وأخوات. وبكوننا مؤمنين ينتمون إلى تقاليد دينيّة مختلفة، لنا دور نقوم به. وما هو هذا الدّور؟ أن نساعد إخوتنا وأخواتنا ليرفعوا نظرهم وصلاتهم نحو السّماء. لنرفع أعيننا إلى السّماء، لأنّ من عبَدَ الله بقلبٍ صادق أحَبَّ قريبه أيضًا. تقودنا الأخوّة إلى أن ننفتح على أبِي الكلّ وأن نرى في الآخر أخًا، وأختًا، ونتشارك الحياة، وندعم بعضنا بعضًا، ونحبّ ونعرف الآخرين.
نعيش كلّنا تحت السّماء نفسها. اليوم هو الوقت المناسب لنسير معًا. لا تتركوا شيئًا للغد أو لمستقبلٍ لا نعرف هل يكون، اليوم هو الوقت المناسب لنسير معًا: المؤمنون وكلّ الأشخاص ذوي النّوايا الصالحة. إنّه يوم ملائم لنتصافح ونحتفل بوَحدتنا في تنوّعنا – وَحدة لا تسوية (بنمط واحد للجميع)، بل وَحدة مع التنوّع -، ولنقول للجماعات والمجتمعات التي نعيش فيها إنّ وقت الأخوّة قد حان. كلّنا معًا، لأنّه من الضّروري أن نكون متضامنين الواحد مع الآخر. ولهذا أكرّر ذلك اليوم، فهو ليس وقت اللامبالاة: إمّا إنّنا إخوة أو ينهار كلّ شيء. وهذا ليس مجرّد تعبير أدبي عن مأساة، لا، بل هي الحقيقة! إمّا إنّنا إخوة أو ينهار كلّ شيء، ونرى ذلك في الحروب الصّغيرة، في هذه الحرب العالميّة الثّالثة المجزّأة، كيف تُدَمَّر الشّعوب، وكيف لا يجد الأطفال ما يأكلونه، وكيف ينخفض مُستوى التربية… إنّه دمار. إمّا إنّنا إخوة أو ينهار كلّ شيء.
وليس وقتًا لننسى. يجب أن نتذكّر كلّ يوم الكلام الذي قاله الله لإبراهيم وهو: إن رفع نظره إلى نجوم السّماء سيرى نسله الذي وعده به، وهو نحن (راجع اللقاء بين الأديان في سهل أور، 6 آذار/مارس 2021). إنّه وعدٌ تحقّق أيضًا في حياتنا: وعدٌ بأخوّة واسعة ومضيئة مثل نجوم السّماء!
أيّتها الأخوات العزيزات وأيّها الإخوة الأعزّاء، أيّها الأخ العزيز فضيلة الإمام الأكبر!
إنّ طريق الأخوّة طويل، وهو طريقٌ صعب، لكنّه مرساة النّجاة للبشريّة. أمام إشارات التّهديد العديدة، وأمام الأوقات المظلمة، وأمام منطق الصّراع، لنرفع علامة الأخوّة التي ترحّب بالآخر وتحترم هويّته، وتدعوه إلى مسيرة مشتركة. لا متساوون متشابهون، لا، بل إخوة، وكلّ واحدٍ بشخصيّته الخاصّة، وبفرادته الخاصّة.
شكرًا لكلّ الذين يعملون وهم مقتنعون قناعة راسخة بأنّنا نستطيع أن نعيش في وئام وسلام، ويدركون الضّرورة إلى عالمٍ فيه مزيد من الأخوّة، لأنّنا كلّنا خليقة الله: إخوة وأخوات.
شكرًا للذين سينضمون إلى مسيرتنا الأخويّة. أشجّع الجميع على أن يلتزموا بقضيّة السّلام، ويهتموا للمشاكل والاحتياجات العمليّة للأخيرين، والفقراء، والذين لا حامِيَ لهم. الاقتراح هو أن نسير جنبًا إلى جنب، ”كلّنا أخوة“، لنكون صنّاعًا حقيقيّين للسّلام والعدل، وفي تناغم بين الاختلافات وفي احترام هويّة كلّ واحد. أيّها الإخوة والأخوات، لنمضِ قدمًا معًا على طريق الأخوّة هذا! شكرًا.
***********
© جميع الحقوق محفوظة – حاضرة الفاتيكان 2022
Copyright © Dicastero per la Comunicazione – Libreria Editrice Vaticana