فنّ الأيقونة في لبنان إلى أين؟

الأيقونة في لبنان

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

أيقونة هي تعريب لكلمة يونانية تعني صورة “εἰκών “أو شبه، أو مثال، تُصنع وفق أساليب مُحدَّدة وبالنظر لاعتبارات لاهوتية أيضًا مُحدَّدة، بالتزامن مع صلاة الرسام أثناء كابتها أيضا، لكي تخدمَ أغراض العبادة وترتقي بحياة الناظر إليها من الأمور الأرضية إلى الروحية. إن أردنا أن نذهب أبعد من ذلك وبمعنى آخر، رسم إشارة الصليب هو أيقونة وخلق الله للإنسان على صورته ومثاله هو أيقونة والأفعى النحاسيَّة في العهد القديم أيقونة للسيد المسيح في العهد الجديد… ومن هنا نجد أن معنى الأيقونة يتجاوز ذلك ليصل إلى حد أن نعتبر العهد القديم برموزه كأيقونة للعهد الجديد فالأيقونة تعني أيضا باليونانية الكتابة المقدسة ومن هنا قد يصادفنا مصطلح كتابة الأيقونة عوضًا عن رسم الأيقونة. في هذه المقالة سندخل في سرد سريع لتاريخ الأيقونة ومن بعده الرؤية لهذا الفنّ المقدَّس في لبنان.

تاريخيًا يخبر التقليد الكَنَسيّ بأنَّ أوَّل كاتب أيقونات هو الإنجيلي لوقا اليونانيّ والذي كان طبيبًا ورفيقًا للقدِّيس بولس وقد كان أوَّل مَن نَقلَ وجهَ مريمَ العذراء رَسمًا، ومنها استوحى عبر التَّاريخ باقي كُتَّاب الأيقونات، أيقونات والدة الإله… وقد استعملتُ كلمةَ «نقل» لأنَّ الأيقونةَ تُكتَب ولا تُرسَم، لماذا؟ لأنَّ كاتب الأيقونة ينقلُ نُصوصًا من الإنجيل وإنَّما بالألوان وهي كانت حاجة لدى المسيحيِّين الأوائل لدحضِ الهرطقات التي كانت تطال جوهر المسيحيَّة، وحين دَعَتِ الحاجة لتَرسيخِ التعاليم في نفوسِ المؤمنين والمُهتدين إلى الدين المسيحي والذين بأغلبيَّتهم كانوا أُميِّين، كان لا بُدَّ من إيجادِ وسيلة فعَّالة تجعل المؤمن يتذكَّر تلك التعاليم ويلتزمُ بها… فكان الفنّ هو الجواب لهذا المطلب، لأنَّ الصُّور أو الرُّسومات تبقى عالقة في الذِّهن وتُساعدُ على تذكُّر المعلومات وحفظها، ولن أدخلَ هنا بمدلولات الأيقونة اللاهوتيَّة ولا طريقة كتابتها ولا معانيها ولا طريقة تطوُّرها حتَّى بلوغها رُتبة «العقيدة في الكنيسة الأرثوذوكسيَّة»[1].

يقول الأب شربل بو عبود الأنطوني عن أنَّ الأيقونات في الأساس هي فن ويتابع:

“نتكلم عن تاريخ وعن فن ليس بالعادي بل فنّ مقدَّس؛ هو فنّ لاهوتي وروحي والأيقونة هي مجرَّدة من الأبعاد الماديّة والأرضيَّة. ولديها تاريخ كبير جدًّا في الكنيسة والتي دخلت في ما مضى في حروب واندثار ودافع عنها أغلب آباء الكنيسة ومنهم يوحنا الدمشقي. هذا التاريخ الكبير وراء هذه الأيقونات دفعنا لتشكيل نقابة للإيقونوغرافيين في لبنان بمساندة نخبة من كتبة الأيقونات، من أجل المحافظة على مستقبل هذا الفنّ، وهذه النقابة تعنى بأمور الإيقونوغرافيين في لبنان وبتنظيم عمل الإيقونوغرافيين. كي يكون عملهم مقدَّسًا ومثمرًا بحسب تعاليم الكنيسة وقانون هذا الفنّ المقدَّس. من المعروف بأن كاتب الأيقونات هو إنسان مؤمن، مصلّي وإنسان مثقّف دينيًا. يعرف العادات والتقاليد والأمور اللاهوتيّة أي علم الله. ولكي يكتب أيقونته أو يؤلفها، عليه أن يصلّي ويصوم ويعيش اختبارًا روحيًّا مميّزًا… وهذه النقابة هي أيضًا لخلق ضمانة وليكون لدى كاتب الأيقونة هدفًا، إذ ليس أي فرد يقدر أن يقول: “هذه أيقونة”؛ وهذه النقابة هي لكي تشرف على الأيقونات وكيفيَّة صنعها ومعرفة مَن يرسمها وما هي ثقافته. لذلك حددت النقابة في نظانها الداخلي شروطًا مُعيَّنة من أجل الإنتساب”.

ويتابع قائلًا: “إن مستقبل هذا الفنّ من المؤكَّد سيبقى ويستمر لأنه مبنيٌّ على أُسس لاهوتيّة وعقاديّة. كما نعلم بأن الكنيسة الأرثوذكسية تقول: “بأن العقيدة تنبع من الأيقونة”. لذلك حافظت عليه لأنَّها كانت مؤمنة بها ولأنّ الأيقونة أتت من حاجة الشعب الذي لم يكن يعرف القراءة والكتابة من أجل شرح الحقائق اللاهوتيّة المجسَّدة من خلال هذه الأيقونات. ونقول بأننا نكتب الأيقونة لأنها تُقرأ، لأنها تجسِّد حدثًا من الإنجيل أو حياة قدِّيسٍ مُعيَّن عاش الفضائل الإيمانيّة واللاهوتيّة والروحيَّة…

لا بد من ذكر من الفنّانين الكِبار اليونان والروس أشهرهم، روبلاف الذي كتب أيقونة الثالوث الأقدس…
أمَا في لبنان فأنا أرى بأنَّه ليس هنالك من خوف على هذا الفنّ بل بالعكس هذا الفنّ إنتشر في لبنان منذ سنة ٢٠٠٨ أي منذ تأسيس الرهبنة الأنطونية للمعهد الفنيّ الأنطوني المسجَّل في الدَّولة والذي يمنح شهادات رسميَّة بكتابة الأيقونات، إذ قبل ذلك، كان هنالك أشخاص يكتبون الأيقونات ويعلِّمون تلاميذهم الخاصِّين للحفاظ على هذا الإرث. ولكن نحن كمعهد أنطوني فتحنا المجال أمام الجميع لتعلُّم هذا الفنّ.

من المهمّ ذكر أنماط في الكتابة الإيقونوغرافيَّة، مثل السرياني الذي عمل عليه آباء من الرهبنة المارونية اللبنانية في الكسليك – لبنان مع الراحل الأب بدوي ولاهوتيين كبار آخرين. لذلك تاريخ ومستقبل هذا الفنّ باقٍ خصوصًا في لبنان. ففي هذه الأيام نرى وعيًا لدى الناس، يتعلَّق بأهميّة الأيقونات وحضورها في الكنيسة وبمعانيها. وهنالك أناس استبدلوا التماثيل والصور في منازلهم بالأيقونات. من هنا أرى تطوّرًا وإستمراريّة لهذا الفنّ تحديدًا بسبب هذا الوعي لدى الناس والكهنة ولما تحمله من مدلولات لاهوتيّة وروحيّة بداخلها. لذلك نحن اليوم أمام تطور نحو الأفضل ونحن نسعى من أجل شرح أصول وكيفية كتابة الأيقونة لأنها تحمل بُعدَ التجسُّد الإلهي، فكما الله تجسَّد وشارك الكون بأكملِه بهذا التجسُّد، أيضًا يشارِك الكون هنا بكتابة الأيقونة: فالإنسان في الكتابة، والله يعطيه الإلهام والطبيعة التي تمثلها الخشبة والألوان، والحيوان الذي يمثِّله صفار البيض وعظم الأرنب الذي يُستعمل كمادَّة لاصقة… ومتى رأينا مدى عمق المدلولات اللاهونيّة والروحيَّة فهمنا لماذا نقول بأن الأيقونة تحمل بعد التجسُّد الإلهي”.

إنطلاقًا من مداخلة الأب شربل بو عبود الأنطوني، ومن خبرة أشخاص شاركوا في دوراتٍ عديدة في كتابة الأيقونة المقدَّسة ومن خلال مشاركتي الشخصيَّة في إحداها، أستطيع القول بأنَّ هذه الدورات قد ساعدتني لأتعرَّف على طريقة جديدة في الصلاة، إذ قد علمتني أن أتأمَّل أكثر في الإنجيل وأن أذهب أعمق إلى جمالية الخالق”…
وإنطلاقًا من هذه المعلومات، نختم بالسؤال، الأيقونات في لبنان إلى أين؟…

[1] لمياء الدويهي، فسيفساء لحقباتٍ تاريخيَّة مُبعثرة، عبر https://aleph-lam.com/، تاريخ 2 كانون الثاني 2022، تاريخ الولوج 20 تشرين الثاني 2022.

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

سليمان فرنجيه

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير