Le Sacré-Coeur, Mosaïque De La Chapelle Des Jésuites, Paray Le Monial, Capture Sanctuaires-Paray.Com

ما هي «عبادة» قلب يسوع؟

تأمّل في ختام شهر قلب يسوع

Share this Entry
مَن منّا لا يفرح بتلاوة مسبحة قلب يسوع، وترنيم ألحان الزياح «يا قلبًا فادي»، «قلب ربي»، الخ…؟ مَن مِن المؤمنين الملتزمين لا ينتظر شهر حزيران ليتلو هذه الصلوات يوميًّا؟ قليلة هي الرعايا التي لم يكن فيها «أخوية قلب يسوع»، بمجملها رجّالية، وقليلة هي الكنائس التي ليس فيها تمثال أو صورة لقلب يسوع… فما هو الأساس الكتابي، وما هي أصول هذه الـ«عبادة»؟ ولماذا وُضِعَت؟ وماذا تحمل لنا من رسالة اليوم؟
يقول الرب يسوع: «اِحْمِلُوا نِيرِي عَلَيْكُمْ وَتَعَلَّمُوا مِنِّي، لأَنِّي وَدِيعٌ وَمُتَوَاضِعُ الْقَلْبِ، فَتَجِدُوا رَاحَةً لِنُفُوسِكُمْ» (متى١١: ٢٩) في هذه الآية نرى ربط فضيلتَي الوداعة والتواضع بالقلب، خصوصًا وأن القلب كان يُعتبر في تلك الأيام مكان الفكر والمنطق (وليس الدماغ كما هو الحال اليوم)… ذلك القلب الوديع والمتواضع جُرحَ بطعنة حربة عندما تمم الرب يسوع الخلاص على الصليب: «لكِنَّ وَاحِدًا مِنَ الْعَسْكَرِ طَعَنَ جَنْبَهُ بِحَرْبَةٍ، وَلِلْوَقْتِ خَرَجَ دَمٌ وَمَاءٌ» (يوحنا١٩: ٣٤)… هذا القلب الذي أحبّ حتى الموت لم يتوقف يومًا عن إعطاء الحب للجميع، حتى للغني الذي لم يقدر أن يترك كل شيء ليبادله الحب: «فَنَظَرَ إِلَيْهِ يَسُوعُ وَأَحَبَّهُ، وَقَالَ لَهُ: «يُعْوِزُكَ شَيْءٌ وَاحِدٌ: اِذْهَبْ بِعْ كُلَّ مَا لَكَ وَأَعْطِ الْفُقَرَاءَ، فَيَكُونَ لَكَ كَنْزٌ فِي السَّمَاءِ، وَتَعَالَ اتْبَعْنِي حَامِلًا الصَّلِيبَ» (مرقس١٠: ٢١)… ذلك القلب الذي يُحِب أولا، وينطلق بالحب نحو الإنسان، يطلب من الإنسان التّخلّي عن كل شيء، ليتعلم كل مؤمن أنّ ترك الخيرات الفانية لا يمكن أن يحصل إلا بارتباط وثيق بحب يسوع. ذلك الحب نفسه، هو الذي دفع يسوع الذي صُلِبَ مظلومًا أن يغفر لصالبيه: «فَقَالَ يَسُوعُ: «يَا أَبَتَاهُ، اغْفِرْ لَهُمْ، لأَنَّهُمْ لاَ يَعْلَمُونَ مَاذَا يَفْعَلُونَ». وَإِذِ اقْتَسَمُوا ثِيَابَهُ اقْتَرَعُوا عَلَيْهَا» (لوقا٢٣: ٣٤)، ذلك الحب نفسه هو الذي سمح للجنود بأن يتقاسموا حتى ثيابه، ليكون بذلك قد تخلّى عن كل شيء… في الليتورجيا المارونية، خلال أسبوع الآلام، نعبّر عن عظمة ذلك التّخلّي بالنشيد التالي: «خَجِلَ النُّور، غطّى الدّيجور عُريَ المَصلوب! من ظَلماهُ قَد أعطاهُ الثّوبَ المَسلوب!»… إذ لم يخجل الإنسان من تعرية المصلوب، خَجِلَ النور الذي صار إلى الوجود بكلمة من الله الخالق، وذهب تاركًا وراءه الظلام ستارًا يُغطّي عُريَ يسوع…
بالرغم من الغِنى الكتابي الذي يُؤسّس لعبادة القلب الأقدس، لا نجد في الشرق أية إشارة لتلك العبادة، خاصة في القرون العشرة الأولى. ولكن، كانت تسود في بعض المناطق عبادة الوجه الأقدس باستعمال أيقونة «الضابط الكل»… أمّا في الغرب، فقد بدأت تظهر تلك العبادة في بعض أديار الرهبان البنيديكتان، ولم يكن لها أي شكل رسمي في الكنيسة، بل كانت مجرّد طريقة للتعبير عن الإيمان بدوام حضور ذلك الحب الإلهي اللامتناهي…
علينا أن ننتظر حتى القرن السابع عشر… القديسة مارغريت ماري آلاكوك (Marguerite Marie A La coque) التي تكلمت (ابتداءً من سنة ١٦٧٣) عن خبرتها الروحانية الشخصية التي كانت خلاصتها: عبادة قلب يسوع المُفعَم بالحب للإنسان، تُعلّمنا أن نكون مُحبّين على مثاله… ومعها انطلقت في الكنيسة مسيرة طويلة من التأمل والصلاة، خاصة في الجماعات الرهبانية، حتى وصلت إلى العبادة التي نعرفها اليوم. لا يمكن في ذلك أن نغفل خبرة مؤسس الرهبنة اليسوعية القديس اغناطيوس دي ليولا الذي ساهم بشكل أساسي في نشر هذه العبادة، وقد وضع الرسام خوسيه دي باييز صورة -سنة ١٧٧٠- تُظهر القديسَين اغناطيوس دي ليولا ولويس دي غونزاغا وهما يتعبدان لقلب يسوع الأقدس، وقد دخلت هذه العبادة منذ ذلك الحين إلى الشرق مع إرسالية الرهبنة اليسوعية (خاصة إلى الكنيسة المارونية، التي بدأ الكثير من أبنائها بإطلاق إسم “فؤاد” على أولادهم).
سنة ١٨٥٦، عمم البابا بيوس التاسع على الكنيسة الكاثوليكية الإحتفال بعيد قلب يسوع في الأحد الثالث بعد العنصرة، تلى ذلك ثلاث إرشادات رسولية، مع البابا لاوون الثالث عشر سنة ١٨٩٩ (Annum Sacrum) والبابا بيوس الحادي عشر سنة ١٩٢٨ (Miserentissimus Redemptor) والبابا بيوس الثاني عشر سنة ١٩٥٦ (Haurietis Aquas) وقد أعلن بعدها تطويب مارغريت ماري آلاكوك، وتأسست كنيسة القلب الأقدس في مون مارتر (Mont Martre) في فرنسا، البلد الذي كرّسه رئيس أساقفة باريس حينها لقلب يسوع الأقدس… فما هي الرسالة الروحية التي يُمكن استخلاصها اليوم من هذه العبادة؟
نستخلص بأنّ عالمنا يحتاج اليوم إلى الحب المجّاني… وهذا الحب المجاني نعلنه نحن المسيحيين ونحن نشهد لقيامة يسوع الوديع والمتواضع القلب… لقد أنشأ لنا الله خلاصًا بيسوع المسيح ابنه الوحيد، فجدد خليقته البالية (الإنسان)، بيسوع رأس البشرية، آدم الجديد، وما عاد في قلبه أسف كالذي كان من قبل: «فَحَزِنَ الرَّبُّ أَنَّهُ عَمِلَ الإِنْسَانَ فِي الأَرْضِ، وَتَأَسَّفَ فِي قَلْبِهِ.» (تكوين٦: ٦). مع يسوع، الوديع والمتواضع القلب، بدأ ذلك الحب يُلهب قلوب المؤمنين، ويدعو الغير المؤمنين إلى الإيمان والخطأة إلى التّوبة، فيتجنّدون لحمل البشرى السارّة للعالم أجمع… لذلك أمام تشتت الإنسان وضعفه، يأتي يسوع ليقول: «إِنَّ الْحَصَادَ كَثِيرٌ، وَلكِنَّ الْفَعَلَةَ قَلِيلُونَ. فَاطْلُبُوا مِنْ رَبِّ الْحَصَادِ أَنْ يُرْسِلَ فَعَلَةً إِلَى حَصَادِهِ» (لوقا١٠: ٢) فكل مسيحي عليه أن يحمل في قلبه حب يسوع للعالم ويشهد له، فيكون من الفعلة الأمناء… لذلك، ما علينا إلا أن نطلب من يسوع الوديع والمتواضع القلب أن يجعل قلبنا مثل قلبه، وننشد له ما نقوله في زياح قلب يسوع: «يا قَلبًا جَريحًا بالحربة! أضرِمنا بِسَعيرِ المَحَبّة!».
Share this Entry

الخوري يوحنا فؤاد فهد

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير