vatican media

أسلوب الروح القدس: الإبداع والبساطة

النص الكامل للمقابلة الهامة مع المؤمني يوم الأربعاء 6 كانون الثاني 2023

Share this Entry

أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء،

لقد نظرنا في دروس التّعليم المسيحيّ السّابقة في بشارة الإنجيل وقلنا إنّها فرح، وهي للجميع، وهي لليوم. نكتشف اليوم ميزة أساسيّة أخيرة: من الضّروري أن تتمّ البشارة بالرّوح القدس. في الواقع، من أجل ”أن نوَصِّل الله“ إلى النّاس، لا تكفي مصداقيّة الشّهادة المليئة بالفرح، ولا يكفي توجيهها إلى الجميع، ولا يكفي توجيهها إلى كلّ ما نعيشه اليوم. بدون الرّوح القدس، كلّ غَيرة رسوليّة باطلة وكاذبة: ستكون جَهْدَنا فقط، ولن تأتي بثمر.

قُلتُ في الإرشاد الرّسوليّ، فرح الإنجيل، إنّ “يسوع هو أوّل وأعظم مبشِّر بالإنجيل”، وإنه “مهما كانت الطّريقة التي نحمل بها البشارة، فإنّ الأولويّة هي دائمًا لله الذي أراد أن يدعونا لكي نتعاون معه ولكي يشدِّدَنا بقوّة روحه” (عدد 12). هذه هي أولويّة الرّوح القدس! لذلك شبّه الرّبّ يسوع اندفاع الحياة في ملكوت الله بـ “رَجُلٍ يُلْقي البَذْرَ في الأَرض. فسَواءٌ نامَ أو قامَ لَيلَ نَهار، فالبَذْرُ يَنبُتُ ويَنمي، وهو لا يَدري كيفَ يَكونُ ذٰلك” (مرقس 4، 25–26). الروّح هو الذي يعمل، ويسبق المُرسلِين دائمًا وهو الذي يُنضِج الثّمار. هذا الوعي يعزّينا كثيرًا! ويساعدنا على توضيح أمر آخر حاسم بالقدر نفسه: وهو أنّ الكنيسة في غَيرتها الرّسوليّة لا تُبَشِّرُ بنفسها، بل تبشِّر بنعمة، وعطيّة، والرّوح القدس هو عطيّة الله، كما قال يسوع للمرأة السّامريّة (راجع يوحنّا ​​4، 10).

ومع ذلك، فإنّ أولويّة الرّوح يجب ألّا تقودنا إلى التراخي. الاتّكال على الرّوح لا يبرّر عدم الالتزام. حيوية الزّرع الذي ينمو وحده لا تسمح للمزارعين بإهمال الحقل. قال يسوع، عندما قدّم نصائحه الأخيرة قبل صعوده إلى السّماء: “الرُّوحَ القُدُس يَنزِلُ علَيكم فتَنالون قُدرَةً وتكونونَ لي شُهودًا […] حتَّى أَقاصي الأَرض” (أعمال الرّسل 1، 8). لم يَترك لنا الرّبّ يسوع وثائق لاهوتيّة أو دليلًا رعويًّا لنطبقه، بل ترك لنا الرّوح القدس الذي يُلهِم الرّسالة. والمبادرة الشّجاعة التي يفيضها الرّوح فينا تدفعنا إلى أن نقتدي بأسلوبه الذي يتميّز دائمًا بميزَتَين: الإبداع والبساطة.

الإبداع. لكي نُبشِّر بيسوع بفرح وللجميع واليوم. إنّ عصرنا هذا لا يساعدنا على أن يكون لدينا نظرة دينيّة في الحياة، وقد صارت فيه البشارة بالإنجيل في أماكن مختلفة أمرًا صعبًا، ومُتعِبًا، وغير مُثمر في الظّاهر. فمن الممكن أن تنشأ فينا التّجربة لنتوقّف عن الخدمة الرّعويّة. وقد نَلجأ إلى مناطق التي نشعر فيها بالأمان، مثل التّكرار والعادة، ونعمل ما كانوا يعملون دائمًا، أو تجذبنا دعوات مُغرية إلى روحانيّة مُنغلقة على ذاتها، أو أيضًا إلى إحساس خاطئ بمركزيّة الليتورجيّا. إنّها تجارب تتنكّر بإخلاصها للتَّقليد، لكنّها غالبًا، ليست استجابة للرّوح القدس، بل هي ردود أفعال على عدم رضًى شخصيٍّ فينا. بينما، الإبداع الرّعويّ هو الجرأة في الرّوح القدس، وأن نكون مُتَّقدين بناره لحمل الرّسالة، وهذا دليل على أمانتنا له. لذلك كتبتُ أنّ “يسوع المسيح يمكن أن يحطّم المخطّطات المملّة التي ندّعي إبقاءه سجينًا فيها، فيفاجئنا هو بإبداعه الإلهيّ المستمرّ. كلّ مرّة نسعى فيها للعودة إلى الينبوع كي نستعيد حيوية الإنجيل الأصليّة، تَظهرُ سبلٌ جديدة، وأساليب خلّاقة، وطرق تعبير أخرى، وعلاماتٌ أشدّ بلاغة، وكلماتٌ محمّلة بمعنى متجدّد لعالم اليوم” (الإرشاد الرّسولي، فرح الإنجيل، 11).

إذًا الإبداع أوّلًا، ثمَّ البساطة. لأنّ الرّوح القدس يقودنا إلى الينبوع، وإلى ”البشارة الأولى“. في الواقع، “هو الرّوح القدس الذي […] يجعلنا نؤمن بيسوع المسيح، الذي كشف لنا ومنحنا، بموته وقيامته من بين الأموات، رحمة الآب التي لا نهاية لها” (المرجع نفسه، 164). هذه هي البشارة الأولى التي “يجب أن تحتلّ مركز نشاط البشارة بالإنجيل وكلّ نية تجديدٍ كنسيّ”، لكي نكرّر: “يسوع المسيح يحبّك، وقد بذل حياته ليخلّصك، والآن هو حيٌّ إلى جانبك كلّ يوم كي ينيرَكَ، ويقوّيكَ، ويحرّركَ” (المرجع نفسه).

أيّها الإخوة والأخوات، لِنَدَعِ الرّوح القدس يقترب منّا ولْنَبتَهِلْ إليه كلّ يوم: ليكن هو مبدأ كياننا وعملنا، وليكن في بداية كلّ نشاطٍ ولقاءٍ واجتماعٍ وبشارة نقوم بها. فهو يُحيِي الكنيسة ويُعيد إليها شبابها: معه يجب ألّا نخاف، لأنّه هو الانسجام، ويجمع دائمًا الإبداع والبساطة معًا، ويصنع الشَّرِكَة ويُرسلنا لحمل الرِّسالة، ويفتح أنفسنا على التَّنوّع ويعيدنا إلى الوَحدَة. هو قوّتنا، ونَفَسُ بشارتنا، وينبوع الغَيرَة الرَّسوليّة. هَلُمَّ تعال، أيّها الرّوح القدس!

*******

 

قِراءَةٌ مِن أعمالِ الرُّسل (1، 6-8)

[بعدَ قيامَتِهِ مِن بينِ الأموات، هؤلاءِ الَّذينَ] كانوا مُجتَمِعينَ [معَه] سأَلوه: «يا ربّ، أَفي هٰذا الزَّمَنِ تُعيدُ المُلْكَ إِلى إِسرائيل؟» فقالَ لَهم: «لَيسَ لَكم أَن تَعرِفوا الأَزمِنَةَ والأَوقاتِ الَّتي حَدَّدَها الآبُ بِذاتِ سُلطانِه. ولٰكِنَّ الرُّوحَ القُدُس يَنزِلُ علَيكم فتَنالون قُدرَةً وتكونونَ لي شُهودًا في أُورَشَليمَ وكُلِّ اليَهودِيَّةِ والسَّامِرَة، حتَّى أَقاصي الأَرض».

كلامُ الرَّبّ

*******

Speaker:

تكلَّمَ قَداسَةُ البابا اليَومَ على الرُّوحِ القدس، العامِلِ الرَّئيسيّ في البشارةِ بالإنجيل. قال: مِن الضَّروريّ أنْ تَتِمَّ البِشارةُ بالرُّوحِ القدس. فبِدونِهِ كلُّ غَيرةٍ رسوليَّةٍ باطلةٌ وكاذبة، ولن تُأتي بِثَمَر. الرُّوحُ القدس يدعونا إلى أنْ نتعاوَنَ معَ الله. هذِه أولويَّة. هو الأوَّلُ في العمل. هو يَسبِقُ المُرسلِينَ دائمًا وهو يُنضِجُ الثِّمار. ومعَ ذلك، فإنَّ الاتِّكالَ على الرُّوحِ القدس يجبُ ألَّا يقودَنا إلى التَّراخي والتَّوَقُّفِ عنِ البِشارة. فالمُبادَرَةُ الشُّجاعَةُ الَّتي يفيضُها الرُّوحُ فينا تَدفَعُنا إلى أنْ نَقتَدِيَ بأسلوبِهِ الَّذي يَتَمَيَّزُ دائمًا بميزَتَين: الإبداعُ والبساطةُ في العملِ الرَّعويّ. الإبداعُ هو الجُرأَةُ في الرُّوحِ القدس، وأنْ نكون مُتَّقَدِينَ بنارِه الَّتي تُرسِلُنا لِحَملِ الرِّسالة. فَنَكتَشِفَ طُرُقًا جديدة، وأساليبَ خلَّاقة، وأشكالَ تعبيرٍ أخرى، وكلماتٍ مُحَمَّلَةً بمعنَى مُتَجَدِّدٍ لعالمِ اليوم. والميزةُ الثَّانيةُ هي البساطة. إذ نَعرِفُ أنفُسَنا غيرَ قادرين، فَنَترُكَ الرُّوحَ القدس يقودُنا إلى الينبوع، وإلى البِشارةِ الأولى. هو الَّذي يجعلُنا نؤمنُ بيسوعَ المسيح، الَّذي كشفَ لنا ومنحَنا، بموتِهِ وقيامتِهِ مِن بينِ الأموات، رحمةَ الآبِ الَّتي لا نهايةَ لها. هذه هي البشارةُ الأولى الَّتي يجبُ أنْ تكونَ مِحوَرَ بشارتِنا بالإنجيلِ وفي كلِّ نيَّةِ تجديدٍ في الكنيسة. الرُّوح القدس هو قُوَّتُنا، ونَفَسُ بشارتِنا، وينبوعُ الغَيرَةِ الرَّسوليَّة.

*******

أُحيِّي المُؤمِنِينَ النَّاطِقِينَ باللُغَةِ العربِيَّة. لِيَكُنِ الرُّوحُ القدس مبدأَ كيانِنا وعملِنا، وَلْيَكُنْ في بدايةِ كلِّ نشاطٍ ولِقاءٍ وبشارةٍ نقومُ بها. فهو يُحيِي الكنيسةَ ويُعيدُ إليها شبابَها. بارَكَكُم الرَّبُّ جَميعًا وَحَماكُم دائِمًا مِن كُلِّ شَرّ!

*******

 جميع الحقوق محفوظة – حاضرة الفاتيكان 2023

Copyright © Dicastero per la Comunicazione – Libreria Editrice Vaticana

Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير