CC0, creative commons, pixabay

ما هي القيادة المتواضعة والخدمة؟

التواضع في الخدمة

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

في مقال سابق لنا، تكلّمنا عن ماهية القيادة في المسيحيّة، كما عرفنّا القيادة بالإنجليزية على أنها:(Leadership)  بالقدرة على تحفيز مجموعة من الأفراد وإثارة اهتمامهم، بالإضافة إلى إطلاق طاقاتهم نحو تحقيق الأهداف المنشودة بكلّ فعالية وحماس. كما يُمكن تعريف القيادة بأنّها القدرة التي يتميّز بها القائد عن غيره بتوجيههِ للآخرين بطريقةٍ يتسنّى من خلالها كسب طاعاتهم واحترامهم وولائهم، وشحذ هممهم، وخلق التعاون بينهم في سبيل تحقيق هدف بذاته[1]. أما لغويًا، فيأتي لفظ القيادة من الفعل قادَ، يَقُود، قَوْدًا وقيادًا وقِيادَةً، فهو قائِد، والمفعول مَقُود، بمعنى مشى أمامه وتولّى توجيهه وتدبّر أمره[2].

من هنا، تتصل القيادة بالعديد من المجالات حول العالم، فمثلاً قد تكون إحدى المجالات هي قيادة المجتمع، والدين، والسياسة، والحَملات الانتخابية[3]، وبالتالي يُمكن اعتبار القيادة على أنّها شكل من أشكال الفن الذي يجعل الأشخاص يؤدون الأمور التي يُريدها القائد لأنّهم يُريدون حقًا  تأديتها. هذا وتتضمّن القيادة أحياناً اتخاذ قرارات صعبة وسليمة، والتي يُمكن تجاوزها من خلال خلق رؤية واضحة لتحقيق الأهداف.[4] في مقالنا هذا، سنركزّ على مبدأ التواضع كأساس للقيادة في المسيحيّة.

نذكّر بقول جون ماك آرثر في مقال بعنوان “مطلوب: بعض الرعاة الصالحين (يستلزم معرفة كيفية غسل الأرجل)” ويكمل قائلاً “في إطار الخطة التي رسمها الله للكنيسة، فإن القيادة هي دور خدمة محبة متواضعة. إن قيادة الكنيسة هي خدمة وليست إدارة. إن من يعينهم الله كقادة مدعووين ليس كملوك حاكمين، بل كعبيد متواضعين؛ وليس كمشاهير لامعين، بل كخدام عاملين. إن من يقودون شعب الله يجب أن يكونوا قدوة فوق كل شيء في التضحية والإلتزام والخضوع والتواضع. لقد قدم المسيح نفسه نموذجاً عندما إنحنى ليغسل أرجل التلاميذ، وهي مهمة كان من المعتاد أن يقوم بها أقل العبيد شأناً (يو 13). إذا كان رب الكون يرتضي أن يفعل ذلك، فلا يملك أي قائد كنسي الحق في أن يتعالى على الآخرين”.

التواضع هو إظهار التنزل عن المرتبة لمن يراد تعظيمه. التواضع صفة محمودة تدل على طهارة النفس وتدعو إلى المودة والمحبة والمساواة بين الناس وينشر الترابط بينهم ويمحو الحسد والبغض والكراهية من قلوب الناس. وقيل: هو تعظيم من فوقه لفضله. في 12 أيلول 2019، قال البابا فرنسيس: “التواضع هو مفتاح، مفتاح يفتح قلب الله وقلوب جميع البشر”. عندما يعتنق القائد الخدمة، يسير على درج التواضع، هذه المسيرة الكبيرة التي تطلب من الفرد إفراغ الذات في سبيل ملئها من الله”. وفي هذا السياق، يؤكد الأب هنري بولاد في كتابه “الطاقة الخلّاقة للمعاناة” ويقول “… قادرًا من السماح لنا بالحصول على المزيد من الفضائل فإنّه يجرّدنا من أشياء كثيرة غير أساسيّة، فمن ثمّ يتم تطهير تدريجيّ لكياننا من أجل الوصول إلى الكنز المخفيّ في أعماقنا…”. و ويضيف القديس يوحنا الصليب عن التخليّ قائلاً: “الذبابة التي تهبط على العسل تجعل هروبها مستحيلاً فالروح التي لا تريد التخلي عن نكهة الروح، تمنع حريتها وتأملها”. هذا وقد تكلّم في كتبه عن التخليّ وإفراغ الذات من التكبّر من أجل الوصول إلى التواضع وملء الذات من الله.

