يوحنّا المعمدان… أيقونة الإنجيليين

«لا تَخَفْ، يا زَكَرِيَّا، فقدَ سُمِعَ دُعاؤُكَ وسَتَلِدُ لكَ امَرأَتُكَ أَلِيصاباتُ ابناً فَسَمِّه يوحَنَّا» (لو 1: 14)

Share this Entry

مقدمة

سر يوحنّا المعمدان، نكتشفه بشكل تدريجي حتى يومنا هذا. فقليل من الشخصيات الكتابية التي تحتفل الكنيسة بهم مرتين بالعام، ومنهم يوحنّا المعمدان. لذا بمناسبة عيد ولادته، رأينا أنّه من المُفضل أن نلقي الضوء على هذه الشخصية التي ذابت حُبًا في الرسالة النبوية الّتي دُعي إليها قبل ولادته. يخبرنا الإنجيليين عن سر هذه الأيقونة الّتي منذ ولادته العجيبة وحتى موته قتلاً بسبب قوله الحقيقية. هذا الشاهد والشهيد قام برسالته وجّسَّدَ ما قيل عنه قبل ولادته. حينما يتحدث الإنجيليين الأربعة عن شخصية يوحنَّا المعمدان كمُمَهِد ومُعدّ ليسوع، يرسم كلاً منهم أيقونة المعمدان بطريقة مختلفة بل مُبتكرة وجذابة. لذا سنعرض بإيجاز ملامح المعمدان لدى الإنجيليين الأربعة.

  1. بحسب الإنجيل المرقسي

 المُعمِّد هو إيليا، أي السلف. يصف يوحنّا مرتديًا ثياب إيليا. فقد كان يلبس وابر الإبل ويرتدي حزامًا جلديًا حول وركيه (راج مر 1: 6 ؛ 2مل 1: 8). إيليا هو أول نبي، ولكنه أيضًا الَّذي سيعود يعود قبل مجيء المسيح الثّاني وفقًا لما يقوله ملاخي النبي: «هاءَنَذا أُرسِلُ إليكم إِيلِيَّا النَّبِيَّ قَبلَ أَن يأتي يَومُ الرَّبِّ العَظيمُ الرَّهيب، 24 فَيَرُدُّ قُلوبَ الآباءِ إِلى البَنينَ وقُلوبَ البَنينَ إلى آبائِهم، لِئَلاَّ آتي وأَضرِبَ الأَرضَ بِالتَّحْريم» (ملا 3: 23- 24). ليس عبثًا أن تبدأ خدمة يسوع بحسب مَرقُس بعد القبض على يوحنا المعمدان، كما لو كان زمن يوحنا سابقًا لوقت يسوع (راج مر 1: 14).

  1. بحسب الإنجيل المتّاوي

يعتبر الإنجيلي متى، يوحنا المعمدان النبي، فهو قبل كل شيء شخصية نبوية. في وعظ يوحنا، التي طورها متى كثيرًا في إنجيله، نجد نكهة الكلمة النبوية التي تدعو الناس بقوة إلى “العودة إلى الله” «فكُلُّ شجَرةٍ لا تُثمِرُ ثَمراً طيِّباً تُقطَعُ وتُلْقى في النَّار» (مت 3: 10). إن يوحنا، مثل باقي الأنبياء، يدعو إلى غربلة نساء ورجال عصره، لقراءة التاريخ بعيون الله، ليكون حاملًا غير مريح لكلمته. يسوع نفسه هو الذي يُعَرّف يوحنَا بأنه نبي، عندما يقول: «ماذا خَرَجتُم تَرَون؟ أَنَبِيّاً؟ أَقولُ لَكم: نَعَم، بل أَفضَلُ مِن نَبِيّ. فهذا الَّذي كُتِبَ في شَأنِه: هاءَنَذا أُرسِلُ رَسولي قُدَّامَكَ لِيُعِدَّ الطَّريقَ أَمامَكَ.  الحَقَّ أَقولُ لَكم: لم يَظهَرْ في أَولادِ النِّساءِ أَكبَرُ مِن يُوحَنَّا المَعمَدان، ولكنَّ الأَصغَرَ في مَلَكوتِ السَّمَواتِ أَكبرُ مِنه. فمُنذُ أَيَّامِ يُوحنَّا المَعْمَدانِ إِلى اليَومِ مَلَكوتُ السَّمواتِ يُؤخَذُ بِالجِهاد، والمُجاهِدونَ يَختَطِفونَه. فَجَميعُ الأَنبِياءِ قد تَنَبَّأوا، وكذلك الشَّريعة، حتَّى يُوحَنَّا» (مت 11: 9-13).

  1. بحسب الإنجيل اللُوقاوي

بحسب لوقا يوحنّا المُعمِد هو بالفعل نموذج المسيحي، فهو المبشر والكارز. بحسب لوقا المعمدان هو “المسيحي الأول” لأنه منذ أن كان في بطن أمه، صار مُبشراً. في الواقع، عندما أعلن الملاك عن ولادة يوحنا لزكريا قائلاً: «أَنا جِبرائيلُ القائِمُ لدى الله، أُرسِلتُ إليكَ لأُكلِّمَكَ وأُبَشِّرَكَ بِهذه الأُمور 20وسَتَظَلُّ صامِتاً، فلا تَستَطيعُ الكلامَ إلى يَومَ يَحدُثُ ذلك، لأَنَّكَ لم تُؤمِنْ بِأَقوالي وهي سَتَتِمُّ في أَوانِها» (لو 1: 19). بمعنى أكثر حرفيًا رسالته ستنحصر في التبشير بالأشياء الّتي أعلنها ملاك الرّبّ. لكن يوحنا هو أيضًا المبشر الأول. يقول نص لوقا أنه «كانَ يَعِظُ الشَّعبَ بِأَقوالٍ كَثيرةٍ غَيرِها فيُبَلِّغُهُمُ البِشارة» (لو 3: 18). يُشَّدد لوقا على كشف هويته هذه كمُبَشر ومُبَشِر، يصبح يوحنا على وجه التحديد أيقونة لــ “لأول مسيحي” ولهذا السبب فإن اسم يوحنا مهم جدًا بحسب لوقا، والَّذي يعني “منح الله نعمة”. يدرك الجيران أن أليصابات أمه «فَسَمِعَ جيرانُها وأَقَارِبُها بِأَنَّ الرَّبَّ رَحِمَها رَحمَةً عَظيمة، ففَرِحوا مَعَها» (لو 1: 58).

  1. بحسب الإنجيل اليوحنّاوي

أخيرًا، بالنسبة ليوحنا الإنجيلي، فإن المعمدان الذي يحمل اسم كاتب الإنجيل الرابع هو الشخص الذي أُرسل ليشهد للحمل، شاهد النور. كما جاء بمقدمة الإنجيل الرابع قائلاً: «ظَهَرَ رَجُلٌ مُرسَلٌ مِن لَدُنِ الله اِسْمُه يوحَنَّا جاءَ شاهِداً لِيَشهَدَ لِلنَّور فَيُؤمِنَ عن شَهادتِه جَميعُ النَّاس» (يو 1: 6-7). يوحنا هو الذي يشير لتلاميذه قائلاً: «هُوَذا حَمَلُ الله!» (يو 1: 36). وهو أيضًا بحسب الفكر اليوحنّاوي صديق العريس: «لَيسَ لأَحدٍ أَن يَأَخُذَ شَيئاً لم يُعطَه مِنَ السَّماء. أَنتُم بِأَنفُسِكم تَشهَدونَ لِي بِأَنِّي قُلتُ إِنِّي لَستُ المَسيح، بل مُرسَلٌ قُدَّامَه» (يو 3: 27- 28).

الخلّاصة

 لقد رأينا، باختصار شديد، أربع وجهات نظر لشخصية يوحنّا كأيقونة بارزة لدى الإنجيليين الأربعة. بما أن وجه يسوع كُشفَ لنا من خلال أربع وجهات نظر في الأناجيل الأربعة، كذلك شخصية المُعد له وهو يوحنّا المعمدان. هو الرائد والنبي والمبشر والشاهد. من خلال هذه السمات الأربع لوجه يوحنّا يمكننا أن نجد معنى لحياتنا على ضوء حياة يوحنّا صديق العريس، الشاهد، الشهيد، … . علينا كتلاميذ ليسوع اليوم أن نتساءل كيف يمكن أنّ يتحقق سر يوحنّا كنبي ونبي ومبشر وكشاهد وشهيد في أيامنا هذه؟ إذا أردنا أن نجد سمة توحد أيقونة يوحنّا “ذات الأشكال الأربعة”، فيمكننا القول أن هويته تُسم بريشة شهادة كل مبشر اليوم وهي محددة في علاقته بالمسيح. هذا هو السرّ الذي يجب أن نبحث عن إجابة عنه في حياتنا الشخصية والكنسية. سرّ يوحنا وتعليمه سرّ فهم الذات فيما يتعلق بالمسيح وبعروسه الّذي هو نحن حتى يمكننا القوب مع الـمُعمّد: «مَن كانَت لَه العَروس فهوَ العَريس. وأَمَّا صَديقُ العَريس الَّذي يَقِفُ يَستَمِعُ إِلَيه فإِنَّه يَفرَحُ أَشدَّ الفَرَحِ لِصَوتِ العَريس. فهُوذا فَرَحي قد تَمَّ. لا بُدَّ له مِن أَن يَكبُر. ولا بُدَّ لي مِن أن أَصغُر» (يو 3: 29 – 30).

Share this Entry

د. سميرة يوسف

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير