في قانون الإيمان نقول فيما يختص بيسوع المسيح: «تألم، ومات، وقُبر، وقام في اليوم الثالث كما في الكتب»… سأركز في هذا المقال على كلمة «تألّم». ماذا تعني هذه الكلمة؟ لقد وجدنا على مواقع التواصل الإجتماعي عرض لمُجسّم من مادة السيليكون يُظهِر جراح «رجُل الكفن» إذ يقول التقليد أنه هو المسيح يسوع. ولكن، عند نظرنا إلى ذلك المُجسّم، ماذا علينا أن نفعل؟ وكيف علينا أن ننظُر إليه؟
في سفر أشعيا، نجد نشيدَا مميزًا يتكلم عن عبد الله المتألّم، والكنيسة تجده نبوءة واضحة وصريحة عن آلام المسيح وموته، وردت فيه الآيات التالية:
«مَن الذي آمن بما سمع منا ولِمن كُشِفت ذراع الرب؟ فإنه نبت كفرع أمامه وكأصل من أرض قاحلة لا صورة له ولا بهاء فننظر إليه ولا منظر فنشتهيه. مُزدَرى ومتروك من الناس رجل أوجاع وعارف بالألم ومثل من يُستر الوجه عنه مزدرى فلم نعبأ به» (أشعيا٥٣: ١-٣).
إنّ هذا العبد المتألّم لا يشعر فقط بالوَجَع الجسدي (La douleur)، إنّما كان يعيش الألم (La passion)… وجعه الجسدي سببته كراهية ووحشية جلاديه… لقد كانت الآلام تتخطى بأشواط الأوجاع الجسدية الظاهرة، التي أبعدت الجميع عنه وجعلت منظره الخارجي مُقزّزًا… ولكن، ما دفع الجميع لازدرائه، هو أنه ليس فقط «رجل أوجاع»، بل أيضًا «عارفٌ بالألم»، هو يعرف في داخله مدى الألم الذي سببته الخطيئة، خطيئة كل إنسان، ويعرف تماما آلام البشر وجراحاتهم، لذلك ابتعد عنه الجميع، لأن مَن ينظر إليه يكتشف خطيئته… لذلك نقرأ في الآيات اللاحقة من الفصل ذاته من سفر أشعيا: «لقد حمل هو آلامنا وآحتمل أوجاعنا فحسبناه مصابا مضروبا من الله ومذللا. طُعِنَ بسبب معاصينا وسُحِقَ بسبب آثامنا نزل به العقاب من أجل سلامنا وبجرحه شُفينا» (أشعيا٥٣: ٤-٥) فالآلام ليست فقط أوجاع الجسد، إنّما الألم الذي سببته خطايانا، أي الألم الذي جرح قلب يسوع الفادي، وجعله يقبل الصليب بكامل حريته، ليحمل عليه كل جراحنا، نفسية كانت أم جسدية. وإن قُمنا بفحصِ ضمير، سنجد حتمًا خطايا جرحتنا وآلمَتنا وما زلنا حتى اليوم نلوم ذواتنا ونتحرر منها بنعمة الرب(إن تُبنا)، أو نلوم الآخرين عليها (إن لم نتُب). ولكن البشارة المُفرحة التي يقولها لنا الكتاب المقدس، بخاصّة النشيد الذي نتكلم عنه، هي أنّ يسوع حمل عنّا العقاب لنعيش بسلام، وحمل جراحنا لنُشفى وننطلق للحياة!
لذلك يقول أشعيا في ذات النشيد: «كلنا ضللنا كالغنم كل واحد مال إلى طريقه فألقى الرب عليه إثم كلنا. عومِل بقسوة فتواضع ولم يفتح فاه. كحمل سيق إلى الذبح كنعجة صامتة أمام الذين يجزونها ولم يفتح فاه. بالإكراه وبالقضاء أخذ فمن يفكر في مصيره؟ قد آنقطع من أرض الأحياء وبسبب معصية شعبي ضُرب حتى الموت» (أشعيا٥٣: ٦-٨)… فإن ملنا كل واحد في طريق، سنعود ونلتقي حول يسوع المتألم الذي حمل إثمَنا، وبسبب معاصينا قُتِل… لماذا فدانا يسوع على الصليب؟ ليس لشيء، سوى أن جسده العريان المهشّم وقلبه المطعون، يُجسّدان بشكل ملموس حب الله للإنسان، كل الإنسان.
لنفكر في هذا النشيد، ولننظر إلى ذلك المُجسّم ليس فقط لنكتشف كم توجع يسوع جسديًّا -وقد شرح ذلك أطبّاء كُثُر- بل لنكتشف من خلال ذلك الوجع الرهيب، ألمًا أكبر بكثير سببته وتسببه خطايانا. فإن توقفنا عند فكرة الوجع، يُصبح ذلك المُجسّم مرجعًا طبيًّا يشرح كيف يتوجع الإنسان عندما يُصلَب! ولكن، إن انطلقنا من منظر الوجع لنكتشف سر الآلام التي حملها المسيح ليشفينا من جراحنا وخطايانا، نكون قد بلغنا الهدف المنشود، إذ يُصبح هذا المُجَسّم دعوة لفحص الضمير… لا يجب علينا التوقف عند آلام المسيح وموته! لنعبر بفرح نحو قيامته، فنتحرر من خطايانا ونقوم من سقطاتنا، فنتقاسم المجد مع يسوع القائم من الموت وغالبُه: «فلذلك أجعل له نصيبا بين العظماء وغنيمة مع الأعزاء لأنه أسلم نفسه للموت وأُحصي مع العصاة وهو حمل خطايا الكثيربن وشفع في معاصيهم.» (أشعيا٥٣: ١٢)