جاء في الكتاب المقدس ان مار الياس، ظهر في أواسط القرن العاشر، قبل المسيح في عهد آخاب ملك اسرائيل الذي حكم مع ولديه من سنة ٩١٨ حتى سنة ٨٧٦ ق.م. وكان يدعى إيليا ” التشبي ” نسبة إلى مدينة ” تشبة ” التي كانت على تخوم جلعاد. وكان إيليا رجلاً ناسكاً، بتولاً، وكهلاً جريئاً، قويّ البدن، أشعر الجسم، يتوشح ثوباً من الصوف، وعلى جسمه منطقة من الجلد، لا يهاب الملوك ولا السلاطين. وكان شديد الغيرة على قيام ناموس الرب وكان الناس يكرمونه كنبيّ، ولشدة غيرته على رضى الرب، حبس السماء عن المطر ثلاث سنوات وستة أشهر عقاباً لبني إسرائيل، ولملكهم آخاب، على انحيازهم إلى عبادة الأوثان.
ولما عمّ الجدب بلاد فلسطين جاء قرية ” صرفت ” بالقرب من صيدا، ونزل ضيفاً عند أرملة كانت تجمع حطباً لتصنع لها، ولإبنها رغيفاً من فضلة الدقيق والقليل من الزيت الباقية عندها، لتأكل مع ابنها، وثم تموت. ولأنها استضافت إيليا، بارك الرب دقيقها وزيتها وكثرهما بنوع عجيب، على يد نبيّه وظلت متوافرة طوال سنوات المجاعة الثلاث.
وكافأها الرب أيضاً، عندما أقام وحيدها من الموت تلبيةً لابتهالات إيليا، وردَّه إليها سليماً معافى. وقد أشار السيد المسيح إلى هذه المعجزة بقوله : ” إن أرامل كثيرات كنّ في إسرائيل في أيام إيليا، حين أغلقت السماء ثلاث سنين وستة أشهر، وحدث جوع عظيم في الأرض كلّها، فلم يبعث إيليا إلاّ إلى امرأة أرملة في ” صرفت صيدا ” (لوقا ٤ : ٢٦ ) .
وقد أنزل إيليا النار على الأرض ثلاث مرات، فحرقت في المرتين الأوليين خمسين بخمسين من جنود احزيا الملك الوثني، وفي المرة الثالثة أضرمت ناره المحرقة والحطب والحجارة التي صنعها فوق جبل الكرمل امام الشعب لدحض آخاب ملك اسرائيل وكهنته الكذبة من عبّاد الأصنام، فعظّم عندئذٍ بنو اسرائيل إلههم وقالوا : ” الرب هو الإله، الرب هو الإله ” ! وكان ختام تلك الحادثة تضحية كهنة البعل عند نهر ” قيشون ” وكانوا أربعماية وخمسين رجلاً ! وتلبدت السماء يومئذٍ بالغيوم وراح المطر يتساقط على الأرض فيحييها بعد انقطاع طويل. ولإيليا أحداث تاريخية خارقة ذكرها الكتاب المقدس، لا يفسح لنا المجال لذكرها كافة.
وعندما شاء الله أن يحجبه عن شعبه، لجأ إلى وسيلة مدهشة لم يألفها الناس، ذكرها سفر الملوك الرابع بقوله : ” وبينما كان إيليا سائراً مع تلميذه أليشاع يتحدثان، إذا مركبة نارية، وخيل نارية، قد فرقت بينهما وطلع إيليا بالعاصفة نحو السماء وأليشاع ناظر وهو يصرخ : يا أبي! يا أبي ! ( سفر الملوك الثاني ١٣ : – ١٤ ) … لكنه توارى … وامتلأ أليشاع من روحه مضاعفاً ” .
ولما أراد يسوع أن يمدح القديس يوحنا المعمدان دعاه باسم إيليا وشبّهه به حيث قال : ” إنه إيليا المُنتظر رُجوعه ” (متى ١١ : ١٤ ).
وكان الملاك جبرائيل سبق فوصف يوحنا بروح إيليا وفضله لما بشّر به زكريا فقال : ” إنه يتقدم وَعَينُ الرَّبُّ عليه وفيهِ روح إيليا وقوّته ليعطِفَ بقُلوب الآباء على الأبناء ، ويَهْديَ العُصاةَ إلى حكمة الأبرار، فَيعِدَّ للرَّبِّ شعباً مُتأَهِّباً ” (لوقا ١ : ١٧). وبقيت لإيليا غاية عهد الله إليه بتحقيقها في آخر الزمان مع أحنوح البار وذلك عند ظهور المسيح الدجال وعنهما يقول صاحب الرؤيا: ” ولكني سأُرسِلُ شاهدينِ عليهما المسوح ، يُنبئان … وهذان الشَّاهِدان هما الزيتونتانِ والمنارتانِ القائمتان في حضرةِ ربِّ الأرض ” ( رؤيا يوحنا ١١ : ٣ – ٤ ) . على أن المسيح سيظفر بهما ويميتهما لكن موتهما سيكون علامة انتصارهما وسقوط جميع قوات الجحيم، وظهور ابن الله الفادي بالعزة والجلال ليدين الناس.
هكذا جاز الله ايليا فأخذه اليه في مجد، لانه كان أميناً للإله الواحد الحي.
وبذلك كان ايليا أول صانع المعجزات: تكثير الزيت والدقيق في بيت أرملة في صرفت صيدا.
هو أول من أقام ميتا: أعجوبة ابن الأرملة بعد أن مات.
هو أول من اختفى في البرية للصوم والإمساك حتى يعود الى رسالته في مواجهة الأخطار.
هو أول ناسك وأول متوحّد ذاق لذة اللقاء والعيش مع الله.
هو أول في خلق مدرسة الأنبياء فكان له التلاميذ ومنهم اليشاع.