قبل أن يطوي العام 2022 يومه الأخير، وقبل إنشاد: “ليرحَمنا الله وليُبارِكنا، وليُضِئ بوجهه علينا” (مز 67: 2) في مطلع العام الجديد 2023 (راجع قراءات الليتورجيَّة اللَّاتينيَّة)، كان اللَّاهوتيّ الكبير، السَّعيد الذكر البابا بنديكتوس السادس عشر، على موعدٍ مع السماء، بعد عيد تجسُّد “الكلمة الَّذي صار بشرًا وسكن بيننا” (يو 1: 14)؛ هو “النُّور الحقيقيّ الَّذي يُنير كلَّ إنسان” (يو 1: 9).
وشاءت العناية الإلهيَّة أن يوارى الثَّرى عشيَّة عيد الدنح (عيد عماد الرَّبّ يسوع بحسب الطقس المارونيّ)، هو الَّذي سبق وقال: “المعموديَّة، إذا جاز التَّعبير، هي الجسر الَّذي بناه الله بينه وبيننا. وهو الطَّريق الَّذي يُتيح لنا الوصول إليه. إنَّه قوس القزح الإلهيّ على حياتنا، والوعد بنِعَمِ الله العظيمة، وباب الرَّجاء، وفي الوقت نفسه، العلامة الَّتي تُوضِحُ لنا طريق السَّير بنشاطٍ وفرحٍ للقائه” (البابا بنديكتوس السادس عشر، عظة في عيد عماد الرَّبّ يسوع، الأحد 11 كانون الَّثاني 2009).
بعد أن شاركَ البابا بنديكتوس السادس عشر كخبيرٍ لاهوتيّ في المجمع الفاتيكانيّ الثَّاني، ولعبَ دورًا مهمًّا في كتابة بعض وثائقه؛ وبعد أن دُعيَ لقيادة “مجمع العقيدة والإيمان” في تنفيذ تعاليم المجمع، إلى جانب القدِّيس البابا يوحنَّا بولس الثَّاني، ومِن ثَمَّ كراعٍ للكنيسة الجامعة طبعَ الكنيسة بتعليمه الَّذي شكَّل أساسًا لاهوتيًّا متينًا لمسيرة “الكنيسة الحيَّة”، الَّتي علَّمنا أن نراها ونعيشها كشركة، وهي في مسيرةٍ سينودسيَّة يقودها الرُّوح القدس، قرَّر في الحادي عشر من شهر شباط 2013 اعتزال مهامه البابويَّة ليعيش متواريًا عن العالم، حيث “أخذ منه الرَّبُّ الكلمة ليجعله يقدِّر الصمت” (قَول البابا بنديكتوس السادس عشر للكاردينال ماريو غريش أثناء لقائه به في 28 تشرين الثَّاني 2020). فبات “شاهدًا للإيمان في الصلاة” (البابا فرنسيس، عظة اليوم العالميّ للسلام، 1 كانون الثَّاني 2023).
أغمض عينيه عن عمر 95 سنة لــ “يتَّحد اللَّاهوت بالنَّاسوت والنَّاسوت باللَّاهوت” (من صلوات الكسر والنضح والمزج والرفعة في القدَّاس المارونيّ)، بعد أن “سمِعَ صوت الرَّبِّ ولم يُقَسِّ قلبه” (مز 95: 8)، لـ “يُبادِرَ إلى وجهه بالشُّكران ويهتف بالأناشيد” (مز 95: 1) لِمَن “منحَهُ كلَّ عطيَّةٍ صالحة وأعطاه الحياة وأرشده خلال لحظات ارتباكٍ عديدة؛ وأنهضه دائمًا في كلِّ مرَّةٍ كان فيها منزلقًا، ومنحَهُ دائمًا ومجدَّدًا نور وجهه” (البابا بنديكتوس السادس عشر، الوصيَّة الروحيَّة، 29 آب 2006).
الأخت دولِّي شعيا، ر.ل.م.