في ذروة الآلام والأوجاع والضِّيق والشِّدّة، صرخ يسوع بصوت جهوريّ: “أبتِ، في يديك أستودع روحي”، وبعدها أسلم الرُّوح. كان يسوع يحبّ دومًا أن يدعوَ الله “أباه” (لو 2/ 49؛ 10/ 21)؛ 22/ 42؛ 23/ 34)، فهو ٱبن الآب الوحيد، وقد أدرك بنوّته الحقيقيّة للآب، في الطَّاعة والعمل بمشيئته حتّى الموت على الصَّليب (فل 2/ 8). فيسوع منذ حداثته حتّى موته على الصَّليب، خضع لإرادة أبيه السَّماويّ، أَلم يَقُل يسوع لمريم ويوسف، عندما كان بعمر 12 سنة، بعدما وجداه في الهيكل: “ألا تعلمانِ أنّه ينبغي لي أن أكون في ما هو لأبي؟” (لو 2/ 49).
هذه “العبارة- الصَّلاة” في فم يسوع، من أعلى الصَّليب: “أبتِ، في يديك أستودع روحي”، يتفرَّد بها الإنجيليّ لوقا، وهي مأخوذة عن المزمور 31/ 6: “في يديك أستودع روحي، أيّها الرَّبُّ إله الحقّ أنت ٱفتديتني”. أخبر يسوع تلاميذه بأنّه سوف يُسْلَمُ إلى أيدي النَّاس (لو 9/ 44)، أمّا على الصَّليب فيُسلّمُ يسوع (أو يستودع) روحَه في يدي الله أبيه بحرّيّة تامّة…
وفي الكنيسة الأولى، نسمع إسطفانوس الشَّهيد، قبيل ٱستشهاده، يردّد الكلام عينه: “ربّ يسوع، تقبَّلْ روحي” (أع 7/ 59).
إنّ صلاة يسوع هذه، وصرخته لأبيه، تعبّر عن موقف البارّ، عبد الله المتألّم، الذي يسلّم ذاته لله، مائتًا في يديه غيرَ خائف من الموت، بل متسلّحٌ بالرَّجاء والحبّ والإيمان.
يسوع الكلمة الأزليّ الذي خرج من الآب، ها هو الآن، يعود إلى الآب، بعد أن أرضاه وأتمّ مشيئته، إنّه “من الآب خرج وإلى الآب يمضي” (يو 13/ 3). أسلم يسوع روحه في يد الآب، بعد أن علم أنّ كلّ شيء قد أُنجِز، وأنّ الخلاص قد تحقّق، وأنّ الحياة الأبديّة صارت لكلّ من يؤمن به.
هل أُدرِكُ حضور الله في حياتي، خاصّة وقتَ الشّدّة والضّيق؟ وهل أؤمن بأبوّة الله، فأعيش إبنًا حقيقيًّا له في الطّاعة الإيمانيّة والبنوّة الصّادقة.
إنّ صلاتي إلى الله هي ثقة وتوكّلٌ عليه وتسليم مطلق له ولإرادته.
سأعيش حياتي كلّها مع الله لأستطيع يومًا أن أقول له بثقة: “في يديك أستودع روحي”.