يتابع البابا في مكان آخر ويشدد أن “هذا الموقف تجاه الله ينعكس أيضًا في أسلوب تصرُّف الجماعة: ينعكس في فرح أن نكون في خدمة بعضنا البعض، وأن نجد مكافأتنا في هذه الخدمة. وهذا ما يعلّمه يسوع في ختام هذه الرواية: “وَهَكَذا أَنتُم، إِذا فَعَلتُم جَميعَ ما أُمِرتُم بِهِ، فَقولوا: نَحنُ عَبيدٌ لا خَيرَ فيهِم، وَما فَعَلنا إِلّا ما كانَ يَجِبُ عَلَينا أَن نَفعَل”. عبيدٌ لا خير فيهم أي بدون المطالبة بأن يتمَّ شكرهم على ما فعلوه. في هذه العبارة تعبير عن التواضع والاستعداد اللذان يفيدان الكنيسة جدًّا وتذكّرنا بالموقف الصحيح الذي علينا أن نعمل من خلاله في داخلها، أي الخدمة المتواضعة التي قدّم لنا فيها يسوع المثل بغسله لأرجل تلاميذه”.

أما التركيز المتواضع على الخدمة، فهو جوهر القيادة. في هذا الصدد، ألقى البابا فرنسيس عظة في 25 آذار 2013 جاء فيها: “دعونا لا ننسى أبدًا أن السلطة الحقيقية هي في الخدمة (…). عليه (أي البابا) أن يستلهم من الخدمة المتواضعة والمفعمة بالإيمان التي أداها القديس يوسف، ويتعين عليه، مثله، أن يفتح ذراعيه ليحفظ شعب الله كله، ويحتضن بعطف وحنان البشريّة كلها، لاسيما الأشخاص الأشدّ فقرًا، والعطشان، والغريب، والعريان والسقيم والمسجون. وحدهم من يخدمون بحب قادرون على الحماية”. في حال استسلمنا لمنطق الحبّ، نبدأ نفهم ما هو التواضع، إن إن التواضع مرتكز على تقبّل محدوديّة الفرد، ويدخل في منطق الله الذي يحبّ بلا شروط. في حال استطعنا أن ننمي التواضع لدينا، يمكننا أن نغيّر العالم نحو ألأفضل. أليس من صفات القائد أن يسير مع الفريق نحو الأمام؟ أخيرًا، نستلهم من قصّة القديس الإيطالي جوزيف دي كوبيرتينو مثالاً جيّدًا للتواضع، فبعد أن كان مسخرة القرية وأصدقائه ويدعى بالساذج أصبح اليوم قديسًا. أين نحن ككقادة، كمسيحيين من فضيلة التواضع المقترنة بالخدمة؟

[1] SUSAN WARD (2020-9-17), “What Is Leadership?”، www.thebalancesmb.com, Retrieved 2021-3-18. Edited.

[2] معنى القيادة، معجم المعاني، اطّلع عليه بتاريخ 2021-3-18. بتصرّف.

[3] “Leadership Skills”, www.skillsyouneed.com, Retrieved 2021-3-20. Edited.

[4] Mary K. Pratt, “leadership”، www.searchcio.techtarget.com, Retrieved 2021-3-18. Edited.

لقراءة المقالة السابقة، أنقر على الرابط الآتي: https://ar.zenit.org/2022/11/03/%d9%85%d9%86-%d9%87%d9%88-%d8%a7%d9%84%d9%82%d8%a7%d8%a6%d8%af-%d8%a7%d9%84%d9%85%d8%b3%d9%8a%d8%ad%d9%8a-%d9%88%d8%a8%d9%85%d9%8e-%d9%8a%d8%aa%d9%85%d9%8a%d9%91%d8%b2%d8%9f/

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

سليمان فرنجيه

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير