Retraite De Carême À Ariccia © L'Osservatore Romano

الصوم جهاد في سبيل تنقية النفس والقلب والضمير

زمن الصوم فرصة مناسبة لنا جَميعاً

Share this Entry
إلى إخوتي الكهنة الأحباء والراهبات الفاضلات،
وإلى أبنائنا الأعزاء في أبرشية الاسكندرية وفي بلاد الانتشار للأرمن الكاثوليك ،
وإلى المؤمنين أبناء الكنيسة الواحدة الجامعة المقدسة الرسوليّة ،
“عليكم النِعمَةُ والسلام من لَدُنِ اللهِ أبينا والرب يسوع المسيح ” ( فيليبي ١ : ٢ ) وأُصيكم وأُناشدكم وأقول لكم : ” توبوا ، قد اقترب ملكوتُ السَّمَوات ” ( متى ٣ : ٢ ) .
الصوم مسيرة ورحلة رُوحيّة:
 في مطلع  ” الصوم الكبير”  كان ومازال المسيحيون يُهنئون بعضهم البعض قائلين  : ” صوماً مباركاً ” متمنين لبعضهم صوماً مقدّساً ومباركاً لما فيه في  حياتهم المسيحية مكانة كبيرة .
فالصوم زمن التوبة وفرصة للرجوع إلى الله ودعوة الى ممارسة أعمال التوبة بكل أشكالها، ” توبوا ، فقد اقترب ملكوت الله” ( متى ٣ : ٢ ) ، هو رحلة، وعندما تُقرر الرحيل لابُدَّ وأن تحدّد وجهة سيرك ، هكذا هو الحال مع الصوم الكبير، فالصوم سَفَر روحي وجهته الفصح المجيد “عيد الأعياد”. تبتدئ هذه الرحلة بعرسٍ في الأرض الا وهو عرس قانا الجليل وينتهي بعرسٍ في السماء وهو عرس الصليب  . هو مسيرة رُوحيّة نستعد خلالها للعبور مع فصح المسيح إلى حياة جديدة ، عبر توبة القلب وثمارها التي تقودنا إلى فرح القيامة .
الصوم زمن توبة ومغفرة :
الصوم هو زمن الصفح والتكفير عن الخطايا والجهاد في سبيل تنقية النفس والقلب والضمير ، وإنعاش المحبة المجروحة بالمعاصي . هو الصفح عن جميع المساوئ والإهانات والزلات : ” إن تغفروا للناس زلاتهم يغفر لكم أبوكم السماوي ، وإن لم تَغفِروا للناس لا يغفر لكم أبوكم زلاتكم ” ( متى ٦ : ١٤ – ١٥ ) . وهذا ما نردده في الصلاة الربية : ” اغفر لنا خطايانا كما نحن نغفر لمن أساء إلينا ” . لا معنى للصوم إذا كنا نحقد ولا نغفر . الصوم هو توبة وإزعاج الجسد بالحرمان بدون تبجح ولا مباهات : ” أُمّاً أنتَ ، فإذا صُمتَ ،  فأدهُنْ رأسكَ  وأغسلْ وجهكَ  لكيلا  يَظْهَرَ للناسِ أنَّكَ  صائم ، بل لأبيك الذي في الخُفية ، وأبوكَ الذي يَرى في الخُفيةِ يُجازك ” ( متى ٦ : ١٧ – ١٨) ، وملكوت الله ” ليس أكلاً وشراباً بل هو برَّ وسلام وفرح في الروح القدس ” ، فالصوم ليس امتناعاً عن الطعام والشراب فقط ، بل هو جزء من الممارسات التي تساعدنا على تعميق جذور المحبة والانفتاح على الرب والقريب .
فالصوم فترة توبة وعودة الى الأعماق ، فيها نُعزي ذواتنا لنذوب في محبة المسيح . والتوبة الحقيقية هي الرجوع والندم الصادق عن آثامنا . وهكذا بالصوم والتوبة والصدق والغفران نجدد إيماننا لنعود لنسلك معاً من جديد طريق الخلاص .
الصوم فعل محبة وتضحية :
الصوم هو الشراكة مع المحتاج ، وهو أيضاً زمن الصدقة والإحسان والزكاة وإلَا سرق الصوم منا معنى الصوم وهدفه . يقول لنا الرب : ” أليس الصومُ  الذي  فضَّلتُه هو هذا : أن تَكسِرَ  للجائع خُبزَكَ ، وأن تُدخِلَ البائسين المَطْرودين  بيتكَ  ، وإذا رأيتَ العُريان أن تكسوه  ، وأن لا تتوارى عن لحمِكَ ؟ ولا تتهرب من مساعدة قريبك ، حينئذٍ يَبزُغُ و ينبثق كالفجرِ  نورُكٓ …”          (أشعيا ٥٨ : ٦ – ٨ ) .
الصدقة هي فعل المحبة والتضحية وحرمان الذات ، ويقول سفر طوبيا : ” افتد خطاياك بالصدقة وآثامك بالرحمة للبائسين … كُل خبزك مع الجياع والمساكين وأكسُ العراة من ثيابك “.
الصلاة مع الصوم والصدقة مع البِرِّ خيرٌ من الغنى مع الإثم . التصدُّق خَيْر ٌ من أدخار الذهب . الصَّدقة تُنَجِّ من الموت وهي تُطهِّرُ من كُلِّ خطيئة . الذين يتَصدَّقون يَشبعونَ من الحياة .
أمَّا الذين يرتكبون الخطيئة والإثم فهم أعداء أٓنفُسِهم ( أشعيا ١٢ : ٨ – ١٠ ) .
الصوم وكلمة الله :
لنعيش زمن الصوم علينا أن نقترب من كلمة الله ونقبلها ونصغي لها بفرح لتدخل إلى حياتنا وتغذّينا لأن بها خلاصنا، لأن الشرير لا يمكنه أن يصمد أمام الذين يسمعون كلمة الله ويعملون بها . وهذه الكلمة هي المسيح ربّنا ، لتكن إذاً  كلمة الله غذاءنا في زمن الصوم هذا، ولنسمح له بأن يعلّمنا أنّه علينا ألاّ نمضي صيامنا مهتمّين بهذا العالم ومغراياته ، وإنّما بالإصغاء لكلمته لأن مَن يتغذّى من الكتاب المقدّس ، كلمة الله ، ينسى جوع وعطش الجسد ، لإنه الغذاء الحقيقي الذي يُغذّي النفس ويُشبع الجائع . و يعطي الحياة الأبديّة ويُبعِدُ عنّا فِخاخ تجارب الشيطان . فكلمة الله حياة ، كما قال الرب يسوع لنا : ” الكَلامُ الَّذي كلَّمتُكُم به رُوحٌ وحَياة ” (يوحنا ٦: ٦٣).
إخوتي الأحباء :
في الصوم يسمو الإنسان عن جسده وعن رغباته، وفي الصلاة يسمو الإنسان بروحه ليتّحد مع خالقه وربّه. وكأن الصوم والصلاة معاً يحققان وحدة الإنسان في سموه وتعاليه عن العالم، ليتّحد مع ربّه ويجد عنده مصدر تجدّده في جسده وفي روحه
فزمن الصوم فرصة مناسبة لنا جَميعاً ، لنجدّد من خلال رحلتنا ومسيرتنا الروحيّة ، وعود معموديتنا فتكفر بالشيطان وبجميع أعماله وإغراءاته ، ونسير على دروب الله لنصل إلى الفصح الحقيقي بإيمانٍ  وبقلوب طاهرة ونقية مملؤة بالنعم الإلهية والفرح السماويّ .
من صميم القلب ، أتمنى لكم جَميعاً ، كباراً وصغاراً ، مسيرة حياة رُوحيّة مشتركة وتوبةً مقبولة وصوماً مباركاً أساسه الجهاد في سبيل تنقية النفس والقلب والضمير لنستحقّ أن نتبعه على درب الآمه المجيدة ، تحت عناية الرب يسوع ونظرهِ ، بشفاعةِ العذراء مريـم أُمٓنا ، وبصلوات القديس كريكور ( غريغوريوس ) المنوِّر ، والقديس اوغسطينوس ابن الدموع و مُعلّم الكنيسة ، والطوباوي إغناطيوس مالويان وآبائنا القديسين .
Share this Entry

المطران كريكور أغسطينوس كوسا

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير