يقودنا في هذه المسيرة فكر القديس فرنسيس وعلى ضوء هذا الفكر ندخل ونسير معه تلك المسيرة أي مسيرة الكلمة نحو القيامة. ندخل ونتعمق في الخبرة التي عاشها القديس فرنسيس في مسيرة الكلمة نحو القيامة، ونرى مراحل مسيرة الكلمة:
1 – الكلمة التي تخلق:
يقدم لنا القديس يوحنا، أن أزلية الكلمة وهي الذات الإلهي، يخلق الكون بالكلمة ويوضح لنا ذلك القديس يوحنا ” في البدء كان الكلمة، والكلمة كان عند الله، وكان الكلمة الله. هذا كان في البدء عند الله. كل شيء به كان، وبغيره لم يكن شيء مما كان”(1: 1- 3). في مخطط الله الخلاصي نرى مسيرة الله مع شعبه ويكشفها من خلال الكلمة الإلهية وهو إعلان محبة الله للبشرية، و أراد أن يتحد بشعبه ويُعلن عن ذاته بطريقة تدريجية لكي يقودهم إلى الاتحاد به.
كلمة الله التي تخلق كل شيء. ونرى في صلاة الشكر للقديس فرنسيس التي يرفعها إلى الله العلي القدير:”أيها الإله الكلي القدرة والقداسة والعلي والأسمى الآب القدوس والعادل، الرب ملك السماء والأرض، نشكرك من أجل ذاتك لأنك بمشيئتك القدوسة وبأبنك الوحيد مع الروح القدس خلقت جميع الأشياء الروحية والجسدية ووضعتنا في الفردوس نحن المصنوعين على صورتك ومثالك. هذه الكلمة خلقت وجددت قلب فرنسيس الشاب وجعلته خليقة جديدة وأصبح مسيح آخر، وشكًلهُ الله كما يريد وترك نفسه في يده وقال ماذا تريد مني يارب أن أفعل؟ أمام الخلق تحول حُلم فرنسيس من شاب يحلم بالفروسية إلى فارس الله العلي. يسلك في تلك المسيرة ويدخل في الخليقة الجديدة يهتم بالمهمشين والفقراء. والكلمة التي سكنت في قلب القديس فرنسيس قد جعلته يسبح الله من خلال المخلوقات التي تحمل بصمات الخالق، وقد ألف نشيد المخلوقات.
2- كلمة الله على لسان الأنبياء:
الله لا يترك شعبه، بل يرسل كلمته على لسان الأنبياء ويخاطبهم ويقودهم إلى الله الخالق والمحب الذي أراد أن يقيم علاقة مع شعبه لأنه أحب خاصته.
عندما يعلن الله رسالته عن طريق الأنبياء يكشف لهم مخططه ومن هذا المنطلق يقول النبي هكذا قال الرب، وفي سفر يشوع ” ثم قدس الشعب وقل تقدسوا للغد لأنه هكذا قال الرب إله إسرائيل”(7: 13)، وأيضًا في سفر صمؤئيل الأول” وكان الصبي صموئيل يخدم الرب أمام عالي. وكانت كلمة الرب عزيزة في تلك الأيام.لم تكن رؤيا كثيرا”( 1 صم 3: 1). إذن كل نبي حقيقي هو مرسل من الله يحمل رسالته ويعلنها للشعب ولا يتكلم من ذاته بل برسالة الله المكلف بها لذلك عندما يتحدث عن قول الرب ويضع في مقدمة كلامه “هكذا قال الرب”، “قال رب الجنود”. وشعب العهد القديم يقدسون الكلمة ويصغون إليها لأنها كلمة .رب القوات وهذا الشعب يسير نحو الله في القداسة ويعدهم إلى استقبال كلمة الله المتجسد. من خلال الكلمة يحمل النبي إعلان إلهي مكلف به و يقول لنا اشعياء النبي ” كلمة الله تخرج من فمه لا ترجع إلىَّ فارغًة بل تعمل”(أش 55: 11). الله من خلال هذا الكلمة يكشف عن ذاته.
3- كلمة الله المكتوبة:
كلمة الله المكتوبة في الكتاب المقدس هي عقل الله وفكره منذ الأزل يكشفه لنا عن طريق الأنبياء ويتحدث إلينا بسلطان وقوة محبة الله المجانية لأنه كُتب بالهام الروح القدس.
كلمة الله لها مكانة خاصة بين شعب بني إسرائيل وخاصة بعد العودة إلى السبي مع نحميا وعزرا الكاتب عندما تم قراءة كتاب الشريعة على مسامع الشعب نرى في سفر نحميا( 8: 1) اجتمع الشعب كرجل واحد إلى الساحة يسمعون كلمة الله. وبعد سماع كلمة الرب قال لهم هذا هو يوم مقدس للرب إلهكم فلأ تحزنوا لأن فرح الرب قوتكم. كلمة الله المكتوبة تفرح الشعب به.
القديس فرنسيس جعل من الكتاب المقدس . دستور لحياته وقانون رهبنته، لأنه كان يعرف جيد الكتاب المقدس. وفي السيرة الثانية لتوما الشيلاني:” إن القديس فرنسيس قد عرف كيف يضع ثقافته المتواضعة في خدمة كلمة الله ويمُكن القول بأن ثقافته تغيرت كثيرًا بفضل قراءته لكلام الرب وتأمله”. ويذكر لنا في قانونه رقم 22 الغير المثبت:” فلتنمسك إذاً بأقوال وحياة وتعليم وإنجيل من تنازل وصلى لأجلنا لأبيه وأظهر لنا أسمه” وأيضًا في القانون المعتمد من الفصل الأول يقول لنا:”إن قانون الأخوة الأصاغر وحياتهم هو حفظ إنجيل ربنا يسوع المسيح المقدس بالعيش في الطاعة ومن دون أي شيء خاص وفي العفة”. من هذا المنطلق القديس فرنسيس يسلك حياة الإنجيل والعيش به وبالكلمة المكتوبة لأنها موحى بها من الله ونافع للتعليم كما يقول لنا القديس بولس الرسول.
والكنيسة تجتمع حول كلمة الله المكتوبة في الصلوات والقراءات والتأمل فيها. نرى شعب الله المجتمع حول كلمة الرب في العلية، وأيضًا الكنيسة البيتية المجتمعة حول كلمة الرب الكنيسة الملتفة حول كلمة الله ومن هذا الصدد نرى تأثير دور الكلمة في حياة الإنسان اليومية والسير على ضوء كلمة الله والتأمل بها وتعيش الكنيسة خبرة التلاميذ حيث كانوا مع يسوع الكلمة المتجسد. فالقديس فرنسيس عاش خبرة عشق إلهي مع الكتاب المقدس في صلاته وتأملاته ونكتشف من كتاباته ونهج حياته عندما يقول :”وبعد أن أعطاني الرب أخوة لم يدلني أحد إلى ما يتوجب علىَّ عمله لكن العلي نفسه أُوحى إلي َّ على العيش وفقًا لنهج الإنجيل المقدس. خبرة القديس فرنسيس لمعايشته لكلمة الله في الكتاب المقدس وهو يخاطب كل إنسان وفي كل زمان وفي كل مكان، ونحن مدعوين أن نسمع صوت الله الكلمة والدخول في عمق حياتنا لكي نعيش دعوة الله “كونوا قديسين لأني أنا قدوس”.
4- كلمة الله المتجسد( التجسد الإلهي)
والكلمة صار جسدًا وحل بينا (يو1: 14)، مسيرة الكلمة من حضن الأب والأزلي والسرمدي، إلى أن أتخذً جسدنا. أراد الله أن يخلصنا ويتحد بالإنسان بعد ما كلمنا بطرق مختلفة كلمنا في ملء الزمان بابنه الوحيد.
وقداسة البابا بندكتوس السادس عشر” رفض الإنسان أن يقبل وجوده وكمال حياته من الله وعندما يقدم بذلك يثق بالكذب بدل الحقيقة، ويلقي حياته في الفراغ، في الموت. الخطية شوهت البشرية أي جرح في العلاقة بين الله والإنسان ولكن محبة الله هي أساس كل شيء النعم والعطايا.” وبتجسد يسوع المسيح أسس فينا فردوس”.
ونرى كاتب فلسفي يقول:” لأجل أن تنبت البذرة، الله أعطاها الشمس، ولكي تسير حياة البشرية أوجد سر الزواج ولأجل إقامة علاقة مع الإنسان أوجد الصلاة ولكي يتحد الله مع الإنسان أرسل ابنه الحبيب”.
سر التجسد له طابع خاص عند القديس فرنسيس ومن خلال هذا السر يرفع الشكر للله على نعمة هذا السر يقول:” نشكرك لأنك مثلما خلقتنا بابنك كذلك بحبك القدوس الذي به أحببتنا. جعلته يولد إلها حقًا وإنسانًا حقًا من الكلية الطوبى القديسة مريم المجيدة والدائمة البتولية.
مسيرة التجسد تبدأ من فكر الله منذ الأزل وقد أعد الشعب بطرق مختلفه وفي ملء الزمان أرسل ابنه الوحيد إلى العالم جاء بتواضعه ومن هذا المنطلق يمدح القديس فرنسيس ويكرم تواضع الله:” يا للعلو العجيب والمكانه المذهلة، يا للتواضع السامي ويا للسمو المتواضع أن يتضع رب الكون، ابن الله.
التواضع هو نقطة أساسية في سر التجسد نرى تواضع الله العجيب لأنه أحب البشرية. ويخاطبنا القديس فرنسيس:” انظروا يا أخوتي إلى تواضع الله اسكبوا قلوبكم أمامه اتضعوا انتم لكي ترفعوا به”. ويقودنا القديس فرنسيس أيضا إلى مريم العذراء لأنه اختارها الآب السماوي ويقول:” أيتها القديسة مريم العذراء لم يولد في العالم مثلكِ بين النساء، يا بنت العلي الملك الأسمى، الآب السماوي وأمه. يا أم ربنا يسوع المسيح الكلي القداسة يا عروس الروح القدس. وعندما أمتئله قلب القديس فرنسيس أراد أن يحتفل بسر التجسد بطريقة جديدة غير مالوفة في ذلك الوقت،أحتفل بسر التجسد في مغارة جريتشو.
وبالتجسد أصبح الله قريبًا جدًا للإنسان وبسر الإفخارستيا اتحد مع الإنسان. وبميلاده جعل العالم خليقة جديدة تلتف حوله من السماء والأرض.
5- سر الأفخارستيا (الكلمة التي صارت جسدًا)
بتجسده عاش بينا وأتحد مع الجنس البشري وقبل أن ينقل من هذا العالم ترك لنا نفسه في سر الإفخارستيا هو سر التجسد المستمر بينا. ويقول السيد المسيح:”من ياكل جسدي ويشرب دمي يثبت في وانا فيه” ومن خلال هذا السر العظيم قدم ذاته لأجلنا وأنطلقت الكنيسة بممارسة السر المقدس.
