Assumption of Mary

Robert Cheaib - www.flickr.com/photos/theologhia

مريـم تابوت العهد الجديد

تأمل لمناسبة عيد انتقال العذراء بالنفس والجسد إلى السماء

Share this Entry

عيد انتقال العذراء مريـم لمجد السماوات بالنفس والجسد، أي انتقالها بكامل كيانها البشري ، وبكامل شخصها ، من أكثر الأعياد المكرّسة بالإيمان والثقة  للعذراء مريـم الكُليّة القداسة والكاملةُ الطهارة ، وبهذا الإحتفال نحظى  بنعمة  نجدّد خلالها حُبّنا لمريم ، لنعظِمها ونُكرِّمها لأجل ” العظائم ” التي صنعها الكلي القدرة لها وفيها وبواسطتها.

في تأملنا  بعقيدة  العذراء مريم المنتقلة إلى السماء بالنفس والجسد ، ننال نعمة أخرى : نعمة أن ننظر بالعمق في حياتنا. لأن وجودنا اليومي ، مع مشاكله وآماله ، أفراحه وأتراحه ينال نوراً من أم الله ، ومن مسيرتها الروحية ، من مصيرها المجيد : مسيرة وغاية يمكن ، لا بل يجب أن يُصبِحا، بشكل أو بآخر، مسيرتنا وغايتنا.

في الكتاب المُقدّس نقرأ هذه الكلمات : ” انفَتَحَ هيكلُ اللهِ في السماء فبدَت قُبَّةُ العهدِ في الهيكل ” (رؤيا يوحنا١١ : ١٩) .

ما هو معنى تابوت العهد ؟

بالنسبة للعهد القديم ، يمثل تابوت العهد رمز حضور الله في وسط شعبه . ولكن الآن ترك الرمز المكان للواقع . وهكذا يقول لنا العهد الجديد أن التابوت الحق هو شخص حي وملموس : هو العذراء مريم . الله لا يسكن في توابيت ، ألله يسكن في أشخاص ، الله يسكن في القلب : مريم ، المرأة التي حملت في أحشائها ابن الله الأزلي الذي صار  بَشَراً  ” والكلِمةُ صارَ بشراً ، فَسَكَنَ بَيْنَنا فرأينا مجدَهُ ، مَجداً من لَدُنِ الآبِ لإبنٍ وَحيد ملؤهُ النِّعمَةُ والحق ” ( يوحنا ١ : ١٤ ) . في تابوت العهد كما نعلم  كانت تُحفظ لوحتا شريعة موسى ، التي تُبيّن إرادة الله للحفاظ على العهد مع شعبه ، موضحاً الشروط للبقاء على عهد الله ، لمطابقة الإرادة الإلهية وبالتالي مطابقة حقيقتنا العميقة .

مريم هي تابوت العهد ، لأنها قَبِلَتْ يسوع ،  قَبِلَت في ذاتِها الكلمة الحيّة ، قبِلَت كُلّ محتوى إرادة الله ، حقيقة الله . قَبِلَتْ في أحشائها ذاك الذي هو العهد الجديد والأبدي ، العهد الذي بلغ ملأه في تقدمة جسده ودمه : الجسد والدم الذين نالهما من مريم . بإيمانٍ  تتوجه التقوى المسيحية ، في صلواتنِنا بإيمانٍ نُكرّم العذراء ، وندعوها ” تابوت العهد ” ،       تابوت حضور الله ، تابوت عهد الحُبّ الذي أراد أن يجمعنا  بشكلٍ نهائي ومع كُلّ البشرية في المسيح يسوع .

إن عظمة مريم ، أم الله ، الممتلئة نعمةً ، والخاضعة بالكامل لِعَمل الروح القدس ، تعيش في سماء الله بكامل كيانها، نَفْساً  وجسداً . يُشير القديس يوحنا الدمشقي إلى هذا السر بعظةٍ شهيرة فيقول : ” اليوم حُملت العذراء إلى الهيكل السماوي .  اليوم ، التابوت المقدَّس الحي الحامل الإله الحي ، التابوت الذي حمل في أحشائِهِ صانعه ، اليوم يرتاح في هيكل الرب الذي لم تَبنِه أيدٍ بشرية ” (عظة في رقاد السيدة)، ويتابع القديس يوحنا الدمشقي ويقول : ” كان لبُدَّ لتلك التي استقبَلَتْ في أحشائِها اللوغوس الإلهي ، أن يتم إنتِقَالِها إلى أخدارِ إبنِها . كان لا بُدَّ للعروسة التي اختارها الآب ، أن تقيم في أخدار السماوات” ( عظة في رقاد العذراء ) .

تغني الكنيسة اليوم الحب العظيم الذي يكنه الله لخليقته هذه : لقد اختارها كتابوت عهد حق ، كتلك التي تستمر في ولادة المسيح المخلص وإعطائه للبشرية ، كتلك التي تقاسم في السماوات ملء المجد وتتمتع بحبور الله بالذات،  وفي الوقت عينه،  تدعونا لكي نُصبح ومن صغرنا ، توابيت عهد تحضر فيها كلمة الله ، وتتحول وتعيش من حضوره ، حضور الله الحي ، لكي يستطيع البشر أن يلاقوا في الشخص الآخر قرب الرب ويعيشوا الشركة مع الله ويعرفوا واقع السماوات .

إن إنجيل القديس لوقا في ( الفصل ١ : ٣٩ – ٥٦ )، يُبيّن ُ لنا هذا التابوت الحي : يبين لنا مريم وهي تترك بيتها في الناصرة وتسير نحو الجبال بسرعة إلى مدينة في يهوذا ، إلى بيت زكريا وأليصابات .  أنه من الأهمية بمكان أن نلفت الانتباه لصفة  وذهبت ” بسرعة ” : فأمور الله تستحق السرعة ، لا بل هي الأمور الوحيدة في العالم التي تستحق السرعة ، لأنها الأمر الوحيد الطارئ حَقَاً  في حياتنا . وهكذا تدخل مريم في بيت زكريا وأليصابات ، ولكنها ليست لوحدها . فهي تدخل حاملة الابن الذي هو الله بالذات الذي صار  بَشَراً .  بالطبع كان هناك انتظار لمساعدتها في ذلك البيت ، ولكن الإنجيلي يقودنا لكي نفهم أن هذا الإنتظار كان يشير إلى إنتظار آخر وأعمق . زكريا، أليصابات والصغير يوحنا المعمدان كانوا رمزاً لأبرار العهد القديم ، الذين كان قلبهم المتقد رجاءً ينتظر مجيء المسيح المخلص . يفتح الروح القدس عينا أليصابات ويجعلها تتعرف في مريم على تابوت العهد الحق ، على أم الله التي تأتي لزيارتها . وهكذا تستقبل السيدة العجوز نسيبتها بصوت عظيم فتقول : “مباركة أنت بين النساء ! ومباركةٌ ثمرَةُ بطنِكِ ! مِن أين لي أن تأتيني أُمُّ ربِّي ؟ ” (لوقا ١ : ٤٢ – ٤٣) . والروح القدس عينه يفتح قلب يوحنا المعمدان في حشا أليصابات أمام تلك التي تحمل الله الذي أصبح بَشَراً  . وتهتف أليصابات : ” ما إن وقَعَ صوتُ سلامِكِ في أُذُنَيَّ حتى ارتكَضَ الجنينُ ابتِهجاً في بطني ” ( لوقا ١ : ٤٣ – ٤٤ ) رقص يوحنا فرِحاً أمام يسوع وهو في بطنِ أُمّهِ ، كَذَلِكَ  رقص الملك داود أمام تابوت عهد الرب الذي عاد أخيرًاً إلى الوطن الأم ( صموئيل الثاني  ٦ : ١٦ ). يرقص يوحنا المعمدان في حشا أمه أمام تابوت العهد مثل داود ، ويعترف بهذا الشكل أن مريم هي تابوت العهد الجديد ، وأمامها يرقص القلب ابتهاجاً ، وهي أم الله الحاضر في العالم الذي لا يحتفظ بألوهيته لذاته، بل يقدمها مشاركاً إيانا بنعمة الرب . وهكذا مريم هي :  ”  تابوت العهد ” الذي من خلاله يحضر الرب حقًا في وسطنا.

نحن نتأمل بحياة مريـم ، نتحدث عنها ،  ولكن بشكل ما نحن نتحدث أيضاً عن ذواتنا، عن كُلّ منَّا : فنحن أيضاً محط محبة الله العظيمة التي خص الله بها مريم بشكل خاص جدًا ولا يتكرر في التاريخ .

في عيد الإنتقال المجيد هذا ننظر إلى مريم التي تفتح قلوبنا على الرجاء ، رجاء مستقبل مليء بالفرح ، وتعلّمنا الطريق للوصول إليه : من خلال قبول إبنها بالإيمان . لا نخسر أبداً الصداقة معه ، بل لنسمح له أن ينيرنا وأن يهدينا بكلمته ،  لكي  نتبعه كل يوم ، حتى في الأوقات الصعبة ، التي نظن فيها أن صلباننا قد أصبحت ثقيلة .

مريم، تابوت العهد القائم في هيكل السماوات، تبيّن لنا بوضوح نَيّر أننا في طريقنا نحو بيتنا الحق ، لنعيش شركة الفرح والسلام مع الله .

Share this Entry

المطران كريكور أغسطينوس كوسا

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير