لم يسمح الله للشرِّ أن يمرَّ من دون عقابٍ، ولكنَّه أصغى إلى رغبته في خلاص الخاطئ ؛ فلو أنّه سامحه هكذا من دون كفّارة، لما كان الله في هذه الحالة قد تصرَّف بالبرِّ مع الخطأة، لكنَّ الصّليب أظهر برَّ الله في إدانة الخطيئة، وأيضًا في تبرير الخاطئ وقد أدَّى يسوع الفدية عنّا نحن الخطأة. ” الرّحمة والحقّ إلتقيا، البرّ والسّلام تلاثما” (مزمور ٨٥ : ١٠). فكلا الرّحمة والعدل أصبحا يطالبان بتبرير المذنب الذي آمن بالمسيح.
الصّليب وبيان محبَّة الله :
يمكن القول إنَّ الكفّارة هي إسكات غضب الله، بواسطة محبَّة الله، عن طريق ما قدَّمه وبذله الله. وإن كانت خطايانا قد أغضبت الله القدُّوس البارّ، الذي ضدَّه أخطأنا، والذي كانت تنبغي تهدئة غضبه البارّ المقدَّس، فإنّه – في نعمةٍ فاقت التصَّوُّر – أرسل ابنه وقدَّمه كفّارةً: “في هذا تكمن المحبّة: ليس أنّنا نحن أحببَّنا الله، بل إنّه هو أحبَّنا وأرسل ابنه كفّارةً عن خطايانا”
(يوحنا الاولى ٤ : ٩ – ١٠). ” لأنّه هكذا أَحبَّ الله العالم حتّى بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك كلّ من يؤمن به بل تكون له الحياة الأبديَّة ” (يوحنا ٣ : ١٦).
يسوع المسيح والصّليب :
قصّة الصّليب هي قصّة الخلاص، قصّة دخول الله تاريخ البشر. هذا ما يعرف في علم اللاّهوت بالحدث التاريخيّ من جهّةٍ، ومن جهَّةٍ أُخرى بالحدث الإلهيّ أيّ اللّحظة التي دعا فيها الله العالم ليعيش في عمق الحبّ الإلهيّ، أيّ أنَّ يسوع المسيح قدَّم ذاته فداءً عن البشر أحبّائه، وفي هذه التّقدمة أعاد العلاقة الحميمة بين الله والإنسان بعدما فقد الأخير طريق الخلاص بالوقوع في الخطيئة والإنفصال عن الله والإستقلال الذّاتيّ. هكذا، ذاق الإنسان طعم ثمرة الخلاص عندما جعل يسوع من جسده مأكلاً حقًّا ومشربًا حقًّا. وهو، أيّ المسيح، من تألَّم على الصّليب حتّى يلد الحياة الجديدة لبشريَّةٍ جديدةٍ ومتجدِّدةٍ على الدّوام محوِّلاً فيها حياة الحزن إلى الفرح، والكآبة إلى أملٍ، واليأس إلى رجاءٍ، والخطيئة إلى نعمةٍ والموت إلى حياةٍ.