وأصبح معنا دائمًا وإلى الأبد. وتمارس الكنيسة رغبة يسوع أصنعوا هذا لذكري. ورغبة تلأميذ عماوس أمكث معنا يارب هذه هي رغبة كل إنسان مسيحي، لأن يسوع هو حاضرًا معنا. ومن هذا المفهوم يقودنا القديس فرنسيس على احترامًا وأجلالا لجسد الرب يسوع وعندما يقول في رسالته إلى كل الرهبنة ” أتوسل إليكم جميعًا إخوتى مقبلاً أرجلكم، وبكل ما يسعني من محبة أن تظهروا كل ما تستطيعون من توفير وتكريم لجسد ربنا يسوع المسيح و دمه الكلي القداسة الذين بهما تحقق السلام والمصالحة بين الله الكلي القدرة ” ويطلب من الكهنة الأحترام وأن يستعدوا للأحتفال بالقداس فليكونوا أنقياء وليقيموا بنقاوة ووقار الذبيحة الحقيقية ذبيحة جسد ربنا يسوع المسيح، ودمه الكلي القداسة. ويكمل في رسالته إلى كل الرهبنة فليخش الإنسان بكليته وليرتعد العالم كله ولتبتهج السماء عندما يكون المسيح ابن الله الحيِّ على المذبح بين يد الكاهن. من خلال هذه الرسالة يتأمل في تواضع الله في سر الإفخارستيا كما كان في سر التجسد عندما يقول:”يا للعلو العجيب والمكانة المذهلة يا للتواضع السامي ويا للسمو المتواضع أن يتضع رب الكون الله، وابن الله بحيث يتوارى من أجل خلاصنا تحت شكل الخبز البسيط.
ويكتب أيضًا في رسالته الثانية إلى المؤمنين يحثنا أن نعترف للكاهن بكل خطايانا ونتناول من. جسد ربنا يسوع المسيح ودمه فمن لا ياكل جسده ولا يشرب دمه لا يستطيع دخول ملكوت الله.
6- يسوع المسيح الكلمة في السر الفصحي (صلب، موت، قيامة)
حياة القداسة هي الدعوة الأساسية لكل إنسان، فنحن نتخلى عن كل شيء من أجل أن نتبع طريق القداسة الذي هو يسوع لذلك نجد القديس فرنسيس في التوصيات يُعلن أن الرب تحمل الالم من أجل خلاصنا والقديسين تبعوا يسوع في طريق القداسة أما نحن نتغنى بأعمال القديسين ولا نعمل أعمالهم:
” فلنتأمل جميعنا أيها الإخوة الراعي الصالح الذي لأجل خلاص خرافه احتمل آلام الصليب. القديس فرنسيس دخل في خبرة حقيقية معاشة مع يسوع وهي الجروحات التي نالها من يسوع والنعمة، والعطية وهي نتيجة حب وعشق إلهي فاتحد. الحب البشري مع الحب الإلهي، وقد جعل جبل لافيرنا هو جبل الجلجلة. ومن خلال هذه الجروحات التي اتحد بها مع يسوع المسيح وهي إعلان إلهي بان هذا القديس فرنسيس الفقير والمتواضع صار مسيح آخر على الأرض.
القيامة هي قوة النور التي تنير ظلمات قلب الإنسان كما حدث مع القديس فرنسيس توجه إلي نبع النور أي يسوع المسيح القائم من بين الأموات والخطوة الأولى التي قام بها فرنسيس عندما غاص في ظلمة عميقة هو التوجه إلى الله منبع النور. أدرك القديس فرنسيس أن الله هو الوحيد الذي سوف يمنحه هذا النور المحتاج إليه، هو الوحيد الذي يمنحه القوة لكي ينتصر على الشيطان ويستطيع أن يطرده خارج قلبه وهذا ما يعلنه في تعليقه على الأبانا:” أبانا يا كلي القداسة: خالقنا وفادينا ومعزينا ومخلصنا”.
القديس فرنسيس في صلاته أمام المصلوب يقول:” اعطني ايمانًا مستقيمًا “هذه خبرة الصلاة وامام نور المسيح يتلاشى الظلام ويكتشف بداية مسيرة حب الله، ويدخل في خبرة القيامة والقيامة هي معايشة حياتية يومية على حسب قصد الله وسلك مع المسيح القائم من بين الأموات وأنطلق للتبشير والخدمة والرسالة وحياة الصلاة. القيامة بالنسبة للقديس فرنسيس هي قوة النور التي تغير قلب الإنسان وتقوده إلى القداسة.