يفصل زمن الدنح (الغطاس) عن زمن الصوم ثلاث تذكارات موزعة على أسابيع ثلاث:
١- الأسبوع الأول: تذكار الكهنة المتوفين.
٢- الأسبوع الثاني: تذكار الأبرار والصّدّيقين.
٣- الأسبوع الثالث: تذكار الموتى المؤمنين.
لقد وضعت أمامنا الكنيسة هذه التذكارات للصلاة من أجل الذين سبقونا إلى الحياة الأبدية. والملفت هو أن التذكار الأول هو للكهنة… لماذا؟ لأن «ذلِكَ الْعَبْدُ الَّذِي يَعْلَمُ إِرَادَةَ سَيِّدِهِ وَلاَ يَسْتَعِدُّ وَلاَ يَفْعَلُ بحَسَبِ إِرَادَتِهِ، فَيُضْرَبُ كَثِيرًا» (لوقا١٢: ٤٧).
نعم… الكهنة يعرفون مشيئة السيد… وهم بشر ضعفاء… فهم يسقطون في الخطيئة مثل أي مؤمن… ولكنهم يُعاقَبون العقوبة الأشدّ… لماذا؟ لأنهم يعلمون جيّدًا ماذا يفعلون… ولكن بالرغم من ذلك، تطلب الكنيسة الصلاة من أجل الكهنة…
فهم قدموا ذواتهم طَوعًا لخدمة كلمة الله والكنيسة، ولم يُجبرهم أحد على ذلك، إنّـما حب المسيح في قلوبهم كان الأقوى…
هم قدّموا زهرة شبابهم لله، فدخلوا الإكليريكية لدراسة اللاهوت ومتابعة التنشئة الكهنوتية، في حين أن رفاقهم كانوا قد أنهوا دراستهم في الجامعة وبدأوا يبحثون عن عمل… لم يجبرهم أحد على ذلك… ولكن رسالة المسيح جذبتهم، فقدّموا شبابهم لخدمتها…
هم حملوا هَمّ الرعية طَوعًا، وحملوا الكنيسة بغيرة كبيرة، لم يُجبرهم أحد على ذلك، إنّما كلمة الله وجدت فيهم الأرض الطيبة التي فيها تُعطي ثمارًا كثيرة…
هم يعيشون وجع الناس، أفراحهم، أتراحهم، فقرهم، جوعهم، خلافاتهم، مصالحاتهم، وهم لا ينتظرون المكافأة من أحد… هو المسيح -الحيّ أبد الدّهور- الذي يكافئهم…
ولكن… بالرغم من كل ذلك، هم بشر يُخطئون ويعلمون جيّدًا ذلك… وهم -أكانوا أحياء أم موتى- بحاجة لصلاة المؤمنين وتعاونهم… لذلك تطلب الكنيسة من الجميع الصلاة من أجل الكهنة…
فالكاهن، في نهاية كل قداس، يضع الموت أمام عينيه، فيودع المذبح ويقول له: «لا أعلم إن كنت سأعود أُقَرّب عليك قربانًا آخَر أم لا!»… هو يعلم أنه عندما ينهي قداسه، ممكن أن يكون ذلك هو آخر ما يقوم به، وفي اليوم التالي سَيُسَجّى في النعش أمام نفس المذبح، ليطوف به إخوته الكهنة، وليَجعلوا النعش يلمس المذبح لتكون له القبلة الأخيرة…
لنُصلّي عن نية الكهنة ونحن نقرأ من صلاة الغفران (الحساية) الخاصة بجناز الكهنة: «نَسألُكَ الآنَ، أيّها المسيحُ إلهُنا، رَئيسُ كَهَنَتِنا الحَقِيقيّ، على عِطْرِ البَخُور، أن تَقْبَلَ كاهِنَكَ (فلان) الّذي اخْتَرْتَهُ. إِرفَعْهُ إلى مَجْدِكَ الأَبَدِيّ. أَحصِهِ بينَ الكَهَنةِ الأَبرار، وامنَحْهُ النَعِيمَ مَعَ القِدِّيسِين. نَجِّهِ مِنْ كُلِّ أَلمٍَ وحُزْنٍ وشَقاء، فيُهَلِّلَ مَعَ بُطْرُس، ويُسَرَّ مَعَ يوحنَّا، وجَوقِ رُسُلِكَ الأَطْهَار، ويَنالَ مِنكَ إِكْلِيلَ الظَفَر. ليَفرَحْ مَعَ الأَنبياء، ويَبتَهِجْ معَ الرُسُل، ويَتبَجَّلْ بِحُلَّةِ الكَهَنُوتِ الأَبَدِيِّ مَعَ الكَهَنةِ القِدِّيسِين»… كل منّا يعرف كاهنًا سبقنا إلى الملكوت السماوي، ليضع إسمه في هذه الصلاة بدل (فلان) ويصلي من أجله…