يُخبرنا القديس متّى الإنجيلي (متى٢: ١٣-١٨) عن حفلة جنون لا يُمكن قُبولها صنعها هيرودُس: سمع من المجوس بأن الملك -يسوع- قد وُلد في بيت لحم… لقد خاف على عرشه فبدأ يتملق المجوس واهمًا إياهم بأنه يُريد السجود لذلك الملك المولود… ولكن، كانت عبادته لذاته هي التي تحرّكه، وخوفه على عرشه هو الذي يُقلقه، وحب السيطرة بما فيه من فساد وبطش هو الذي يسكن فكره… لذلك: تدخل الله مع المجوس وحوّل طريقهم لإبعادهم عن هيرودس، وتدخل مع يوسف ودعاه الملاك في الحلم ليهرب بيسوع ومريم إلى مصر، ويبقوا هناك حتى وفاة هيرودُس الذي كان يبحث بدقّة عن يسوع ليقتله… في هذا التدخّل، صنع الله خيرًا، إذ حمى العائلة المقدّسة، والمجوس، وحمى هيرودُس من عبادته لذاته… لكنّ المؤلم المُبكي حصل وفاجأ الجميع: ذلك الملك الفاسد وصل لمرحلة الجنون، وفضّل قتل كل أطفال بيت لحم من سنتين وما دون، ليطمئن ويضمن بقاءه على عرشه… لم يكترث لصراخ الآباء والأمهات، ولا لصراخ الأبرياء الأطفال… نفّذ مجزرة موصوفة، فقط ليطمئن ذلك العقل الفاسد…
نعم! إنّها السُّلطة التي عبدها هيرودُس ويعبدها ملوك وحُكّام كثيرون:
– يتلاعبون بأملاك الناس،
– يزوّرون كل شيء (حتّى أدوية الأطفال!)،
– يقطعون المواد الغذائية عن الفقراء،
– يحرقون بلادًا بأكملها،
– يُدمّرون التعليم،
– يحرمون الناس من أبسط الحقوق،
– يُسمّـون حقوق الناس “مطالب” لتمييعها وتسييسها،
– يحرمون المرضى من علاجهم،
– يحجبون عن الناس كل ما يحفظ حياتهم وكراماتهم…
– ينتفضون لحدث صغير وقع في إحدى بقاع الأرض بإسم الإنسانية، فيما بلادهم تغرق في ظلام الإهمال القاتل ولا حياة لمن تنادي،
– ينتفضون للحق وشباب بلادهم فقدوا حقوقهم بين البطالة والدّمار والبُنوك.
وكم من هيرودُس في بلادي يلبس ثياب ملك، ورئيس، ونائب، ووزير، ورجل أعمال، ورجل دين، يقتل مجدّدًا ومِرارًا أطفال بيت لحم خوفًا على عرشه! ولكن، يورد متّى الإنجيلي آية من سِفر النّبي إرميا: «صَوْتٌ سُمِعَ في الرَّامَة، بُكَاءٌ وَنَحِيبٌ كَثِير. رَاحِيلُ تَبْكِي أَوْلادَهَا، وقَدْ أَبَتْ أَنْ تَتَعَزَّى، لأَنَّهُم زَالُوا مِنَ الوُجُود» (متى٢: ١٨)
صراخ الأبرياء ونحيب الأمهات يصل فورًا إلى الله، والله يسمع ويُحاسب… ولكن، مهما كان الشرّ عظيمًا، تبقى الكلمة الأخيرة لله الذي يُعطي الحياة…
الصورة المُرفقة هي لوحة بعنوان “Le massacre des innocents” لِـ”Nicolas Poussin”…