Pixabay CC0 PD

لنضع بين يديّ الرّبّ كل ما نملكه

” أعطوهم أنتم ما يأكلون … عندنا خمسة أرغفة وسمكتين …. ” ( متى ١٤ : ١٣ – ٢١)

Share this Entry
شفق يسوع على الجمع ، الذي أتى ليستمع إلى تعاليمه السماويّة، شفقته الإنسانية والإلهية لم تتوقف على مستوى العواطف والكلام ، بل ذهبت إلى أبعد من ذلك ، وعبّر عنها بشكل نشيط وفعّال . لقد تجاوب الرب يسوع مع حاجات الجموع الجائعة والعطشى إلى الحقيقة .
” ليس عندهم ما يأكلون … فأخذته الشفقة عليهم ” :
يسوع هو الملجأ الوحيد الذي إليه تأتي الجموع لتُشبع جوعَها وعطشها . وتعرف جيداً أنّ لا حلّ لمشاكلها وصعوباتها إلاّ معه فقط .
في هذه المعجزة ” معجزة الخبز والسمك الأولى ” ( متى ١٤ : ١٣ – ٢١ ) ، موقف مؤثّر ومُلفت للنظر ، إنه موقف التلاميذ الذين طلبوا منه أن يصرف الجموع ، لقد اختار التلاميذ الموقف الأسهل والأسرع، إنه موقف الهروب والإنسحاب والتخلص من مسؤولية تلبية حاجات وطلبات الشعب ، علماً أنّ هؤلاء لم يطلبوا طعاماً يأكلونه ولكنّ التلاميذ هم الذين شعروا بأنه إن بقي هؤلاء فسيعوزُهم الطعام. ولهذا توجهّوا إلى الرب يسوع وطلبوا منه أن يصرفهم .
التلاميذ بشَر ، والبشر هكذا يعاملون بعضهم ، ربّما لأنهم لا يكترثون ، أو ربّما لأن الإنسان يهتمّ بنفسه أولاً وبتدبير أموره ، أو البحث عن مصالحه وراحته وانانيته ، وربّما لا لوم عليه في كل ذلك . هذا طبعاً من منطلقه ، وجهة نظر البشَر ، ولكن ليس من جهة فكر الإله ، الأب السماويّ ، لأن إلهنا إله رحمة وإله شفقة ، إله عطاء ووفاء وصِدق وتضحية .
نحن البشر أيضاً في بعض الأحيان نتعرّض لمواقف شبيهة بالتي واحهها تلاميذ الربّ ، ويُطلب منّا بشكل مباشر أو غير مباشر أن نقوم بعمل خير أو بمهمة إنسانية ، او خدمة أخوية ، ولكن لأمور شخصية، أو لظروف خاصة ، أو لأسباب أنانية او محبة الذات نحاول أن نتهرّب ونصرف نظرنا عن الآخر ونتجهاله .
ولكن لماذا هذا التصرّف؟
لأن المكان والحالة والظرف الذي نحن فيه أصبح عبارة عن قفر صحراوي فارغ ، إمّا لاسباب داخلية تنبعث من ضعفنا واستسلامنا وهربنا من المسؤولية ، وإمّا لأسباب خارجية تتعلّق بالحياة وصعوباتها وتجاربها ومشاكلها ومآزقها . ولكن في كلتا الحالتين ، الموقف المسيحي هو الأقوى ، هو الذي بطلب منّا بأن نعطي ما عندنا بمحبة حتى ولو كان يسيراً . المهمّ أن نؤمن بأن لدينا ما نعطيه وبأنه رغم كل ما يحيط بنا من تجارب وصعوبات ، علينا أن نتحمّل مسؤولية التضحية والعطاء ، وأن تقدّم طعامين لإخوتنا البشر في حياتنا :
اولاً : طعام روحي يتجلّى بأعمال الخير والمحبة والمواقف الروحية .
ثانياً : طعام ماديّ يتجلّى بإطعام الآخر بالغذاء الضروري لنموه وصحته وتلبية حاجاته اليومية حين يكون ذلك ممكناً ونافعاً .
نحن مدعوون أن نسأل المسيح الإله ، الطعام الحقيقيّ لحياتنا الذي نتناوله في سرّ الإفخارستيا ، أن يزرع فينا روح المسؤولية والإرادة الحسنة الصلبة التي تهدف إلى مساعدة الآخر ومساندة الضعفاء والمحتاجين والبسطاء ، لا سيما النفوس الضعيفة الفقيرة التي ليس لديها من يذكرها وليس عندها ما تقدّمه.
خلاصة هذا التأمل : أنّ يسوع استعمل ما كان عند تلاميذه من خبز وسمكات لإشباع الجموع ، ومن هنا فهِم التلاميذ أن يسوع يدعوهم إلى المشاركة والعطاء ليعلّمهم أنّ كل عطية إلهية تأتي من المشاركة والتضحية ونكران الذات .

أختم تأملي بهذه  القصة الجميلة لِتكونَ عبرة لكُلِّ واحدٍ مِنّا وخاصة في هذه الظروف التي نعيشها :

” الطفلة الجائعة والرجل الغني ” 

في يوم من أيام الشاء ،  كانت طفلة مسكينة واقفة على حافة  الطريق تحت المطر الغزير والبرد القارس ، مرتديه ثوب رثٍّ وبلا حذاء مرتجفة مرتعده ،

 مرّ أمامها رجل غنيّ فمدّت له يدها المرتجفة تترجاه حسنةً، 

رفع هذا الرجل عينيه إلى السّماء محتجّا إلى الله ، قائلاً : 

لماذا خلقت هذه المسكينة، الّتي لا أمل لها بحياة كريمة ؟

 للحال سمع صوتاً من السّماء يوبّخه :

 لقد خلقتك أنت لتساعدها. 

لا يوجد مُبرِّر في عالم الله للمثل القائل : الغني يزداد غنىً والفقير فُقراً.

أعلنت منظمة الجوع في العالم FAO 

العالم لا يحتاج إلا لـ ١٠ % ممّا يصرفه العالم على السلاح حتى يزول الفقر من العالم ويعيش الجميع برفاهيّة وسعادة .

من هذه المعجزة نستنتج :

إن المشاركة حتى في القليل هي السبيل الوحيد لعطاء الله . ولذلك طلب إليهم يسوع أن يبدأوا ويُشركوا الآخرين بما يملكون .

Share this Entry

المطران كريكور أغسطينوس كوسا

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير