صلاة درب الصّليب ”أصوات سلامٍ في عالمٍ يعيش الحرب“ صلاة الافتِتاح أيّها الرّبّ يسوع، أنت “سلامُنا” (أفسس 2، 14). قبل آلامك قلت: “السَّلامَ أَستَودِعُكُم وسَلامي أُعْطيكم. لا أُعْطي أَنا كما يُعْطي العالَم” (يوحنا 14، 27). يا ربّ، نحن بحاجة إلى سلامك، ذلك السّلام الذي لا نقدر أن نصنعه بقوَّتِنا. نحن بحاجة لأن نسمعك تكرّر لنا هذا الكلام، الذي قلته للرّسل ثلاث مرات: “السَّلامُ علَيكم!” (يوحنا 20، 19. 21. 26)، بعد قيامتك من بين الأموات. يا يسوع، الذي من أجلنا عانقت الصّليب، أُنظر إلى أرضنا المتعطّشة إلى السّلام. دماء إخوتك وأخواتك ما زالت تُسفك، ودموع الأمهات الكثيرات اللواتي فقدن أبناءَهن في الحرب تختلط بدموع والدتك القدّيسة. أنت أيضًا، يا ربّ، بكيت على أورشليم لأنّها لم تَعرف طريق السّلام (راجع لوقا 19، 42). من الأرض المقدّسة نفسها يبتدئ هذا المساء درب الصّليب. سنسير فيه ونحن نصغي إلى آلامك، التي تنعكس في آلام الإخوة والأخوات الذين تألّموا وما زالوا يتألّمون من انعدام السّلام في العالم، وسنتأمّل في شهاداتهم وصدى أصواتهم التي وصلت أيضًا إلى أذن وقلب البابا خلال زياراته الرّسوليّة. إنّها أصداء سلام عادت إلى الظّهور في هذه ”الحرب العالميّة الثّالثة المجزأة“، وهي صرخات تأتي من بلدان ومناطق تُمزِّقها اليوم أعمال العنف والظّلم والفقر. كلّ الأماكن التي تعاني من النّزاعات والكراهية والاضطهاد، نضعها اليوم في صلاة هذه الجمعة العظيمة. أيّها الرّبّ يسوع، عند ميلادك، أعلن الملائكة من السّماء وقالوا: “السَّلامُ في الأَرضِ لِلنَّاس فإِنَّهم أَهْلُ رِضاه!” (لوقا 2، 14). الآن ترتفع صلواتنا إلى السّماء لتستمطر “السّلام على الأرض، رغبة البشر العميقة في كلّ الأزمنة” (السّلام على الأرض، 1). إنّنا نصلِّي ونتضرّع من أجل هذا السّلام الذي أوكَلْتَه إلينا والذي لا يمكننا أن نحافظ عليه. يا يسوع، أنت الذي عانقت العالم كلّه على الصّليب: اغفر أخطاءنا، واشف قلوبنا، وامنحنا سلامك. المرحلة الأولى يسوع يُحكم عليه بالموت (أصوات سلامٍ مِن الأرض المقدّسة) فأَطلَقَ [بيلاطُس] لَهم بَرأَبَّا، أَمَّا يسوع فجَلَدَه، ثُمَّ أَسلَمَه لِيُصلَب (متّى 27، 26). بَرأَبَّا أم يسوع؟ يجب أن يختاروا. ليس أي خيار: يجب أن نحدّد أين نكون، أي موقف نتخذ في أحداث الحياة المعقّدة؟ السّلام الذي يشتاق إليه الجميع لا ينشأ من حاله، إنّه ينتظر قرارنا. اليوم أيضًا، نحن مدعوّون باستمرار إلى أن نختار بين بَرأَبَّا ويسوع: بين العصيان والوداعة، بين الأسلحة والشّهادة، بين سلطان النّاس والقوّة الصّامتة للزرع الطّيّب، بين سلطان العالم وسلطان الرّوح. في الأرض المقدّسة، خيارنا يبدو أنّه يقع دائمًا على بَرأَبَّا. يبدو أنّ العنف هو لغتنا الوحيدة. ومحرّك الانتقام المتبادل يتغذّى باستمرار من الألَم الذي نشعر به، والذي غالبًا يصير معيار الحكم الوحيد. والعدل والمغفرة لا يستطيعان أن يتكلّما معًا. نعيش معًا، بدون أن نعترف الواحد بالآخر، الواحد يرفض وجود الآخر، ويدين الواحد الآخر، في حلقة مفرغة لا نهاية لها والعنف يزداد. وفي هذا الوضع المشحون بالكراهية والحقد، نحن مدعوّون أيضًا إلى أن نعبّر عن حكمنا وأن نأخذ قرارنا. ولا يمكننا أن نقوم بذلك بدون أن ننظر إلى ذلك المحكوم عليه بالموت، في صمت، وقد خسر كلّ شيء، وهو الذي وقع عليه اختيارنا، يسوع. المسيح يدعونا إلى ألّا نستخدم مقياس بيلاطُس والجموع، بل نعترف بآلام الآخر، ونضع العدل والمغفرة في حوار، ونطلب الخلاص للجميع، حتّى اللصّوص، وحتّى بَرأَبَّا. لِنُصَلِّ ولْنَقُلْ: أنِرنا، أيّها الرّبّ يسوع! عندما نؤمن بأنّنا على حق دائمًا: أنِرنا، أيّها الرّبّ يَسُوع! عندما ندين الإخوة بصورة مطلقة: أنِرنا، أيّها الرّبّ يَسُوع! عندما نغلق عيوننا أمام الظّلم: أنِرنا، أيّها الرّبّ يَسُوع! عندما نخنق الخير من حولنا: أنِرنا، أيّها الرّبّ يَسُوع! المرحلة الثّانية يسوع يَحمِل الصَّليب (أصوات سلامٍ مِن مُهاجرٍ مِن أفريقيا الغربيّة) هو الَّذي حَمَلَ خَطايانا في جَسَدِه على الخَشَبَة لِكَي نَموتَ عن خَطايانا فنَحْيا لِلبِرّ. وهو الَّذي بِجِراحِه شُفيتم (1 بطرس 2، 24). بدأ دَربُ الصَلِيب لي قبل ستِّ سنوات، عندما تركت مدينتي. بعد ثلاثةَ عشرَ يومًا من السّفر وصلنا إلى الصّحراء وعبرناها في ثمانية أيّام، وواجهنا خلالها سيّارات مُحترقة، وناقلات المياه الفارغة وجثث أشخاص، حتّى وصلنا إلى ليبيا. والذين كان عليهم أن يدفعوا النّقود للمهرّبين من أجل العبور، حُبِسُوا وعُذِّبُوا إلى أن دفعوا. منهم من فقدَ حياته، ومنهم من فقدَ عقلَهُ. وعدوني بأن يضعوني على متن سفينة مُتَّجهة إلى أوروبّا، لكن الرّحلات أُلغيَت ولم نسترجع نقودنا. كان هناك حرب في المنطقة، ولم نعد ننتبه إلى العنف وإلى الرّصاص الطّائش. وجدت عملًا في الجبصين لكي أدفع ثمن عبورٍ آخر. في النّهاية، صعدتُ مع أكثر من مائة شخص على قاربٍ مطّاطيّ. أبحرنا مدة ساعات قبل أن تنقذنا سفينة إيطاليّة. امتلأت فرحًا، وركعنا لنشكر الله، ثمّ اكتشفنا أنّ السّفينة كانت عائدة إلى ليبيا. هناك، حُبِسنا في مركز اعتقال، وهو أسوأ مكان في العالم. بعد عشرة أشهر، صعدتُ على متن قارب مرّة أخرى. في الليلة الأولى كانت الأمواج عالية، وسقط أربعة اشخاصٍ منّا في البحر، واستطعنا أن ننقِذ اثنين. نِمْتُ راجيَا أن أموت. ولمّا استيقظت، رأيت أشخاصًا حولي يبتسمون. طلب بعض الصّيّادين التّونسيّين المساعدة، ورَسَت السّفينة وقدّمت لنا المنظّمات غير الحكوميّة الطّعام واللباس والمأوى. عملت لكي أدفع ثمن عبور آخر. كانت هذه المرّة السّادسة. بعد ثلاثة أيّام في البحر، وصلتُ إلى مالطا. بقيتُ في مركز لمدّة ستة أشهر، وهناك فقدتُ عقلي. كنت أسأل الله كلّ ليلة ”لماذا“: لماذا أناس مثلنا يجب أن يعتبرونا أعداءً؟ أشخاصٌ كثيرون الذين يهربون من الحرب، يحملون صليبًا مثل صلبي. لِنُصَلِّ ولْنَقُلْ: حَرِّرنا، أيّها الرّبّ يَسُوع! مِن إدانات القريب السَّهلة: حَرِّرنا، أيّها الرّبّ يَسُوع! مِن الأحكام المتسرّعة: حَرِّرنا، أيّها الرّبّ يَسُوع! مِن الانتقادات والكلام الفارغ: حَرِّرنا، أيّها الرّبّ يَسُوع! مِن الثَّرثرة المدَمِّرة: حَرِّرنا، أيّها الرّبّ يَسُوع! المرحلة الثّالثة يسوع يسقُط تحتَ الصَّليب للمرَّة الأولى (أصوات سلامٍ مِن شبابٍ مِن أمريكا الوسطَى) لقَد حَمَلَ هو آلامَنا واحتَمَلَ أَوجاعَنا، فحَسِبْناه مُصابًا مَضْروبًا مِنَ اللهِ ومُذَلَّلًا. طُعِنَ بِسَبَبِ مَعاصينا وسُحِقَ بِسَبَبِ آثامِنا (أَشعيا 53، 4-5). نحن الشّباب نريد السّلام. لكنّنا نقع غالبًا، ولِوقعاتنا أسماء كثيرة: يُسقطنا على الأرض الكسل، والخوف، والإحباط، وأيضًا الوعود الفارغة بحياة سهلة ولكنّها قذرة، قائمة على الجشع والفساد. وهذا ما يزيد من دوّامات الإتجار بالمخدِّرات، والعنف، والإدمان، واستغلال الأشخاص، بينما تستمرّ عائلات كثيرة في بكائها لأنّها فقدت أبناءها، وإفلات الذين يغشون ويخطفون ويقتلون من العقاب إلى ما لا نهاية. كيف نحصل على السّلام؟ يا يسوع، أنت وقعت تحت الصّليب، لكنّك عُدت وقُمت، وحملت الصّليب مرّة أخرى وبه أعطيتنا السّلام. قَوِّنا لكي نأخذ حياتنا بيدنا، قَوِّنا لكي نتشجّع ونلتزم، ما يُقال له في لغتنا compromiso. وهذا يعني أن نقول لا للتّنازلات الكثيرة، وللتّسويات الزّائفة التي تقتل السّلام. لقد شبِعنا من المساومات: لا نريد العنف، لكنّنا نهاجم على شبكات التّواصل الاجتماعيّة الذين لا يفكّرون مثلنا. نريد مجتمعًا موحّدًا، لكنّنا لا نبذل جهدًا لكي نفهم الذين هم بجانبنا. والأسوأ من ذلك، نحن نهمل الذين يحتاجون إلينا. يا ربّ، ضَع في قلوبنا الإرادة لنُقيم الذي يقع على الأرض، كما تفعل أنت معنا. لِنُصَلِّ ولْنَقُلْ: أقِمنا، أيّها الرّبّ يَسُوع! مِن كَسَلِنا، أقِمنا، أيّها الرّبّ يَسُوع! مِن وقعاتِنا، أقِمنا، أيّها الرّبّ يَسُوع! مِن أحزانِنا، أقِمنا، أيّها الرّبّ يَسُوع! مِن تفكيرِنا أنّ مساعدة الآخرين لا يخصُّنا: أقِمنا، أيّها الرّبّ يَسُوع! المرحلة الرابعة يسوع يَلتقي أُمَّهُ الحَزينَة (أصوات سلامٍ مِن أُمٍّ مِن جنوب أمريكا) وبارَكَهما سِمعان، ثُمَّ قالَ لِمَريَمَ أُمِّه: «ها إِنَّه جُعِلَ لِسقوطِ كَثيرٍ مِنَ النَّاس وقِيامِ كَثيرٍ مِنهُم في إِسرائيل، وآيَةً مُعَرَّضَةً لِلرَّفض. وأَنتِ سيَنفُذُ سَيفٌ في نَفْسِكِ، لِتَنكَشِفَ الأَفكارُ عَن قُلوبٍ كثيرة (لوقا 2، 34-35). في سنة 2012، أدّى انفجار قنبلة كان قد زرعها المتمرّدون إلى تحطيم ساقي. وتسبّبت الشّظايا في إصابة جسدي بعشرات الجروح. ما أتذكّره من تلك اللحظة، هو صُراخ النّاس والدّماء في كلّ مكان. لكن، ما أرعبني أكثر هو رؤية طفلتي البالغة من العمر سبعة أشهر، مغطّاة بالدّماء، مع قطع كثيرة من الزّجاج عالقة في وجهها الصّغير. كيف كان الحال مع مريم العذراء لمّا رأت وجه يسوع مُنتفخًا ومُلطّخًا بالدّماء! أنا، ضحيّة ذلك العنف الذي لا معنى له، أحسست في البداية بالغضب والاستياء، لكنّني اكتشفت بعد ذلك أنّه إن نشرت الكراهية، سأَخلق المزيد من العنف. فهمت أنّ في داخلي ومن حولي كان هناك جروح أعمق من جروح الجسد. أدركت أنّ ضحايا كثيرين كانوا بحاجة لأن يكتشفوا، مِثلِي ومن خلالِي، أنّ الأمر لم ينتهِ ولا حتّى بالنّسبة لهم، وأنّه لا يمكن العَيش مع الضّغينة. لذلك، بدأت في مساعدتهم: درست لكي أعلّم كيف نتجنّب الحوادث التي تسبّبها ملايين الألغام المنتشرة في أرضنا. أشكر يسوع ووالدته لأنّني اكتشفت أنّ مسح دموع الآخرين ليس مضيعة للوقت، بل هو أفضل دواء لشفاء نفسي. لِنُصَلِّ ولْنَقُلْ: أعطنا أن نَتعرّفَ عَليكَ، أيّها الرّبّ يَسُوع! في وجه المتألّم المشوَّه: أعطنا أن نَتعرّفَ عَليكَ، أيّها الرّبّ يَسُوع! في الصِّغار وفي الفُقراء: أعطنا أن نَتعرّفَ عَليكَ، أيّها الرّبّ يَسُوع! في مَن يسأل بعض الحنان: أعطنا أن نَتعرّفَ عَليكَ، أيّها الرّبّ يَسُوع! في المُضطَهَدين مِن أجل العَدل: أعطنا أن نَتعرّفَ عَليكَ، أيّها الرّبّ يَسُوع! المرحلة الخامسة سمعان القَيروانيّ يُعين يسوع على حَملِ الصَّليب (أصوات سلامٍ مِن ثلاثة مهجّرين قادمين مِن أفريقيا وجنوب آسيا والشّرق الأوسط) وبَينما هم ذاهبونَ بِه، أَمسكوا سِمعان، وهو رَجُلٌ قِيرينيٌّ كانَ آتِيًا مِنَ الرِّيف، فجَعَلوا علَيهِ الصَّليبَ لِيَحمِلَه خَلْفَ يَسوع (لوقا 23، 26). [1] أنا إنسانٌ مجروحٌ بسبب الكراهية. الكراهية، بمجرد أن تختبرها، لا يمكنك أن تنساها، إنّها تغيّرك. تتّخذ الكراهية أشكالًا مروّعة. تَحمِل الإنسان إلى أن يستخدم السّلاح النّاري ليس فقط ليُطلق النّار على شخص آخر، بل ليكسر له عظامه أيضًا بينما الآخرون يتفرَّجون. في داخلي فراغُ حبّ يجعلني أشعر بثقلٍ لا فائدة منه. هل من قيروانيٍّ لِي؟ [2] حياتي عبارة عن رحلة، هربت من القنابل والسّكاكين والجوع والألَم. أُلقِيَ بِي في شاحنة، أخبأوني في صندوق، وأُلقِيَ بِي في قوارب خطِرَة. مع ذلك، استمرّت رحلتي لكي أصِل إلى مكان آمن، يوفّر لِي الحرّيّة والفُرَص، حيث يمكنني أن أعطي الحبّ وأتلقّاه، وأعيش إيماني، وحيث يكون الرّجاء حقيقيًّا. هل من قيروانيّ لي؟ [3] يُطرح عليَّ كثيرًا هذا السّؤال: مَن أنت؟ ولماذا أنت هنا؟ ما هي حالتك؟ هل تتوقّع أن تبقى هنا؟ إلى أين ستذهب؟ لا يريدون بهذه الأسئلة أن يجرحوا مشاعري، لكنّهم يجرحونني. يختصرون كلّ رجائي في إشارة في مربّعات النّموذج. يجب أن أختار: غريب، ضحيّة، طالب لجوء، لاجئ، مهاجر، غير ذلك. لكن، ما أودّ أن أكتبه هو: إنسان، أخ، صديق، مؤمن، قريب… هل من قيروانيّ لي؟ لِنُصَلِّ ولْنَقُلْ: اغفِر لنا، أيّها الرّبّ يَسُوع! احتقرناك في البائسين: اغفِر لنا، أيّها الرّبّ يَسُوع! تجاهلناك في المحتاجين إلى المساعدة: اغفِر لنا، أيّها الرّبّ يَسُوع! تخلّينا عنك في الذين لا حامِيَ لهم: اغفِر لنا، أيّها الرّبّ يَسُوع! لم نخدمك في الأشخاص المتألّمين: اغفِر لنا، أيّها الرّبّ يَسُوع! المرحلة السّادسة فيرونيكا تمسح وجه يسوع بالمنديل (أصوات سلامٍ مِن كاهنٍ راهب مِن شبه جزيرة البلقان) تَعالَوا، يا مَن بارَكَهم أَبي، فرِثوا المَلكوتَ المُعَدَّ لَكُم مُنذُ إِنشاءِ العالَم: لأَنِّي جُعتُ فأَطعَمتُموني، وعَطِشتُ فسَقَيتُموني، وكُنتُ غَريبًا فآويتُموني، وعُريانًا فَكسَوتُموني، ومَريضًا فعُدتُموني، وسَجينًا فجِئتُم إِلَيَّ (متّى 25، 34-36). كنت كاهن رعيّة في الأربعين من عمري عندما وصلت الحرب: دخل عملاء مسلّحون إلى بيت الرّعيّة وأخذوني إلى معسكر قضيت فيه أربعة أشهر. كانت أربعة أشهرٍ فظيعة: تفتقر إلى الحدّ الأدنى من الظّروف الصّحيّة، وكنّا نعاني من الجّوع والعطش، دون أن نكون قادرين على أن نغسل أنفسنا ونحلق ذقوننا وشعرنا. كنّا نتعرّض للأذى الجسدي والضّرب والتّعذيب بأدوات مختلفة. كانوا يأخذوني إلى الخارج، حتّى خمس مرّات في اليوم، وخاصّة في الليل، وكانوا ينادونني كاهن الرّعية ويضربونني. بالإضافة إلى ذلك، كسروا لِي ثلاثة أضلُع وهدّدوني بأن يخلعوا لِي أظافري، وأن يضعوا لِي الملح على جراحي، وأن يَسلخوا جلدي وأنا على قيد الحياة. في إحدى المرّات، كان من الصّعب جدًّا عليّ أن أتحمّل العذاب، لدرجة أنّني توسّلت إلى الحارس أن يقتلني، وكنت مقتنعًا أنّهم كانوا سيفعلون ذلك في كلّ الأحوال. أجابني الحارس: ”لن تموت بهذه السّهولة، لأنّنا سنحصل على مائة وخمسين من رجالنا مقابل حياتك“. أحيَت فيَّ تلك الكلمات الرّجاء في البقاء على قيد الحياة. لكنّني، ما كنت لأستطيع أن أتحمّل كلّ ذلك الشّرّ وحدي، من دون الله: فالصّلاة، التي كنت أكرّرها في قلبي، صنعت العجائب. ووصلت العناية الإلهيّة، على شكل مساعدات وطعام، بواسطة امرأة مُسلمة، اسمها فاطمة، استطاعت أن تَصِلَ إلَيَّ وقد شقّت طريقها في وسط الكراهية. كانت بالنّسبة لِي مثل فيرونيكا بالنّسبة إلى يسوع. الآن، وحتّى نهاية أيّامي، سأشهد على أهوال الحرب وسأصرخ: لا للحرب بعد اليوم! لِنُصَلِّ ولْنَقُلْ: أعطِنا أن ننظر بمثل نظرتك، أيّها الرّبّ يَسُوع! لكي نُحِبَّ من هو غير محبوب: أعطِنا أن ننظر بمثل نظرتك، أيّها الرّبّ يَسُوع! لكي نَعضُدَ من ضلَّ الطّريق: أعطِنا أن ننظر بمثل نظرتك، أيّها الرّبّ يَسُوع! لكي نعتني بمن يعاني من العنف: أعطِنا أن ننظر بمثل نظرتك، أيّها الرّبّ يَسُوع! لكي نستقبل من تابَ عن الشّرّ: أعطِنا أن ننظر بمثل نظرتك، أيّها الرّبّ يَسُوع! المرحلة السّابعة يسوع يسقُط تحتَ الصَّليب للمرَّة الثّانية (أصوات سلامٍ مِن شابَين صغيرَين مِن شمال أفريقيا) يا رَبّ، متى رَأَيناكَ جائعًا فأَطعَمْناك أَو عَطشانَ فسَقيناك؟ ومتى رأَيناكَ غَريبًا فآويناك أَو عُريانًا فكَسَوناك؟ ومتى رَأَيناكَ مَريضًا أَو سَجينًا فجِئنا إِلَيكَ؟ فيُجيبُهُمُ المَلِك: الحقَّ أَقولُ لَكم: كُلَّما صَنعتُم شَيئًا مِن ذٰلك لِواحِدٍ مِن إِخوَتي هٰؤُلاءِ الصِّغار، فلي قد صَنَعتُموه (متّى 25، 37-40). [1] اسمي جوزيف، عمري ست عشرة سنة. وصلت إلى مخيم النّازحين مع والديّ في عام 2015 وأعيش هناك منذ أكثر من ثماني سنوات. لو كان هناك سلام، لكنت بقيت في بيتي، حيث ولدت، واستمتعت بطفولتي. هنا الحياة ليست جيّدة. أنا خائف من المستقبل، من مستقبلي ومستقبل الشّباب الآخرين. لماذا نتألّم في مخيم النّازحين؟ بسبب الصّراعات المستمرّة في بلدي الذي ابتُلِيَ بالحرب منذ وُجِد. بدون سلام لن نتمكن من النّهوض. في كلّ مرّة يعِدوننا بالسّلام، لكنّنا نعود تحت وطأة الحرب، هذا هو صليبنا. أشكر الله، الذي ينهضنا مثل الأب، وأشكر أناسًا كثيرين كرماء قد لا أعرفهم أبدًا والذين يساعدوننا فيسمحون لنا بالبقاء على قيد الحياة. [2] أنا جونسون ومنذ عام 2014 أعيش في مخيم آخر للنّازحين، قسم/ب، رقم/2. عمري أربع عشرة سنة وأنا في الصّف الثّالث. الحياة ليست جيّدة هنا. أطفال كثيرون لا يذهبون إلى المدرسة لأنّه لا يوجد مدرسون ولا مدارس للجميع، والمكان صغير جدًّا ومزدحم، ولا توجد حتّى مساحة للعب كرة القدم. نريد أن يعود السّلام إلى وطننا. السّلام جيّد والحرب شرّ. أودّ أن أقول ذلك لقادة العالم. وأطلب من جميع أصدقائي أن يصلّوا من أجل السّلام. لِنُصَلِّ ولْنَقُلْ: اجعلنا أقوياء، أيّها الرّبّ يَسُوع! في ساعة التّجربة: اجعلنا أقوياء، أيّها الرّبّ يَسُوع! في التّعب في بناء جسور الأخوّة: اجعلنا أقوياء، أيّها الرّبّ يَسُوع! في حمل صليبنا: اجعلنا أقوياء، أيّها الرّبّ يَسُوع! في الشّهادة للإنجيل: اجعلنا أقوياء، أيّها الرّبّ يَسُوع! المرحلة الثّامنة يسوع يلتقي نساء أورشليم (أصوات سلامٍ مِن جنوب شرق آسيا)
وتَبِعَه جَمعٌ كثيرٌ مِنَ الشَّعب، ومِن نِساءٍ كُنَّ يَضرِبنَ الصُّدورَ ويَنُحنَ علَيه (لوقا 23، 27). يسوع، احمل صليبك. وأعتقد أنّ بلدي أيضًا يحمل صليبه. نحن شعب يُحبّ السّلام، لكنّنا نرزح من صليب الصّراع: من العنف والتّنقّلات الدّاخليّة والهجمات على أماكن العِبادة… إنّه حِملٌ ثقيل، يا يسوع، نجرُّهُ على درب الصّليب الذي يبدو أنّ لا نهاية له. دموع أمّهاتنا تَبكِي جُوع أطفالهنَّ. وأنا أيضًا، مثلهنّ، لا أملك كلماتٍ كثيرة لأصلّي بها، ولكن عندي دموع كثيرة أقدّمها. يا ربّ، الموكب الذي قادك إلى الجلجثة كان مخيفًا، لكن بين الجموع التي غلب عليها الشّرّ، سارت أيضًا نسوة كُنَّ يبكين. هنَّ اللواتي أَعْطَيْنَك القوّة، الأمّهات اللواتي لم يَرَينَ فيك رجلًا محكومًا عليه بالموت، بل رأَين فيك ابنًا. هنا أيضًا خرجت امرأة من بين الجموع، صارت أُمًّا بالرّوح للكثيرين، ومن أجل أن تدافع عن شعبها، ركعت أمام قوّة الأسلحة المنتشرة، ودعت بوداعة إلى السّلام والمصالحة، وهي مستعدّة لأن تضحّي بحياتها. يا يسوع، الآن كما في الأمس، في صَخَبِ الكَراهية الرَّهيب وُلِدَت رقصةُ السّلام. ونحن المسيحيّين نريد أن نكون أدوات سلام. اهدِنا إليك، يا يسوع، وامنحنا القوّة، لأنّك أنت وحدك قوّتنا. لِنُصَلِّ ولْنَقُلْ: اهدِنا، أيّها الرّبّ يَسُوع! من المتاجرة بالأسلحة من دون تأنيب الضّمير: اهدِنا، أيّها الرّبّ يَسُوع! من تخصيص الأموال للتّسلُّح بدل تخصيصها للمواد الغذائيّة: اهدِنا، أيّها الرّبّ يَسُوع! من عبوديّة المال التي تسبّب الحروب والظّلم: اهدِنا، أيّها الرّبّ يَسُوع! لكي تتبدّل الرّماح إلى مناجل: اهدِنا، أيّها الرّبّ يَسُوع! المرحلة التّاسعة يسوع يسقط تحت الصّليب للمرّة الثّالثة (أصوات سلامٍ مِن مُكَرَّسة مِن أفريقيا الوسطَى) الحَقَّ الحَقَّ أَقولُ لَكم: إِنَّ حَبَّةَ الحِنطَةِ الَّتي تَقَعُ في الأَرض، إِن لَم تَمُتْ تَبقَ وَحدَها. وإِذا ماتَت، أَخرَجَت ثَمَرًا كثيرًا. مَن أَحَبَّ حياتَه فقَدَها، ومَن رَغِبَ عنها في هذا العالَم حَفِظَها لِلحَياةِ الأَبَدِيَّة (يوحنّا 12، 24-25).
في يوم 5 كانون الأوّل/ديسمبر 2013، عند السّاعة الخامسة صباحًا، استيقظت على أصوات الأسلحة. كان المتمرّدون يجتاحون العاصمة. رَكَضَ الكثيرون وحاولوا أن يختبئوا، وكان يكفي أن تصيبك رصاصةً طائشة لتموت. كانت بداية ألَم لا يوصف: قتل، وفُقدان أفراد العائلة، والأصدقاء والزّملاء. اختفت أُختي ولَم تَعُدْ قط، ما سبَّبَ لوالدي صدمة كبيرة، وقد تركنا بعد سنوات قليلة بعد مرض قصير. كنتُ أبكي باستمرار. في هذا الوادي، وادي الدّموع والتّساؤلات ”لماذا؟“… فكّرت في يسوع. هو أيضًا وَقَعَ تحت وطأة العُنف، لدرجة أنّه قال على الصّليب: “إِلهي، إِلهي، لِماذا تَرَكْتَني؟”. ضَمَمْتُ أسئلتي ”لماذا؟“ إلى أسئلته، فجاءني هذا الجواب في داخلي: أحبِبْ كما يُحِبُّك يسوع. كان ذلك نورًا في وسط الظّلام. فَهمتُ أنّه كان عليّ أن أستَقي القوّة من المحبّة. منذ ذلك الحين، في كلّ مرّة كانت تهدأ الأحوال، كنت أذهب إلى القدّاس. ولكي أصِل إلى الرّعيّة، كان عليّ أن أسير كثيرًا وأن أعبر ما لا يقلّ عن ثلاثة حواجز للمتمرّدين. مع ذلك، بعد مشاركتي في قداديس كثيرة، نَمَى في داخلي يقينٌ هو: على الرّغم من أنّني فقدتُ كلّ شيء عمليًّا، حتّى بيتي الذي نشأت فيه، إلّا أنّ كلّ شيء يمرُّ، مَا عَدَا الله. هذا الأمر أراحَني، وبدأنا مع بعض الأصدقاء نجمع الأطفال، الذين كانوا يلعبون ويمثّلون دور الجنود، لنحاول أن ننقل إليهم، هُم المستقبل، القِيَم الإنجيليّة للمساعدة المُتبادلة، والمَغفرة، والصِّدِق، حتّى يَصير حُلُمَ السّلام حقيقة. لِنُصَلِّ ولْنَقُلْ: اشفِنَا، أيّها الرّبّ يَسُوع! من خوفنا ألّا يحبّنا أحدٌ: اشفِنَا، أيّها الرّبّ يَسُوع! من خوفنا ألّا يفهمنا أحدٌ: اشفِنَا، أيّها الرّبّ يَسُوع! من خوفنا أن نكون مَنسيّين: اشفِنَا، أيّها الرّبّ يَسُوع! من خوفنا أنّنا لا نستطيع أن نقدر على شيء: اشفِنَا، أيّها الرّبّ يَسُوع! المرحلة العاشرة يسوع يُعَرَّى مِن ثيابه (أصوات سلامٍ مِن شبابٍ مِن أوكرانيا ومِن روسيا)
صَلَبوه [الجنودُ] وَاقتَسَموا ثِيابَه، مُقتَرِعينَ علَيها لِيَعرِفوا ما يأخُذُ كُلٌّ مِنهم. فتَمَّتِ الآية: اقتَسَموا ثِيابي، وعلى لِباسي اقتَرعوا (مرقس 15، 24؛ يوحنّا 19، 24). [1] في السّنة الماضية، أخذني أبي وأمِّي مع أخي الأصغر إلى إيطاليا، حيث كانت جدّتنا تعمل هناك منذ أكثر من عشرين سنة. انطلقنا من ماريوبول في الليل. على الحدود، أوقف الجنود والدي وقالوا له إنّه عليه أن يبقى في أوكرانيا للقتال. نحن واصلنا رحلتنا في الحافلة مدة يومين آخرين. لمّا وصلنا إلى إيطاليا كُنتُ حزينًا. أحسَستُ بأنّني مُجرّدٌ من كلّ شيء: عاريًا تمامًا. لم أكن أعرف اللغة ولم يكن لي أيُّ صديق. حاولت جدّتي جاهدةً أن تجعلني أشعر بأنّني محظوظ، لكن أنا كنت أقول فقط إنّني أريد أن أعود إلى البيت. في النّهاية، قرّرت عائلتي أن تعود إلى أوكرانيا. هنا، لا يزال الوضع صعبًا، الحرب من كلّ الجهات، والمدينة مُدمَّرَة. لكن بَقِيَ في قلبي هذا اليقين الذي كانت تُكلّمني عنه جدَّتي عندما كنت أبكي: ”سترى، كلّ شيء سيمرّ. وبمساعدة الله، سيعود السّلام“. [2] أنا، عكس ذلك، شابٌّ من روسيا… وعندما أقول ذلك، أشعر وكأنّني مذنب، ولكن في الوقتِ نفسهِ لا أفهم لماذا، فأشعر بالضّيق مرّتين. تجرَّدْتُ من السّعادة ومن أحلام المستقبل. منذ سنتَين وأنا أرى جدَّتي وأُمِّي تَبكيان. جاءتنا رسالة تقول لنا إنّ أخي الأكبر مات، وما زلت أتذكّره في يوم عيد ميلاده الثّامن عشر، مُبتسمًا ومُشرقًا مثل الشَّمس، وكلّ ذلك حصل قبل أسابيع قليلة فقط من انطلاقه في رحلة طويلة. الكلّ كانوا يقولون لنا إنّنا يجب أن نكون فخورين، لكن في البيت لم يكن هناك سوى ألَم وحزن كثير. الأمر نفسه حصلَ أيضًا مع أبي وجَدِّي، هُمَا أيضًا ذَهَبَا ولا نعرف عنهما شيئًا. أحد زُملائي في المدرسة، هَمَسَ في أُذُنِي بخوفٍ شديد وقال لِي إنّ هناك حربًا. ولمّا رجعت إلى البيت، كتبتُ صلاة وهي: يا يسوع، من فضلك، ضَعْ السّلام في العالم كلّه، وعلى أن نكون كلّنا إخوة. لِنُصَلِّ ولْنَقُلْ: طَهِّرنا، أيّها الرّبّ يَسُوع! مِن الضّغينة ومِن الحِقد: طَهِّرنا، أيّها الرّبّ يَسُوع! مِن الكلمات ومِن ردّاتِ الفعل العنيفة: طَهِّرنا، أيّها الرّبّ يَسُوع! مِن التَّصرُّفات التي تَخلِقُ انقسامات: طَهِّرنا، أيّها الرّبّ يَسُوع! مِن سَعيِنا لكي نَظهَر ونُهِين الآخرين: طَهِّرنا، أيّها الرّبّ يَسُوع! المرحلة الحادية عشرة يسوع يُسَمَّر على الصَّليب (أصوات سلامٍ مِن شابٍّ مِن الشَّرق الأدنى)
وصَلَبوا معه لِصَّين، أَحَدُهُما عن يَمينِهِ والآخَرُ عن شِمَالِه. وكانَ المارَّةُ يَشتُمونَه وهُم يَهُزُّونَ رُؤوسَهُم ويَقولون: «يا أَيُّها الَّذي يَنقُضُ الهَيكَل ويَبْنيهِ في ثَلاثَةِ أَيَّام، خَلِّصْ نَفْسَكَ فَانزِلْ عَنِ الصَّليب» (مرقس 15، 27-30).
في سنة 2012، اقتحمت مجموعات من المتطرّفين المُسلَّحين الحَي الذي نعيش فيه، وقَتلَت برشقات الرّشّاش مَن كانوا على الشُّرفات وفي المباني السّكنيّة. كان عمري تسع سنوات. أتذكّر معاناة أُمّي وأبي. في المساء كنّا نتعانَق ونصلّي، ونحن ندرك الحقيقة القاسية والجديدة أمامنا. كانت الحرب تزدادُ فظاعةً كلّ يَوم. لا ضوء ولا ماء مدة فترات طويلة، وأخذ الجميع يحَفرون الآبار في كلّ مكان. كان الطّعام مُشكلة يوميّة. في سنة 2014، بينما كنَّا على الشُّرفة، انفجرت قنبلة أمام البيت، فَرَمَت بِنَا إلى داخل البيت وغطَّتنا بالزُّجاج والشَّظايا. بعد أشهرٍ قليلة، أصابت قنبلة أخرى غُرفة والدَيّ، اللذين نجَيَا بأعجوبة وقرَّرا على مَضَض أن يترُكَا البلد. بدأت جُلجُلة أخرى، لأنّه بعد محاولتَين للحصول على تأشيرة سفر، لم يبقَ أمامنا سوى أن نُبحِر. خاطرنا بحياتنا، وبقينا على صخرة ننتظر الفجر وسفينة خفر السّواحل. بعد أن تمَّ إنقاذنا، رحَّب بنا السُّكّان المحلّيّون بأذرع مفتوحة، وتفهّموا الصّعوبات التي واجهناها. كانت الحرب صليب حياتنا. الحرب تقتل الرّجاء. في بلدنا، بعد الكوارث الطّبيعيّة الرّهيبة، الكثير من العائلات والأطفال والكبار ازداد يأسهم. باسم يسوع، الذي فتح ذراعيه على الصّليب، مُدُّوا يدكم إلى شعبي! لِنُصَلِّ ولْنَقُلْ: اشْفِنا، أيّها الرّبّ يَسُوع! مِن عدم قدرتنا على الحِوار: اشْفِنا، أيّها الرّبّ يَسُوع! مِن عَدمِ الثِّقَة ومِن الشَّكّ: اشْفِنا، أيّها الرّبّ يَسُوع! مِن قِلَّةِ الصَّبر ومِن التّسَرُّع: اشْفِنا، أيّها الرّبّ يَسُوع! مِن الانغلاق على النَّفس ومِن العُزلة: اشْفِنا، أيّها الرّبّ يَسُوع! المرحلة الثّانية عشرة يسوع يموت على الصّليب ويَغفر لِصَالِبِيه (أصوات سلامٍ مِن أُمٍّ مِن آسيا الغربيَّة)
فقالَ يسوع: «يا أَبَتِ اغفِرْ لَهم، لأَنَّهُم لا يَعلَمونَ ما يَفعَلون». وكانَتِ السَّاعَةُ نَحوَ الظُّهر، فخَيَّمَ الظَّلامُ على الأَرضِ كُلِّها حتَّى الثَّالِثَة، لأَنَّ الشَّمسَ قدِ احتَجَبَت. وانشَقَّ حِجابُ المَقدِسِ مِنَ الوَسَط. فصاحَ يسوعُ بِأَعلى صَوتِه قال: «يا أَبَتِ، في يَدَيكَ أَجعَلُ رُوحي!» قالَ هذا ولَفَظَ الرُّوح (لوقا 23، 34. 44-46). في يوم 6 آب/أغسطس 2014، استيقظت المدينة على أصوات القنابل. كان الإرهابيون على أبواب المدينة. قبل ثلاثة أسابيع غَزَوا المُدن والقُرى المُجاورة، وعاملوها بقسوة شديدة. لهذا هربنا، لكن بعد أيّام قليلة رجعنا إلى البيت. في صباح أحد الأيّام، بينما كنّا مُنشغلين وكان الأطفال يلعبون أمام البيت، سمعتُ صدى قذيفة هاون في الهواء. خرجتُ مُسرعة. لم أعد أسمع أصوات الأطفال، لكن ازدادت شدّة صرخات الكبار. أُصيب ابني وابن عمّه وجارتنا الشّابّة التي كانت تستعدّ للزّواج: ماتوا. مَقْتَلُ هؤلاء الملائكة الثّلاثة دفعنا إلى الهَرَب: لولاهم، كنّا سنَقَع حتمًا في أيدي الإرهابيّين، إن بقينا في المدينة. ليس سهلًا أن نقبل هذا الواقع. مع ذلك، ساعدني الإيمان على الرّجاء، لأنّه ذكّرني أنّ الموتى هم بين يدَي يسوع. ونحن النّاجين، لنحاول أن نغفر للمُعتدي، لأنّ يسوع غَفَرَ لجلّاديه. بموتنا نؤمن بك، يا ربَّ الحياة. نريد أن نتبعك ونشهد أنّ محبّتك أقوى من كلّ شيء. لِنُصَلِّ ولْنَقُلْ: علِّمنا، أيّها الرّبّ يَسُوع! أن نُحِبَّ، كما أنتَ أحبَبْتَنَا: علِّمنا، أيّها الرّبّ يَسُوع! أن نَغفِرَ، كما أنتَ غَفَرتَ لنا: علِّمنا، أيّها الرّبّ يَسُوع! أن نَخطو الخطوة الأولى لكي نتصالَح: علِّمنا، أيّها الرّبّ يَسُوع! أن نَصنَعَ الخير دون أي مقابل: علِّمنا، أيّها الرّبّ يَسُوع! المرحلة الثّالثة عشرة يسوع يُنزَل عَن الصَّليب (أصوات سلامٍ مِن راهِبَةٍ مِن أفريقيا الشَّرقيَّة)
فمَن يَفصِلُنا عن مَحبَّةِ المسيح؟ أَشِدَّةٌ أَم ضِيقٌ أَمِ اضْطِهادٌ أَم جُوعٌ أَم عُرْيٌ أَم خَطَرٌ أَم سَيْف؟… ولكِنَّنا في ذلِكَ كُلِّه فُزْنا فَوزًا مُبينًا، بِالَّذي أَحَبَّنا (رومَة 8، 35. 37). كان يوم 7 أيلول/سبتمبر 2022، وهو اليوم الذي فيه نتذكّر في بلدنا الاتفاقيّة التي تمّ بموجبها أخيرًا الاعتراف لشعبنا بالحقّ في الاستقلال الكامل، عندما حدث فجأة أمرٌ حطّم الفرح: قُتِلَت أُخت لنا راهبة، كانت دائمًا مُرسلة في بلدنا. دخل الإرهابيّون البيت وقتلوها بلا رحمة. تحوّل يوم النّصر إلى يوم هزيمة: غَمرَ الخوف وعدم اليقين قلوبنا. خبرة مئات العائلات التي رأت موت أحبّائها المأساويّ صارت حقيقة: رَقَدَ جسدُ أختنا هامدًا بين أذرعنا. ليس سهلًا أن نشاهد الموت العنيف لأحد أفراد العائلة، أو لصديق، أو لجار لنا، كما ليس سهلًا أن نرى بيتنا وممتلكاتنا الخاصّة تتحوّل إلى رماد، ويصير المستقبل مُظلمًا. لكن، هذه هي حياة شعبي، وهذه هي حياتي. مع ذلك، كما شهِدوا لنا، وكما تعلّمنا في مدرسة سيّدتنا مريم، عذراء النّاصرة، التي تقبّلت بين ذراعيها يسوع بلا حياة، وتأمَّلت فِيهِ بمحبّة يُنيرها الإيمان، يجب ألّا نتوقّف أبدًا عن أن نَجِد الشَّجاعة لنحلم بمستقبل فيه رجاء وسلام ومصالحة. لأنّ محبّة المسيح القائم من بين الأموات أفيضت في قلوبنا، ولأنّه هو سلامنا، وهو نصرنا الحقيقيّ. ولَن يفصلنا شيءٌ أبدًا عن محبّته. لِنُصَلِّ ولْنَقُلْ: ارحَمنا، أيّها الرّبّ يَسُوع! أنت الرّاعي الصّالح الذي تبذل نفسك من أجل خرافك: ارحَمنا، أيّها الرّبّ يَسُوع! أنت الذي بموتك قهرتَ الموت: ارحَمنا، أيّها الرّبّ يَسُوع! أنت الذي تدفَّقَتْ الحياة من قلبك المطعون: ارحَمنا، أيّها الرّبّ يَسُوع! أنت الذي أنَرت التّاريخ بنور قبرك: ارحَمنا، أيّها الرّبّ يَسُوع! المرحلة الرابعة عشرة يسوع يُدفَن في القبر (أصوات سلامٍ مِن شبابٍ مِن جنوب أفريقيا) وبَعدَ ذلِك جاءَ يوسُفُ الرَّاميّ… فسأَلَ بيلاطُسَ أَن يأخُذَ جُثمانَ يَسوع، فأَذِنَ له بيلاطُس. فجاءَ فأَخَذَ جُثْمانَه. وجاءَ نيقوديمُس أَيضًا… وكانَ مَعه خَليطٌ مِنَ المُرِّ والعودِ مِقدارُه نَحوُ مائةِ دِرهَم. فحَمَلوا جُثْمانَ يسوع ولَفُّوهُ بِلَفائِفَ مع الطِّيب (يوحنّا 19، 38-40). كان مساء يوم الجمعة، عندما اقتحم المتمرّدون بلدتنا، وأخذوا كلَّ مَن استطاعوا رهائن لهم، وأَجْلُوا كلَّ من وجدوا أمامهم، وحمّلونا كلّ ما نهبوه. في الطّريق، قُتِلَ الرّجال الكثيرين بالرّصاص أو بالسّكاكين. وأخذوا النّساء إلى حديقة. كنّا نتعرّض كلّ يوم إلى تعذيب في الجسد والرّوح. جرّدونا من ملابسنا ومن كرامتنا، وعِشنا عُراة حتّى لا نهرب. بنعمة من الله، في أحد الأيّام، عندما أرسلونا نحمل الماء من النّهر، استطعت أن أهرب. لا تزال مقاطعتنا اليوم مكانًا للدّموع والألَم. عندما جاء البابا إلى قارّتنا، وضعنا عند قدمَيْ صليب يسوع ملابس الرّجال المسلّحين، الذين لا يزالوا يخيفوننا. باسم يسوع، نحن نغفر لهم كلّ ما صنعوه بنا. نطلب من الرّبّ يسوع نعمة العيش السّلمي والإنسانيّ معًا. نعلَم ونؤمن أنّ القبر ليس مسكننا الأخير، بل كلّنا مدعوّون إلى حياة جديدة في أورشليم السّماويّة. لِنُصَلِّ ولْنَقُلْ: احفَظنا، أيّها الرّبّ يَسُوع! في الرّجاء الذي لا يَخِيب: احفَظنا، أيّها الرّبّ يَسُوع! في النّور الذي لا ينطفئ: احفَظنا، أيّها الرّبّ يَسُوع! في المغفرة التي تجدّد القلب: احفَظنا، أيّها الرّبّ يَسُوع! في السّلام الذي يجعلنا طوباويّين: احفَظنا، أيّها الرّبّ يَسُوع! صلاة ختاميّة (أربعة عشر شُكُر) أيّها الرّبّ يَسُوع، كلمة الآب الأزليّ، مِن أجلنا أردت أن تسير إلى ”الصّمت“. وفي الصَّمت الذي يقودنا إلى قبرك، هناك كلمة واحدة نريد أن نقولها لك ونحن نفكّر من جديد في مسيرة درب الصّليب التي سِرنا فيها معك، وهي: شكرًا! شكرًا، أيّها الرّبّ يَسُوع، على الوداعة التي تقهر الغطرسة. شكرًا، أيّها الرّبّ يَسُوع، على الشّجاعة التي بها عانقت الصّليب. شكرًا، أيّها الرّبّ يَسُوع، على السّلام الذي ينبع من جراحك. شكرًا، أيّها الرّبّ يَسُوع، لأنّك أعطيتنا والدتك القدّيسة أُمًّا لنا. شكرًا، أيّها الرّبّ يَسُوع، على المحبّة التي أظهرتها أمام الخيانة. شكرًا، أيّها الرّبّ يَسُوع، لأنّك حوّلت الدّموع إلى ابتسامة. شكرًا، أيّها الرّبّ يَسُوع، لأنّك أحبّبت الجميع من دون استثناء أحد. شكرًا، أيّها الرّبّ يَسُوع، على الرّجاء الذي تغرسه فينا في ساعة التّجربة. شكرًا، أيّها الرّبّ يَسُوع، على الرّحمة التي تَشفِي شقاءنا. شكرًا، أيّها الرّبّ يَسُوع، لأنّك تجرَّدتَ من كلّ شيء لكي تُغنِينا. شكرًا، أيّها الرّبّ يَسُوع، لأنّك حوّلت الصّليب إلى شجرة حياة. شكرًا، أيّها الرّبّ يَسُوع، على المغفرة التي قدّمتها لقاتليك. شكرًا، أيّها الرّبّ يَسُوع، لأنّك قهرت الموت. شكرًا، أيّها الرّبّ يَسُوع، على النّور الذي اشعلته في ليالينا، وصالحت كلّ انقسام، وجعلتنا نصير كلّنا إخوة، وأبناء لأبينا الواحد الذي في السّماوات: أبانا الذي في السّماوات… *********** © جميع الحقوق محفوظة – حاضرة الفاتيكان 2023
|
Via Crucis 7 avril 2023 @ Vatican Media
أربعة عشر شكراً
صلاة درب الصّليب – يوم الجمعة العظيمة 7 نيسان 2023
مدرج الكولوسيوم في روما