Messe pour la Journée missionnaire mondiale, 20 octobre 2019 © Vatican Media

قلوب مُتَّقِدة، وأقدام تسير

رسالة البابا فرنسيس في مناسبة اليوم العالمي السّابع والتّسعين للرّسالات في 22 تشرين الأوّل 2023

Share this Entry

أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء،

في يوم الرّسالات العالمي لهذه السّنة، اخترت موضوعًا مستوحى من قصة تلميذَي عمواس، في إنجيل لوقا (راجع 24، 13-35): ”قلوب مُتَّقِدة، وأقدام تسير“. كان هذان التّلميذان مرتبكَين ومحبطَين، لكن اللقاء مع المسيح في الكلمة وعند كسر الخبز أشعل حماسهما وانطلقا من جديد نحو أورشليم، ليبشرا بأنّ الرّبّ يسوع قد قام حقًّا. في قصة الإنجيل، ندرك تغيّر التّلميذَين من بعض الصّور التي لها دلالة خاصّة: قلبان مُتَّقِدان لسماع الكتب المقدّسة التي يشرحها يسوع، وأعين ٱنفَتَحَت فعرفاه، وفي النّهاية، أقدام تسير. بالتأمّل في هذه الجوانب الثّلاثة، التي تحدّد مسيرة التّلاميذ المرسَلين، يمكننا أن نجدّد حماسنا للبشارة بالإنجيل في عالم اليوم.

                      

1. كانت قلوبنا مُتَّقِدة ”عندما شرح لنا الكتب المقدّسة“. كلمة الله تنير وتغيّر القلب في حمل الرّسالة.

على الطّريق من أورشليم إلى عمواس، كان قلبا التّلميذَين مُكتَئِبَين – كما ظهر من وجهَيهِما – بسبب موت يسوع الذي كانا يؤمنان به (راجع الآية 17). أمام إخفاق المعلّم المصلوب، انهار رجاؤهما في أنّه المسيح (راجع الآية 21).

“وبَينَما هُما يَتَحَدَّثانِ ويَتَجادَلان، إِذا يسوعُ نَفْسُه قد دَنا مِنهُما وأَخَذَ يَسيرُ معَهما” (الآية 15). كما في بداية دعوة التّلاميذ، والآن أيضًا في لحظة الضّياع، بادر الرّبّ يسوع واقترب هو من التّلميذَين وسار معهما. في رحمته الكبيرة، لا يتعب أبدًا من البقاء معنا، على الرّغم من عيوبنا وشكوكنا وضعفنا، وعلى الرّغم من الحزن والتّشاؤم اللذين يقوداننا إلى أن نصير “قليلِي الفَهم وبطيئِي القَلْبِ” (الآية 25)، أناسًا قليلِي الإيمان.

واليوم، كما في ذلك الوقت، فإنّ الرّبّ يسوع القائم من بين الأموات قريب من تلاميذه المرسَلِين ويسير بجانبهم، خاصّةً عندما يشعرون بالضّياع والإحباط والخوف أمام سرّ الخطيئة الذي يحيط بهم ويريد أن يخنقهم. لذلك، “لا ندع أحدًا يسلبنا الرّجاء!” (الإرشاد الرّسوليّ، فرح الإنجيل، 86). الرّبّ يسوع أكبر من مشاكلنا، خاصّة عندما نواجهها في إعلان الإنجيل للعالم، لأنّ هذه الرّسالة، في النّهاية، هي له ونحن ببساطة معاونوه المتواضعون، ”خَدَم لا خَيرَ فيهِم“ (راجع لوقا 17، 10).

إنّي أعبّر عن قربي في المسيح من جميع المُرسَلِين والمُرسَلات في العالم، وخاصّة الذين يمرون بأوقات صعبة: الرّبّ يسوع القائم من بين الأموات، أيّها الأعزّاء، دائمًا معكم ويرى سخاءكم وتضحياتكم من أجل رسالة البشارة بالإنجيل في أماكن بعيدة. ليست كلّ أيام حياتنا مليئة بأشعة الشّمس، لكن لنتذكر دائمًا كلمات الرّبّ يسوع لأصدقائه قبل آلامه: “تُعانونَ الشِّدَّةَ في العالَم، ولٰكِن ثِقوا: إِنِّي قد غَلَبتُ العالَم” (يوحنّا 16، 33).

بعد أن أصغى إلى التلميذَين اللذَين كانا في طريقهما إلى عمواس، يسوع القائم من بين الأموات “بَدأَ مِن مُوسى وجَميعِ الأَنبِياء يُفَسِّرُ لَهما في جَميعِ الكُتُبِ ما يَختَصُّ بِه” (لوقا 24، 27). فاتَّقد قلبا التّلميذَين، كما اعترف في النّهاية الواحد للآخر بما في داخلهما: “أَما كانَ قَلبُنا مُتَّقِدًا في صَدرِنا، حينَ كانَ يُحَدِّثُنا في الطَّريق ويَشرَحُ لَنا الكُتُب؟” (الآية 32). في الواقع، يسوع هو الكلمة الحيّة، وهي وحدها تقدر أن تجعل القلب يتَّقِد وتقدر أن تنيره وتغيّره.

وهكذا نفهم فهمًا أفضل قول القدّيس هيرونيمُس: “جهلُ الكتُبِ المقدّسةِ هو جَهلٌ للمسيح” (راجع مقدّمة لسفر أشعيا). “بدون مساعدة الربّ لنا، من المستحيل أن نفهم الكتاب المقدّس فهمًا عميقًا، ولكن العكس صحيح أيضًا: بدون الكتاب المقدّس، تظلّ أحداث رسالة يسوع وكنيسته في العالم غير مفهومة” (رسالة بابوية، في صورة براءة بابوية، فَتحَ أَذْهانَهم، 1). لذلك، معرفة الكتاب المقدّس مهمّة لحياة المسيحي، وأكثر من ذلك لإعلان المسيح وإنجيله. وإلّا، فما الذي تنقله إلى الآخرين غير أفكارك ومشاريعك الخاصّة؟ وهل يمكن للقلب البارد أن يشعل قلوب الآخرين؟

لذلك لنسمح دائمًا بأن يرافقنا الرّبّ يسوع القائم من بين الأموات الذي يشرح لنا معنى الكتاب المقدّس. لنسمح له بأن يجعل قلوبنا تتَّقِد، وبأن ينيرنا ويغيّرنا، حتّى نستطيع أن نعلن سرّ خلاصه للعالم بالقدرة والحكمة اللتين تأتيان من روحه.

 

2. ”ٱنفَتَحَت أعينهما وعرفاه“ عند كسر الخبز. يسوع في الإفخارستيّا هو قِمَّة الرّسالة وينبوعها.

قلوبهما المتَّقِدة من أجل كلمة الله دفعت تلميذَي عمواس إلى أن يطلبا من المسافر الغريب أن يبقى معهما لما حان المساء. فٱنفَتَحَت أعينهما حول المائدة وعرفاه عندما كسر الخبز. العنصر الحاسم الذي فتح أعين التّلميذَين هو تسلسل الأعمال التي قام بها يسوع: أخذ الخبز، وباركه، وكسره وناولهما إياه. إنّها علامات عادية لربّ بيت يهودي، لكن، لمّا قام بها يسوع المسيح بنعمة الرّوح القدس، صارت حركات جدّدت للمشاركين على المائدة ذكر تكثير الأرغفة ولا سيّما علامة الإفخارستيّا، وسرّ ذبيحة الصّليب. لكن في اللحظة التي عرفا يسوع عند كسر الخبز، “غابَ عنهُما” (لوقا 24، 31). هذه الحقيقة تجعلنا نفهم حقيقة إيماننا الأساسيّة: المسيح الذي كسر الخبز يصير الآن الخبز المكسور، الذي يتقاسمه التّلاميذ وبالتالي يأكلونه. صار غير مرئي، لأنّه دخل الآن في قلبَي التّلميذَين ليزيدهما اتّقادًا، ما دفعهما لاستئناف طريقهما دون تأخير ليعلنا للجميع خبرة اللقاء الفريدة مع الرّبّ القائم من بين الأموات! وهكذا فإنّ المسيح القائم من بين الأموات هو الذي يكسر لنا الخبز وفي نفس الوقت هو الخبز المكسور من أجلنا. ولذلك، كلّ تلميذ مرسل مدعوٌ إلى أن يصير، مثل يسوع وفيه، بقوّة عمل الرّوح القدس، الشّخص الذي يكسر الخبز والذي يصير الخبز المكسور من أجل العالم.

وبهذا الصّدد، علينا أن نتذكّر أنّ مجرَّد كسر الخبز المادّي مع الجائعين باسم المسيح، هو بالفعل عمل الرّسالة المسيحيّة. وأكثر من ذلك، كسر الخبز الإفخارستيّ الذي هو المسيح نفسه، هو عمل الرّسالة بامتياز، لأنّ الإفخارستيّا هي ينبوع وقمّة حياة الكنيسة ورسالتها.

ذكّر بذلك البابا بنديكتس السّادس عشر، قال: “لا يمكننا أن نحتفظ لأنفسنا بالمحبّة التي نحتفل بها في سرّ [الإفخارستيّا]. إنّها تطلب بحكم طبيعتها أن تُعطَى للجميع. ما يحتاج إليه العالم هو محبّة الله، وهو لقاء المسيح والإيمان به. لذلك، الإفخارستيّا ليست فقط ينبوع وقمّة حياة الكنيسة، بل إنّها أيضًا رسالتها: الكنيسة التي هي حقًّا إفخارستيّة، هي كنيسة إرساليّة” (الإرشاد الرّسولي، سرّ المحبّة، 84).

لكي نؤتي ثمارًا، علينا أن نبقى متّحدين معه (راجع يوحنّا 15، 4-9). وهذا الاتّحاد يتحقّق بالصّلاة اليوميّة، خصوصًا في السّجود، وفي البقاء صامتين في حضور الرّبّ يسوع، الذي يبقى معنا في الإفخارستيّا. بتنمية هذه الشّركة مع المسيح بمحبّة، يمكن للتّلميذ المُرسَل أن يصبح صوفيًّا يعمل. ليمتلئ قلبنا بالشّوق دائمًا إلى رفقة يسوع، وليتلهَّف متَّقدًا بمِثلِ شوق تلميذَي عمواس، وخاصّة عندما يحلّ المساء: “أُمكُثْ مَعَنا، يا ربّ!” (راجع لوقا 24، 29).

 

3. أقدامٌ تسير، تحمل فرح البُشرى بالمسيح القائم من بين الأموات. الشّباب الأبديّ لكنيسة منفتحة دائمًا نحو الخارج.

بعد أن ٱنفَتَحَت أَعيُنهما وعرفا يسوع عند ”كسر الخبز“، “قام التّلميذان في تِلكَ السَّاعَةِ نَفْسِها ورَجَعا إِلى أُورَشَليم” (راجع لوقا 24، 33). الذهاب بسرعة بهذا الشّكل، لمشاركة الآخرين فرح اللّقاء مع الرّبّ يسوع، يُظهر أنّ “فرح الإنجيل يملأ قلب جميع الذين يلتقون بيسوع ويملأ كلّ حياتهم. الذين يقبلون أن يخلّصهم يحرّرهم من الخطيئة والحزن والفراغ الدّاخليّ والعزلة. مع يسوع المسيح يولد الفرح ويولد دائمًا من جديد” (الإرشاد الرّسوليّ، فرح الإنجيل، 1). لا يمكننا أن نلتقي حقًّا مع يسوع القائم من بين الأموات، من دون أن تشتعل فينا الرّغبة في أن نعلنه للجميع. لذلك، أوّل وأهمّ حاملين للرّسالة هم الذين عرفوا المسيح القائم من بين الأموات، في الكتاب المقدّس وفي الإفخارستيّا، ويحملون نَارَهُ في قلوبِهِم ونُورَهُ في نظراتِهِم. هؤلاء يمكنهم أن يشهدوا للحياة التي لا تموت أبدًا، حتّى في أصعب المواقف وفي أحلك اللّحظات.

صورة ”الأقدام التي تسير“ تذكّرنا مرّة أخرى الصّلاحيّة الدّائمة  ”للرّسالة إلى الأمم“، وهي الرّسالة التي أعطاها الرّبّ يسوع القائم من بين الأموات إلى الكنيسة لتبشّر كلّ شخص وكلّ شعب، حتّى أقاصي الأرض. البشريّة التي أصيبت بالكثير من المظالم والانقسامات والحروب، هي بحاجة اليوم، أكثر من أيّ وقتٍ مَضَى، إلى البُشرى السّارّة بُشرى السّلام والخلاص في المسيح. لذلك، أغتنمُ هذه الفرصة لأكرّر أنّه “يحقّ للجميع قبول الإنجيل. ومن واجب المسيحيّين إعلانه دون إقصاء أحد، لا كمن يفرض واجبًا جديدًا، بل كمن يتقاسم فرحًا، كمن يدلّ على أفق جميل، كمن يقدّم وليمة شهية” (المرجع السّابق، 14). الارتداد إلى الرّسالة هو الهدف الرّئيسي الذي يجب أن ننظر إليه، أفرادًا وجماعات، لأنّ “عمل الرّسالة هو المثال لكلّ مهمّة في الكنيسة” (المرجع نفسه، 15).

