لى إخوتي الكهنة الأحباء والراهبات الفاضلات ،
وإلى أبنائنا الأعزاء في أبرشية الاسكندرية وفِي بلاد الإنتشار للأرمن الكاثوليك ،
وإلى المؤمنين ألأحباء أبناء الكنيسة الواحدة الجامعة المقدسة الرسوليّة ،
عليكم النِعمَةُ والسلام من لَدُنِ الله أَبينا والرَّبِّ يسوعَ المسيح :
” الذي أُسلِمَ إلى الموتِ من أجّلِ زلاتِنا وأُقيم من بين الأموات من أَجّلِ بِرِّنا ” ( رومة ٤ : ٢٥ ).
إن قيامة السيد يسوع المسيح من بين الأموات هي الحدث الأساسي الذي غيّر وجه الكون بإنتصاره على الموت وعلى أشكاله التي تواجه الإنسان وخاصة في يومنا هذا.
لقد قام السيد المسيح من الموت حَقَاً بعد أن عُلِّق على خشبة الصليب ، خشبة العار كما يُسميها اليهود والرومان ، ومات ظلماً ، وهو البار الذي لم يعرف الخطئية . إنَّ حقد العالم سمّره على الصليب ولكن محبة الله الخلاصية أقامته من بين الأموات في اليوم الثالث ، ليكون بقيامته وحياته الجديدة الجواب على كل انواع الظُلم التي تقود إلى الموت في عصرنا الحالي . لقد اختبرت الكنيسة منذ نشأتها هذه الحياة الجديدة ، فانطلق الرُسُل والتلاميذ في العالم كله ، كما أمرهم الرّب يسوع ، وكما جاء في الإنجيل المُقدّس على لسان القديس مرقس : ” يُعلنون البشارة إلى الخلقِ أجمعين ” ( مرقس ١٦ : ١٥ ) .
المسيح حيٌّ قائم :
إن البشارة التي أعلنتها الكنيسة ولا تزال تُعلنُها منذ ألفي سنة ونيف هي أن المسيح يسوع حيّ قائم ، وهو حاضرٌ دائماً أبداً في العالم وخاصةً في كنيسته ، وحضوره يعطي الجواب على تساؤلات وإنتظارات العالم كُلِّها . لقد إختبر المسيحيون الأولون أنَّ حضور المسيح القائم من بين الأموات هو معهم وفيهم يُعطيهم روحاً مُحيياً أقوى من الموت . هذا الرُّوح الذي كان يُبدِّل حياة المؤمنين بالمسيح ، الذي كان يُغَيِّر ضعفهم إلى قوّة ، وغضبهم إلى سلام ، وإنتقامهم إلى غفران ، وحقدهم إلى محبة . فالذين كانوا يقبلون هذ الرُّوح بإيمانٍ ويعتمدون بإسم الرّبّ يسوع ، كانوا يختبرون أنَّ الخلاص تحقّق فيهم من خلال التبدُّل الذي كان يحصل في حياتهم ومواقفهم وقناعاتهم . وأنَّهم منذ هذه الحياة الأرضية إبتدأوا يختبرون الحياة الجديدة ثمرة قيامة السيد المسيح من بين الأموات . هذه هي القيامة التي حملها الرُسُل إلى أقاصي الأرض والتي نحتاج إليها اليوم في عالم يكثر فيه الشر ، وترتفع في يد الظلم لتزرع الألم والاسى في القلوب التي خُلِقت لتسعى إلى السلام والفرح والسعادة .
هذه هي القيامة التي نحتاجها اليوم أمام الأصوات الت تنادي بالإنتقام والثأر لنكون في عالمنا الحاضر مؤمنين حاملين رسالة الغُفران والمسامحة .
هذه هي القيامة التي نحتاجها اليوم في عالم يزداد فيه العنف والإرهاب والتهجير لنكون بناة سلام وبناة حضارة المحبّة .
هذه هي القيامة التي يحتاجها اليوم كل إنسان بريء يُعاني من ظلم الأقوياء ، أو يتلقى حقد الخادعين أو يواجه حُكماً تعسُفياً ليقوى على اليأس ويغلب كل شعور يؤدي به إلى فقدان الأمل والرجاء .
القيامة دعوة إلى الغُفران :
إنَّ دعوتنا كمسيحيين ، ونقولها بيقين إيمانُنا بالقيامة ، هي أن نغفر لمن يُسيء إلينا كما سبق وغفر الرّبّ يسوع لصالبيه من أعلى صليبه قائلاً : ” يا أبتِ اغفْر لهم ، لأنهم لا يعلمون ما يفعلون ” ( لوقا ٢٣ : ٣٤ ) ، وهذا الغُفران ممكن بقوة الرّبّ القائم من بين الأموات .
ولكن دعوتنا إلى الغُفران لا تعني عدم المطالبة بإظهار العدالة ووضع النقاط على الحروف لمعرفة حقيقة الأمور ومسؤولية الإنسان الذي وقع الظلم على يده . إنَّ الغفران حتى يكون حقيقياً وواقعياً يجب أن يكون شخصيّاً أي موجهاً إلى شخصٍ او أشخاص مُعَيّنين ومعروفين ، ولنا في ذلك مثل قداسة البابا القديس يوحنا بولس الثاني الذي التقى في السجن بالشاب الذي حاول قتله ، وغفر له بقوة الحُبّ الذي منحه الرّبّ يسوع إياه ، ومثل الكثيرين من القديسين والمؤمنين الذين غفروا لمقاتليهم بقوة الحُبّ وبرجاء الحياة الجديدة التي تنتظرهم مع عريسهم السماويّ الذي غلب الموت بالموت والشرّ بالخير .
إنَّ العدالة التي يطلبها جميع الناس الساعين إلى الحقيقة ، يجب أن نُتّوجها نحن المؤمنين بالغفران الذي ينبع من جسد المسيح الممجّد . إنَّ جسد المسيح الممجد الذي يحمل أثار المسانيد التي دُقٌَت في يديه ورجليه ، والحربة في جنبه ، هو الدليل القاطع على أنَّ الحياة قد غلبت الموت إلى غير رجعة ، والدليل القاطع على أنَّ أثار الموت والظلم في جسد أي إنسان أثاراً مُمجدة بنعمةِ قيامة إبن الله الوحيد الذي قاسى الموت ليشاركنا في موتنا وقام لتبريرنا .
إنَّ الإيمان بقيامة السيد المسيح هو الذي يُعطي العزاء الحقيقي أمام الموت ، وهو الذي يُعطي المعنى المسيحي للظلم المُريب الذي نتلقاه ، وهو الذي يبعث الرجاء في القلوب المُحطّمةً.
إنَّ الإيمان بقيامة الرّبّ يسوع الذي يُعطي السلام الحقيقي الذي يجعل الغُفران ممكناً بقوة الذي قال : ” تُعانون الشِدَّةَ في العالم ، ولكن ثِقوا إنِّي قد غَلبتُ العالم ” ( يوحنا ١٦ : ٣٣ ).
في عيد القيامة الأغرّ ، نُصلي إلى الرّبّ لأجل كل الذين قُتلوا ويُقتلون ظلماً لينعَموا حيث هم بالمجد الأبدي الذي أعدَّه الله لأحبائيه ، ونصلي لأجل كل الذين يُقاسون الآلام ظُلماً ويختبرون اليأس والحزن بسبب غياب العدالة حتى يمنحهم الرّبّ الثبات في الإيمان والسلام والذي ينبع من رجاء القيامة .
اتمنى لكم عيداً مباركاً وكُلُّ عام وانتم سالمين .
المسيح قام … حَقَاً قام …