لنتأمل معًا بالسيارة،
هي تتألف من أربعة دواليب، والتي يجب أن تكون في ذات الحجم والكبر، وأن تكون أيضًا ممتلئة بالهواء بذات الكميّة، عندئذٍ تنتطلق السيارة بقوة رائعة، وبإتزان جيد، ولا شيء يعيق مسيرتها.
ولكن إذا أهملنا دولاب عن آخر أو إخترنا دولاب أكبر من الآخر أو وضعنا هواء في دولاب أكثر من الآخر، مشاكل كثيرة ستعترض مسيرة هذه السيارة وتعيق تقدّمها.
الإنسان هكذا، حياته ومسيرته قائمة على أربعة دواليب أساسية:
أ- الدولاب الروحي: أي العلاقة مع الله.
كثير من الناس يهملون هذا الدولاب في حياتهم، فيفقدون الرجاء بالحياة، ويعتبرون أن كل شيء مستحيل، ولا شيئ يستحق الجهاد. أو لا يملؤوه جيدًا، بل بالصلاة قليلًا جدًا، شيء لا يذكر. أو يملؤوه كثيرًا جدًا أكثر من طاقتهم، إلى أن ينفجر. مثلاً كإنسان تعرّف فجأة على الله، وقرر في اليوم التالي أن يصلّي كل يوم ساعات وساعات، ويسجد، ويقرأ في الكتاب المقدس… فيأتي وقت ويشعر بأنه سينفجر، لأنه وضع على ذاته ثقلاً لم يمرّن ذاته عليه. بالحياة الروحية يجب أن نصعد السلّم درجة، درجة، إلى أن نصل إلى دولاب متّزن. لا يجب إهماله ولا “نفخه” أكثر من اللزوم.
ب- الدولاب الإجتماعي: أي العلاقة مع الآخر.
كثير من الناس يهملون هذا الدولاب، أي لا يريدون الأصدقاء بحياتهم أو المساعدة من أحد، يقررون مواجهة الحياة لوحدهم، إلى أن يأتي يوم ويقتلهم الإرهاق والوحدة، يريدون البكاء على كتف أحد فلا يجدون، أن يشاركوا حزنهم أو فرحهم أحد ما فليس من مجيب لأنهم أهملوا هذا الدولاب. بالمقابل هناك من “ينفخوه أكثر من اللزوم” يمضون حياتهم في البحث عن الناس وإرضاء الناس، وتكوين أصدقاء كثر، إلى درجة يشاركون الجميع بكل شيء بأسرارهم وبنقاط قوّتهم وبنقاط ضعفهم، الجميع يعرف كل شيء عنهم، لا يعود هناك شيء خاص بهم، أو مكان خاص لهم، فيذوبون بالناس ويفقدون هويتهم الخاصة ومن هم، لأنهم لبسوا أقنعة عديدة لإرضاء جميع الناس. لا يجب إهماله ولا “نفخه” أكثر من اللزوم.
ت- الدولاب الشخصي: أي علاقتي مع ذاتي.
لا يجب إهمال هذا الدولاب أبدًا، يهتمون بالناس وبالله وبكل شيء إلا أنفسهم، يهملون صحتهم، يهملون وقتهم، يهملون “جروحاتهم في الحياة” بدل أن يعالجوها، لا يهمهم ذاتهم أبدًا، لا ينظرون إلى مستقبلهم، ولا يقيّمون ماضيهم، دائمًا يصمتون عن حقّهم، ينسحقون أمام الجميع وهم يعتقدون بأنهم يتواضعون، إلى أن يأتي يوم ما وتتخلى عنهم ذاتهم. بالمقابل هناك من “ينفخونه” أكثر من اللزوم، فتصبح ال”أنا” هي المحور في كل شيء، أنا الذي أعرف كل شيء، أنا على حقّ، لا شيء حقيقي خارج عن ذاتي، أنا محور الكون ومخلصها، فتصيبهم روح الكبرياء و… لا يجب إهماله ولا “نفخه” أكثر من اللزوم.
ث- دولاب الحياة: أي ما تطلبه حياتي اليومية،
من عمل و راحة ومأكل وملبس، ودراسة وتعلّم شيء جديد، وإكتساب المهارات، وعيش المواهب والرياضة و… الحياة ليست فقط عمل، الحياة ليست فقط دراسة، الحياة ليست فقط راحة. لا يجب إهماله ولا “نفخه” أكثر من اللزوم.
أخي الإنسان،
النضوج والإتزان في مسيرتك الحياتية هي الوصول إلى الإعتدال في هذه الدواليب الأربع، من دون إهمال ولا واحد منها أو نفخه أكثر من اللزوم، وهذا الأمر “الإعتدال والإتزان” يحتاج إلى عمل دائم ومسيرة طويلة، أي وقت، لأن هذا لا يحدث بين ليلة وضحاها، بل يحتاج الإرادة والجهد والسهر.
هذا الأمر صعب صحيح، ولكن ليس مستحيل،
فهيّا انطلق إلى تصليح هذه الدواليب لكي تنطلق بالحياة بطريقة رائعة جدّا إلى الأمام.
والله يكون معك في هذه المسيرة. آمين.