كما أكّد الرّسول بولس، محبّة المسيح تأسرنا وتدفعنا (راجع 2 قورنتس 5، 14). إنّها المحبّة المزدوجة: محبّة المسيح لنا التي تدعو، وتُلهم وتُثير محبّتنا له. وهي المحبّة التي تجعل الكنيسة المتوجّهة نحو الخارج شابّة دائمًا، مع جميع أعضائها المُرسَلِين لإعلان إنجيل المسيح، مؤمنين أنّه “مِن أَجْلِهِم جَميعًا ماتَ، كَيلا يَحْيا الأَحياءُ مِن بَعدُ لأَنْفُسِهِم، بل لِلَّذي ماتَ وقامَ مِن أَجْلِهِم” (الآية 15). يمكن للجميع أن يساهموا في هذه الحركة الإرساليّة: بالصّلاة والعمل، وبتقدمة المال والآلام، وبالشّهادة الخاصّة. المؤسسات البابويّة للرّسالات هي الأداة المميّزة لتعزيز هذا التّعاون الإرساليّ على المستوى الرّوحي والمادّي. لهذا السّبب، جَمْعُ التّقادم في يوم الرّسالات العالمي يُخَصَّص للمؤسسة البابويّة لنشر الإيمان.

ضرورة عمل الرّسالة في الكنيسة يستلزم بالتّأكيد تعاونًا إرساليًّا وثيقًا دائمًا بين جميع أعضائها وعلى كلّ المستويّات. هذا هدف أساسيّ من أهداف المسيرة السّينوديّة التي تقوم بها الكنيسة مع الكلمات-المفتاح: الشّركة والمشاركة والرّسالة. هذه المسيرة ليست بالتّأكيد انطواء الكنيسة على نفسها، وليست عمليّة استطلاع شعبيّة لكي تقرّر، كما يحدث في البرلمان، ماذا يجب أن نصدّق ونمارس أو لا بحسب التّفضيلات الإنسانيّة. بل هي مسيرة نضع فيها أنفسنا على الطّريق ونسير مثل تلميذَي عمواس، ونصغي إلى الرّبّ يسوع القائم من بين الأموات، الذي يأتي دائمًا بيننا ليشرح لنا معنى الكتب المقدّسة ويكسر لنا الخبز، حتّى نستطيع أن نواصل حمل رسالته بقوّة الرّوح القدس في العالم.

كما روى هذان التّلميذان للآخرين ما حدث على طول الطّريق (راجع لوقا 24، 35)، كذلك إعلاننا سيكون رواية فرحة عن المسيح الرّبّ، وعن حياته، وآلامه، وموته وقيامته من بين الأموات، وعجائبه التي حقّقتها محبّته في حياتنا.

إذن، لننطلق نحن أيضًا من جديد، مُستنيرين بنور اللّقاء مع القائم من بين الأموات، ومُمتلئين بروحه القدّوس. لننطلق من جديد بقلوبٍ متَّقِدة، وبعيونٍ منفتحة، وبأقدامٍ تسير، لكي نشعل قلوبًا أخرى بكلمة الله، ونفتح عيونًا أخرى على يسوع الإفخارستيّا، وندعو الجميع لكي نسير معًا على طريق السّلام والخلاص الذي وهبه الله في المسيح للبشريّة.

يا قدّيسة مريم، يا سيّدة الطّريق، وأُمَّ تلاميذ المسيح المُرسَلِين، وملكة الإرساليّات، صلّي لأجلنا!

 

روما، بازيليكا القدّيس يوحنّا في اللاتران، يوم 6 كانون الثّاني/يناير 2023، عيد ظهور الرّبّ يسوع.

***********

© جميع الحقوق محفوظة – حاضرة الفاتيكان 2023


Copyright © Dicastero per la Comunicazione – Libreria Editrice Vaticana

Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير