قال القدّيس بولس : ” أَمَّا أَنا فمَعاذَ اللهِ أَن أَفتَخِرَ إِلاَّ بِصَليبِ رَبِّنا يسوعَ المسيح ” (غلاطية ٦ : ١٤) . وقال القدّيس أوغسطينُس : ” إنَّ حكماء هذا الدهر بالصليب وجدوا العار، وأنّ القدّيس بولس بالصليب وجد كنزًا . فما اعتبره الآخرون حماقة أصبح بالنسبة إليه حكمة ( قورنتس الأولى ١ : ١٨) ، وعنوان مجد ” .
وهكذا رأى القديس بولس الرسول مجده في الرَّبِّ يسوع وحده ، ولذلك أعلن قائلاً : ” فما أَنا أَحْيا بَعدَ ذلِك ، بلِ المسيحُ يَحْيا فِيَّ ” (غلاطية ٢ : ٢٠) . فهو لا يتمجّد إلاّ بالرّب يسوع المسيح وبصليبه قبل كلّ شيء ، الذي فيه تجتمع كلّ الحوافز .
الصليب فخرنا في هذه الحياة وعلامة إيمانُنا :
الصليب المُقدّس صالح الإنسان مع الله ، وحوّل الأرض إلى سماء جديدة ، وجمع الجنس البشري بالملائكة .
الصليب أطاح بحصن الموت والشر ، ودمّر قوّة الشرير ، وخلّص الأرض من الخطيئة ، وأرسى أسس الكنيسة .
الصليب هو إرادة الآب ومجد الابن وبهجة الرُّوح القدس …
نور الصليب يسطع أكثر من الشمس ، وبريقه يفوق وهج أشعّتها ، لأنّ الشمس عندما تُظلِم ، يتألّق نور الصليب ( متى ٢٧ : ٤٥ ) . والظلام هنا لا يعني أنّ الشمس تتوارى عن الأنظار، بل أنّ روعة الصليب تقهرها . الصليب ، ” مَحا ما كَانَ علَينا مِن صَكٍّ وما فيه مِن أَحْكامٍ وأَزالَ هذا الحاجِزَ مُسَمِّراً إياه على الصليب ” ( قولسي ٢ : ١٤ ) و ” هو الذي نجَّانا من سُلطانِ الظُّلُمَات ونَقَلَنا إلى ملكوتِ ابنِ مَحَبَّتِهِ ، فكان لنا فيه الفِداءُ وغُفْرانُ الخطايا ” ( قولسي ١ : ١٣ – ١٤ )، وكسر سلاسل الموت .
الصليب بالنسبة لغير المؤمنين هزيمة وعار ، أمّا بالنسبة لنا فهو حبّ وانتصار ،
الصَّليب تعبير عن محبّة الله :
” أَمَّا اللهُ فقَد دَلَّ على مَحبتِّهِ لَنا بِأَنَّ المسيحَ قد ماتَ مِن أَجْلِنا إِذ كُنَّا خاطِئين ” ( روما ٥ : ٨ ) . ليس هناك ما يبرهن حبّ الله لنا أكثر من موت الرّب يسوع المسيح . وعلى حسب قول القدّيس غريغوريوس : ” إن موت ابنك يا ربّ شهادة لا تًقدّر بثمن . لقد أسلمتَه لتخلّص العبد ” .
وأحبَّ يسوع الله الآب الذي أرسلهُ ” فوضَع نفسَه وأطاعَ حتى الموت ، الموت على الصليب . لذلكَ رَفَعَه الله إلى العُلى ، ووَهَبَ له الإسمَ الذي يَفوقُ جَميعَ الأسماء كيما تجثُوَ لأسم يسوع كُلُّ رُكبَةٍ في السَّمَوات وفِي الأرض وتحت الأرض ، ويَشهَدَ كُلُّ لسانٍ أنًَ يسوعَ المسيح هو الرَّبّ تمجيداً للهِ الآب ” ( فيليبي ٢ : ٨ – ١١ ) .
” فَإِنَّ اللهَ أَحبَّ العالَمَ ” ذاك العالم الذي كان في ضياع ، وفي الشدائد والإضطهادات ، في الصعوبات والعذابات والأخطاء ، ” فَإِنَّ اللهَ أَحبَّ العالَمَ ، حتَّى إِنَّه جادَ بِابنِه الوَحيد، لِكَي لا يَهلِكَ كُلُّ مَن يُؤمِنُ بِه ، بل تكونَ له الحياةُ الأَبدِيَّة . فإنَّ اللّهَ لَم يُرسِلِ ابنَهُ إلى العالم ليَدينَ العالم بل ليُخلّصَ بهِ العالم ” ( يوحنا ٣ : ١٦ – ١٧) .
هكذا شرّع الصليب أبواب الفردوس وأدخل إلى رحابه اللص ، الرَّجل المجرم التائب والمعترف بخطاياه التي ارتكباه بحق الله والآخرين ، عندما صرخَ قائلاً : أُذكُرْني يا يسوع إذا ما جئتَ في مَلَكوتِكَ ” . فقال له يسوع : ” الحَقَّ الحَقَّ أَقولُ لَكَ : سَتَكونُ اليومَ مَعِي في الفِردَوس ” ( لوقا ٢٣ : ٤٢ – ٤٣ ) ، وأعاد إلى ملكوت السَّماوات الجنس البشري المحكوم عليه بالموت .
لصليبك أيُّها المسيح نسجد وإياه نُبارك ، لإنك بصليبك المُقدّس خلّصت العالم .
+المطران كريكور اوغسطينوس كوسا
اسقف الاسكندرية للأرمن الكاثوليك