أصحاب السّعادة، سيداتي، سادتي،
يسعدني أن أرحّب بكم في هذا الصّباح لأحيِّيكم شخصيًّا، وأقدِّم لكم أطيب التّمنيات بالسّنة الجديدة. أشكر بصورة خاصّة سعادة السّفير جورج بوليدس، عميد السّلك الدّبلوماسي، لكلماته الرّقيقة التي تعبّر جيّدًا عن اهتمامات الأسرة الدّوليّة في بداية سنة كُنَّا نودّ أن تكون بداية سلام، لكنّها تنفتح عكس ذلك تحت راية الصّراعات والانقسامات.
أنتهز الفرصة كذلك لأشكركم على التزامكم بتعزيز العلاقات بين الكرسيّ الرّسوليّ وبلدانكم. في السّنة الماضيّة، توسّعت ”عائلتنا الدّبلوماسيّة“ بإقامة العلاقات الدّبلوماسيّة مع سلطنة عُمان وتعيّين أوّل سفير لها، والحاضر هنا.
وفي الوقت نفسه، أودّ أن أشير إلى أنّ الكرسيّ الرّسوليّ قد شرع في تعيّين ممثّل بابويّ مقيم في هانوي، بعد إبرام الاتفاقيّة بشأن وضع الممثّل البابويّ مع الفيتنام في تموز/يوليو الماضي، بهدف متابعة الطّريق التي قطعناها حتّى الآن، وذلك علامة للاحترام المتبادل والثّقة، وبفضل العلاقات المتكرّرة على المستوى المؤسّسيّ وتعاون الكنيسة المحليّة.
وفي سنة 2023، تمّ المصادقة أيضًا على الاتفاقيّة التكميليّة للاتفاق المبرم بين الكرسيّ الرّسوليّ وكازاخستان بشأن العلاقات المتبادلة في 24 أيلول/سبتمبر 1998، والذي يسهِّل وجود وعمل العمّال الرّعويين في البلاد. وكانت هذه السّنة أيضًا مناسبة للاحتفال بأربع ذكريات سنويّة مهمّة: الذّكرى المئويّة للعلاقات الدّبلوماسيّة مع جمهوريّة بنما، وسبعون سنة مع جمهوريّة إيران الإسلاميّة، وستّون سنة مع جمهوريّة كوريا، والسّنة الخمسون مع أستراليا.
السّفراء الأعزّاء،
هناك كلمة يتردّد صداها بطريقة خاصّة في العيدَين المسيحيَين الرّئيسيَين، نسمعها في ترنيمة الملائكة المنشدين في ليلة ميلاد المخلّص، ونسمعها من صوت يسوع القائم من بين الأموات: إنّها كلمة ”سلام“. السّلام، في المقام الأوّل، عطيّة من الله: هو الذي يترك لنا سلامه (راجع يوحنّا 14، 27)، ولكنّه في الوقت نفسه مسؤوليّتنا: “طوبى لصانعي السّلام” (متّى 5، 9). العمل من أجل السّلام. إنّها كلمة هشّة، وفي الوقت نفسه مُلزِمة وعميقة في معناها. ولهذه الكلمة أودّ أن أكرّس تفكيرنا اليوم، في لحظة تاريخيّة يتعرّض فيه السّلام بشكل متزايد للتّهديد والضّعف، وقد ضاع في بعض الأماكن. ومن ناحيّة أخرى، من واجب الكرسيّ الرّسوليّ، أن يكون في الأسرة الدّوليّة صوتًا نبويًّا ومذكّرًا للضّمير.
عشيّة عيد الميلاد سنة 1944، وجَّه البابا بيوس الثّاني عشر رسالة إذاعيّة شهيرة إلى شعوب العالم بأسره. كانت الحرب العالميّة الثّانية تقترب من نهايتها بعد أكثر من خمس سنوات من الصّراع، وقالالحبرالأعظم،إنّ البشريّة كانت تشعر “بإرادة واضحة وحازمة بشكل متزايد، لجعل هذه الحرب العالميّة، هذا الاضطراب العالمي، نقطة بداية للتوجّه إلى عصر جديد للتجديد العميق” [1]. وبعد مرور ثمانين عامًا، يبدو أنّ الدّفع نحو هذا ”التّجديد العميق“ قد نفد وتوقّف، ودخل العالم في عدد متزايد من الصّراعات التي تحوِّلُ، ببطء ما وصفته مرارًا وتكرارًا بـ ”الحرب العالميّة الثّالثة المجزّأة“، إلى صراع عالميّ حقيقيّ.
ولا يسعني في هذا المقام إلّا أن أكرّر قلقي إزاء ما يحدث في فلسطين وإسرائيل. لقد صدمنا جميعًا الهجوم الإرهابي الذي تعرَّض له السّكان في إسرائيل في 7 تشرين الأوّل/أكتوبر الماضي، حيث جُرِحَ العديدون وعُذِّبوا وقُتِلَ أبرياء كثيرون بطريقة فظيعة، وأُخِذَ الكثيرون رهائن. أكرّر إدانتي لما حدث ولكلّ أشكال الإرهاب والتّطرّف: بهذه الطّريقة لا تُحلّ القضايا بين الشّعوب، بل تزداد تعقيدًا وتسبّب الآلام للجميع. وفي الواقع، أدى ذلك إلى ردّ فعل عسكريّ إسرائيليّ شديد في غزّة أدّى إلى مقتل عشرات الآلاف من الفلسطينيّين،معظمهممنالمدنيّين،بمافيذلكالعديدمنالأطفالوالفتيان والشّباب،وسبّبوضعًالاإنسانيًّاخطيرًاجدًّاوآلامًالايمكنتصوّرها.
إنّي أكرّر ندائي إلى جميع الأطراف المعنيّة من أجل وقف إطلاق النّار على جميع الجبهات، بما في ذلك لبنان، والإفراج الفوري عن جميع الرّهائن في غزّة. وأطلب أن يحصل السّكان الفلسطينيّون على المساعدات الإنسانيّة وأن يكون للمستشفيات والمدارس وأماكن العبادة فيها الحماية اللازمة.
آمل أن تجتهد الأسرة الدّوليّة بكلّ تصميم لتحقيق حلّ الدّولتين، دولة إسرائيليّة ودولة فلسطينيّة، ووضع خاص لمدينة القدس بضمانات دوليّة، حتّى يتمكّن الإسرائيليّون والفلسطينيّون أخيرًا من العيش في سلام وأمن.
إنّ الصّراع الدّائر في غزّة يزيد من زعزعة الاستقرار في منطقة هشّة ومليئة بالتّوترات. ولا يمكن أيضًا وخصوصًا أن ننسى الشّعب السّوري، الذي يعيش في حالة من عدم الاستقرار الاقتصاديّ والسّياسيّ، وقد تفاقمت آلامه مع الزّلزال الذي وقع في شباط/فبراير الماضي. أدعو الأسرة الدّوليّة إلى تشجيع الأطراف المعنية على بدء حوار بنَّاء وجادّ والبحث عن حلول جديدة، ولا يجوز أن يبقى الشّعب السّوري يعاني من العقوبات الدّوليّة. وإنّي أعرب عن حزني لملايين اللاجئين السّوريين الذين ما زالوا في البلدان المجاورة، مثل الأردن ولبنان.
أتوجّه بفكر خاصّ إلى لبنان، وأعبّر عن القلق بشأن الوضع الاجتماعيّ والاقتصاديّ الرّاهن للشعب اللبنانيّ العزيز، وآمل أن يوجد حلّ للجمود المؤسّسي الذي يدفعهم إلى مزيد من الرّكوع، وآمل أن يختار بلد الأرز رئيسه قريبًا.
وأبقى في القارة الآسيويّة، وأودّ أن ألفت انتباه الأسرة الدّوليّة إلى ميانمار، طالبًا بذل كلّ الجهود لإعطاء الأمل لتلك الأرض ومستقبل لائق للأجيال الشّابة، دون أن ننسى حالة الطّوارئ الإنسانيّة التي ما زالت فيها جماعة الرّوهينجا.
إلى جانب هذه الأوضاع المعقّدة، هناك أيضًا بوادر أمل، كما شعرت بها خلال رحلتي إلى منغوليا، والتي أجدّد شكري وتقديري لسلطاتها على الاستقبال الذي قدّمته لي. وبالمثل، أودّ أن أشكر السّلطات المجريّة على حسن ضيافتها لي في زيارتي للبلاد في إبريل/نيسان الماضي. كانت رحلة في قلب أوروبا، حيث يتنفس المرء التّاريخ والثّقافة وحيث شعرت بالمودّة من النّاس، ولكن هناك أيضًا نشعر بالصّراع القريب، والذي لم نكن نحسبه قريبًا في أوروبا في القرن الحادي والعشرين.
للأسف، بعد ما يقرب من عامين من الحرب واسعة النّطاق التي شنّها الاتّحاد الرّوسي على أوكرانيا، فإنّ السّلام المنشود لم يتمكّن بعد من إيجاد مكان له في العقول والقلوب، على الرّغم من الضّحايا العديدة والدّمار الهائل. لا يمكن السّماح للصراع بأن يتسمرّ ويصير مثل الغرغرينا تعذِّب الملايين من البشر. لا بدّ من وضع حدّ للمأساة المستمرّة من خلال المفاوضات، ووفقًا للقانون الدّولي.
كما أعرب عن قلقي إزاء الوضع المتوتّر في جنوب القفقاز بين أرمينيا وأذربيجان، وأحثّ الطّرفين على التوصّل إلى توقيع معاهدة سلام. ومن الملِّح إيجاد حلّ للوضع الإنسانيّ المأساوي الذي يعيشه سكّان تلك المنطقة، وتشجيع عودة النّازحين إلى ديارهم بشكل قانوني وآمن، واحترام دور العبادة لمختلف الطّوائف الدّينيّة الموجودة هناك. فمن شأن هذه الخطوات أن تساهم في خلق مناخ من الثّقة بين البلدين من أجل تحقيق السّلام المنشود.
وإذا وجّهنا نظرنا الآن إلى أفريقيا، تظهر أمام عيوننا معاناة الملايين من البشر بسبب الأزمات الإنسانيّة المتعدّدة التي تؤثّر على مختلف بلدان جنوب الصّحراء الكبرى، وبسبب الإرهاب الدّولي، والمشاكل الاجتماعيّة والسّياسيّة المعقّدة، والآثار المدمّرة التي يسبّبها تغيّر المناخ. ويضاف إلى ذلك عواقب الانقلابات العسكريّة التي حدثت في بعض البلدان، وبعض العمليّات الانتخابيّة التي اتّسمت بالفساد والتّرهيب والعنف.
وفي الوقت نفسه، أجدّد النّداء من أجل الالتزام الجادّ من جانب جميع الأطراف في تطبيق اتّفاق بريتوريا المبرم في تشرين الثّاني/نوفمبر 2022، والذي وضع حدًّا للقتال في تيغراي، وفي البحث عن حلول سلميّة للتوتّرات وأعمال العنف التي تعصف بإثيوبيا، وكذلك من أجل الحوار والسّلام والاستقرار بين دول القرن الأفريقي.
وأودّ أيضًا أن أذكِّر بالأحداث المأساويّة في السّودان، حيث للأسف، بعد أشهر من الحرب الأهليّة، لا يوجد مَخرج حتّى الآن، وكذلك أوضاع النّازحين في الكاميرون وموزمبيق وجمهوريّة الكونغو الدّيمقراطيّة وجنوب السّودان. لقد سُعدت بزيارة هذين البلدين الأخيرين في بداية العام الماضي، علامة مودّة للسكّان المعذّبين، ولو كانوا في سياقات وأوضاع مختلفة. أتوجّه بخالص الشّكر إلى السّلطات في كلا البلدين لجهودهم في تنظيم الزّيارة وللترحيب الذي أبدوه لي. وكان للرحلة إلى جنوب السّودان أيضًا طابع مسكونيّ، حيث رافقني فيها رئيس أساقفة كانتربري ورئيس الجمعيّة العامّة لكنيسة اسكتلندا، ما يشهد على الالتزام المشترك في كنائسنا من أجل السّلام والمصالحة.
ورغم عدم وجود حروب مفتوحة في الأمريكيَّتَين، إلّا أنّ هناك توتّرات قويّة بين بعض الدّول، على سبيل المثال بين فنزويلا وغِيَّانا، بينما نلاحظ في بلدان أخرى، كما هو الحال في البيرو، ظاهرة الاستقطاب التي تهدّد الانسجام الاجتماعيّ وتضعف المؤسّسات الدّيمقراطيّة.
لا يزال الوضع في نيكاراغوا مثيرًا للقلق: أزمة مستمرّة مع مرور الوقت ولها عواقب مؤلمة على المجتمع النيكاراغوي بأكمله، ولا سيّما على الكنيسة الكاثوليكيّة. لا يكف الكرسيّ الرّسوليّ عن الدّعوة إلى حوار دبلوماسيّ ضمن الاحترام المتبادل من أجل خير الكاثوليك وجميع السّكّان.
أصحاب السّعادة، سيداتي، سادتي،
خلف هذه الصّورة التي أردت أن أرسمها بإيجاز ودون أيّ ادّعاء بالشّمول، هناك عالم ممزق بشكل متزايد، ولكن قبل كلّ شيء هناك الملايين من النّاس – رجال ونساء وآباء وأمّهات وأطفال – وجوههم غير معروفة، مجهولون، ومنسيّون.
ومن ناحيّة أخرى، لم تعد الحروب الحديثة تجري فقط في ساحات قتال محدّدة، وليس فيها جنود فقط. ففي سياق يبدو أنّه لم يعد فيه تمييز بين الأهداف العسكريّة والمدنيّة، لا يوجد صراع إلّا وينتهي بطريقة ما إلى ضرب عشوائي للسكّان المدنيين. وما الأحداث في أوكرانيا وغزّة إلّا دليل واضح على ذلك. ويجب ألّا ننسى أنّ الانتهاكات الجسيمة للقانون الإنسانيّ الدّوليّ هي جرائم حرب، ولا يكفي اكتشافها، ولكن من الضّروريّ منعها. ولذلك فإنّ هناك حاجة إلى التزام أكبر من جانب المجتمع الدّوليّ بحماية وتنفيذ القانون الإنسانيّ، الذي يبدو أنّه السّبيل الوحيد لحماية الكرامة الإنسانيّة في حالات الحرب.
في بداية هذه السّنة، يتردّد حثّ المجمع الفاتيكانيّ الثّاني، في الدّستور الرّعائي فرح ورجاء، الذي نحتاج له أكثرمن أيّ وقت مضى: “في ما يتعلّق بالحرب، هناك اتفاقيات دوليّة مختلفة، وقَّع عليها عدد كبير من الدّول لجعل الأعمال العسكريّة وعواقبها أقلّ وحشيّة. (….) يجب المحافظة على كلّ هذه الاتفاقيات. ويجب على السّلطات العامّة والخبراء في هذا المجال أن يبذلوا قصارى جهدهم، قدر الإمكان، حتّى تُطوَّر وتُكمّل، فتقدر أن تضع حدًّا لفظائع الحرب بصورة ملائمة وأكثر وفعالية” [2].
قد لا ندرك أنّ الضّحايا المدنيّين ليسوا ”أضرارًا جانبيّة“. بل هم رجال ونساء، ولهم أسماء وأسماء عائلات، ويفقدون حياتهم. إنّهم أطفال يظلّون أيتامًا ومحرومين لا مستقبل لهم. إنّهم أناس يعانون من الجوع والعطش والبرد، هم أناس مقطّعة أعضاؤهم بالأسلحة الحديثة. لو تجرّأنا ونظرنا إلى كلّ واحد منهم في عينيه، وناديناهم باسمهم، واستحضرنا تاريخهم الشّخصي، لرأينا الحرب على حقيقتها: لا شيء سوى مأساة فظيعة و”مجزرة عديمة الفائدة“ [3]، تنقض كرامة كلّ إنسان على هذه الأرض.
ومن ناحية أخرى، فإنّ الحروب يمكن أن تستمرّ بفضل توفر كميّات الأسلحة الهائلة. من الضّروريّ اتّباع سياسة نزع السّلاح، لأنّه من الوهم الاعتقاد بأنّ للتسلّح قيمة رادعة. بل العكس هو الصّحيح: فتوافر الأسلحة يشجّع على استخدامها ويزيد إنتاجها. الأسلحة تزيد عدم الثّقة وتحوِّل الموارد. كم هو عدد الأرواح التي يمكن إنقاذها بالموارد المخصّصة حاليًّا للتسلّح؟ أليس من الأفضل استثمارها لصالح الأمن العالميّ الحقيقي؟ إنّ تحدّيات عصرنا تتجاوز الحدود، كما يتبيّن من الأزمات المختلفة – الغذائيّة، والبيئيّة، والاقتصاديّة، والصّحيّة – التي تميَّزت بها بداية القرن. وهنا، أكرّر الاقتراح الدّاعي إلى إنشاء صندوق عالميّ للقضاء نهائيًّا على الجوع [4] وتعزيز التّنمية المستدامة للكوكب بأكمله.
ومن بين التّهديدات التي تسبّبها أدوات الموت هذه، لا يسعني إلّا أن أذكر التّهديد الذي تسبّبه التّرسانات النّوويّة وتطوير الأجهزة المتطوّرة والمدمّرة بشكل متزايد. وأكرّر مرّة أخرى عدم أخلاقيّة تصنيع وحيازة الأسلحة النّوويّة. وفي هذا الصّدد، أعرب عن أملي في أن نتمكّن من التّوصّل إلى استئناف المفاوضات في أقرب وقت ممكن من أجل استئناف خطّة العمل الشّاملة المشتركة، المعروفة باسم ”الاتفاق النّووي الإيراني“، لضمان مستقبل أكثر أمانًا للجميع.
مع ذلك، لتحقيق السّلام، لا يكفي مجرّد إزالة أدوات الحرب، فمن الضّروريّ استئصال أسباب الحرب من جذورها، وفي المقام الأوّل الجوع، وهو الآفة التي لا تزال تؤثّر على مناطق بأكملها من الأرض، بينما وفي أجزاء أخرى هناك هدر كبير للطعام. ثمّ هناك استغلال الموارد الطّبيعيّة، الذي يثري قلّة من النّاس، ويترك السّكّان بأكملهم، هم الذين كان من الواجب أن يكونوا المستفيدين الطّبيعيّين من هذه الموارد، في البؤس والفقر. وبطريقة معيّنة، يرتبط هذا الأمر باستغلال الأشخاص، الذين يُجبَرون على العمل بأجور زهيدة وبدون آفاق حقيقيّة للنّمو المهنيّ.
والكوارث الطّبيعيّة والبيئيّة هي أيضًا من بين أسباب الصّراع. بالتّأكيد هناك كوارث لا تستطيع يد الإنسان السّيطرة عليها. أفكّر في الزّلازل الأخيرة التي ضربت المغرب والصّين والتي تسبّبت في سقوط مئات الضّحايا، وكذلك الزّلزال الذي ضرب تركيّا وقسمًا من سوريا وخلَّف وراءه سلسلة رهيبة من الموت والدّمار. أفكّر أيضًا في الفيضان الذي ضرب درنة في ليبيا، والذي دمّر المدينة فعليًّا، وذلك أيضًا بسبب انهيار سدَّين.
ومع ذلك، هناك كوارث تعزى أيضًا إلى عمل الإنسان أو إهماله وتساهم بشكل خطير في أزمة المناخ المستمرّة، مثل إزالة غابات الأمازون، التي هي ”الرّئة الخضراء“ للأرض.
كانت أزمة المناخ والبيئة موضوع المؤتمر الثّامن والعشرين للدّول الأطراف في اتفاقيّة الأمم المتّحدة الإطاريّة بشأن تغيّر المناخ (COP28)، الذي انعقد في دبي الشّهر الماضي، والذي أسفتُ لعدم تمكّني من حضوره شخصيًّا. وقد بدأ بالتّزامن مع إعلان المنظمّة العالميّة للأرصاد الجويّة أنّسنة 2023 كانت السّنة الأكثر حرارة مقارنة بـ 174 سنة التي تمّ تسجيلها سابقًا. تتطلّب أزمة المناخ استجابة عاجلة بشكل متزايد وتتطلّب المشاركة الكاملة من الجميع، وكذلك الأسرة الدّوليّة كلّها [5].
إنّ اعتماد الوثيقة النّهائيّة في مؤتمر الأطراف الثّامن والعشرين يمثّل خطوة مشجّعة ويكشف أنّه في مواجهة الأزمات العديدة التي نشهدها، هناك إمكانيّة تنشيط التّعدديّة من خلال إدارة قضيّة المناخ العالمي، في عالم حيث المشاكل البيئيّةوالاجتماعيّة والسّياسيّة ترتبط ارتباطًا وثيقًا. لقد ظهر بوضوح في مؤتمر الأمم المتّحدة المعني بتغيّر المناخ (COP28) أنّ العقد الحالي هو العقد الحاسم لمعالجة تغيّر المناخ. إنّ الاهتمام بالخليقة والسّلام “هي القضايا الأكثر إلحاحًا وهي مترابطة” [6]. لذلك آمل أن يؤدّي ما تمّ الاتّفاق عليه في دبي إلى “تسريع حاسم للتّحوّل البيئي، من خلال طرق […] تتحقّق في أربعة مجالات: الفعاليّة في الإجراءات، والمصادر المتجدّدة، والقضاء على الوقود الأحفوري، والتّربية على أنماط حياة أقلّ اعتمادًا على الوقود المذكور” [7].
إنّ الحروب والفقر وإساءة استخدام بيتنا المشترك والاستغلال المستمّر لموارده، التي هي أصل الكوارث الطّبيعيّة، هي أسباب تدفع أيضًا آلاف الأشخاص إلى ترك أراضيهم بحثًا عن مستقبل سلام وأمان. في رحلتهم، يعرّضون حياتهم للخطر على طرق محفوفة بالمخاطر كما هو الحال في الصّحراء الكبرى، وفي غابات دارين (Darién) على الحدود بين كولومبيا وبنما، في أمريكا الوسطى، وفي شمال المكسيك، على الحدود مع الولايات المتّحدة. وخصوصًا في البحر الأبيض المتوسّط.
وللأسف، تحوَّل هذا الأخير في العقد الماضي إلى مقبرة كبيرة، تتلاحق فيه المآسي، وذلك أيضًا بسبب المتاجرين بالبشر عديميّ الضّمير. ومن بين الضّحايا الكثيرة، لا ننسى أنّ هناك العديد من القاصرين المسافرين وحدهم.
يجب أن يكون البحر الأبيض المتوسّط مصنعًا للسّلام، “مكانًا تلتقي فيه بلدان مختلفة ووقائع مختلفة، والحقائق على أساس الإنسانيّة التي نتشارك فيها جميعًا” [8]، كما أتيحت لي الفرصة للتّأكيد في مرسيليا، خلال رحلتي، والتي أشكر عليها المنظمّين والسّلطات الفرنسيّة، في مناسبة لقاءات البحر الأبيض المتوسّط. في مواجهة هذه المأساة الهائلة، يمكن بسهولة أن نغلق قلوبنا، ونتحصَّن خلف الخوف من ”الغزو“. وننسى بسهولة أنّ أمامنا أشخاصًا بوجوه وأسماء، ونتجاهل الدّعوة الخاصّة لما نسمّيه ”بحرنا“، وهي ألّا يكون قبرًا، بل مكانًا للقاء والإثراء المتبادل بين النّاس والشّعوب والثّقافات. وهذا لا يعني أنّه يجب ألّا تنظَّم الهجرة لاستقبال المهاجرين وتشجيعهم ومرافقتهم وإدماجهم، مع احترام ثقافة وحساسيّة وسلامة السّكّان المسؤولين عن الاستقبال والإدماج. ومن ناحيّة أخرى، من الضّروريّ أيضًا التّذكير بحقّ الفرد في البقاء في وطنه وما يترتّب على ذلك من ضرورة تهيئة الظّروف اللازمة لممارسة هذا الحقّ فعلًا.
وفي مواجهة هذا التّحدي، لا يمكن ترك أيّ بلد وحده، ولا يمكن لأيّ أحد أن يفكّر في معالجة هذه القضيّة وحده عن طريق تشريعات تزيد من التّضييقات والقمع، يتمّ إقرارها أحيانًا تحت ضغط الخوف أو بحثًا عن الأصوات في الانتخابات. ولذلك فإنّني أرحّب بارتياح بالتّزام الاتّحاد الأوروبي للبحث عن حلّ مشترك باعتماد ميثاق جديد بشأن الهجرة واللجوء، مع الإشارة إلى بعض القيود، خاصّة فيما يتعلّق بالاعتراف بحقّ اللجوء وخطر الاحتجاز التعسّفي.
السّفراء الأعزّاء،
الطّريق إلى السّلام يتطلّب احترام الحياة، حياة كلّ إنسان، بدءًا من الجنين في بطن أمّه، والذي لا يمكن الاعتداء عليه، ولا تحويله إلى استغلال تجاري معتلّ. وفي هذا الصّدد، أرى أنّ ممارسة ما يسمّى بتأجير الأرحام أمر مؤسف، ومسيء بشكل خطير لكرامة المرأة والطّفل. يقوم على استغلال حالة الحاجة الماديّة للأمّ. الطّفل هو دائمًا هبة وليس موضوعًا لعقد تجاري. ولذلك آمل أن تلتزم الأسرة الدّوليّة بحظر هذه الممارسة على المستوى العالميّ. يجب الحفاظ على الحياة البشريّة وحمايتها، في كلّ لحظة من وجودها، بينما ألاحظ بأسف، خاصّة في الغرب، الانتشار المستمّر لثقافة الموت، التي تتجاهل الأطفال والمسنّين والشّيوخ باسم شفقة زائفة.
الطّريق إلى السّلام يتطلّب احترام حقوق الإنسان، وفقًا للصياغة البسيطة والواضحة الواردة في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي احتفلنا مؤخّرًا بالذّكرى السّنويّة الخامسة والسّبعين له. هذه مبادئ واضحة موافقة للعقل ومقبولة بصورة عامّة. للأسف، فإنّ المحاولات التي جرت في العقود الأخيرة لإدخال حقوق جديدة، لا تتفّق تمامًا مع تلك المحدّدة أصلًا وغير المقبولة دائمًا، قد أدّت إلى ظهور ظاهرة الاستعمار الأيديولوجيّ، وتلعب فيها نظريّة ”الجندر“ دورًا رئيسيًّا فيها، وهو أمر خطير جدًّا، لأنّه يدَّعي مَحوَ الاختلافات بجعل الجميع متساوين. إنّ مثل هذا الاستعمار الأيديولوجيّ يسبّب الجروح والانقسامات بين الدّول، بدلًا من تعزيز بناء السّلام.
يجب أن يكون الحوار روح الأسرة الدّوليّة. وفي الوضع الحالي ضعف في الهيكليّات الدّبلوماسيّة المتعدّدة الأطراف التي رأت النّور بعد الحرب العالميّة الثّانية. كانت هيئات أُنشئت لتعزيز الأمن والسّلام والتّعاون، ولم تعد قادرة على جمع جميع أعضائها حول مائدة واحدة. وهناك خطر حدوث ”أحاديّة“ وتفتّت إلى جماعات لا تسمح بدخولها إلّا للدّول التي تعتبر متشابهة أيديولوجيًّا. وحتّى تلك الهيئات التي ظلّ لها فعاليّة حتّى الآن، إذا ركَّزت على الخير العام وعلى القضايا الفنيّة، فإنّها تتعرّض لخطر الشّلل بسبب الاستقطابات الأيديولوجيّة، التي تستغلّها بعض الدّول بمفردها.
من أجل إعادة إطلاق التّزام مشترك في خدمة السّلام، من الضّروريّ استعادة الجذور والرّوح والقِيَم التي أدّت إلى ظهور تلك الهيئات، مع مراعاة السّياق الذي تغيّر وإيلاء الاعتبار للذين لا يشعرون بأنّهم ممثَّلون بصورة كافية في المنظّمات الدّوليّة.
ومن المؤكّد أنّ الحوار يتطلّب الصّبر والمثابرة والمقدرة على الإصغاء، وعندما نسعى بجهود صادقة لوضع حدّ للخلافات، يمكن تحقيق نتائج مهمّة. أفكّر، على سبيل المثال، في اتّفاق بلفاست، المعروف أيضًا باسم اتّفاق الجمعة العظيمة، الذي وقّعت عليه الحكومتان البريطانيّة والإيرلنديّة، وقد تمّ الاحتفال بالذّكرى السّنويّة الخامسة والعشرين له في السّنة الماضية. وقد وضع حدًّا لثلاثين سنة من الصّراع العنيف، ويمكن أن يكون مثالًا لتشجيع وتحفيز السّلطات على الإيمان بعمليّات السّلام، على الرّغم من الصّعوبات والتّضحيات التي تتطلّبها.
إنّ الطّريق إلى السّلام يمرّ عبر الحوار السّياسيّ والاجتماعيّ، لأنّه أساس العيش المدنيّ معًا لمجتمع سياسيّ حديث. ستشهد سنة 2024 الدّعوة لإجراء انتخابات في دول عديدة. الانتخابات هي لحظة أساسيّة في حياة كلّ بلد، لأنّها تسمح لجميع المواطنين باختيار حكامهم بصورة مسؤولة. كلمات البابا بيوس الثّاني عشر في هذا الموضوع لها وقعها ومعناها اليوم أكثر من أيّ وقت مضى: “أن تعبّر عن رأيك في الواجبات والتّضحيات المفروضة عليك، حتّى لا تُجبَرَ على الطّاعة دون أن تُسمِعَ صوتك: هذان حقّان من حقوق المواطن، يجدان تعبيرهما في الدّيمقراطيّة، كما تشير هذه اللفظة إلى ذلك. ومن الصّلابة والانسجام ومن الثّمار الإيجابيّة النّاجمة عن هذا التّواصل بين المواطنين وحكومة الدّولة، يمكن أن نعرف هل الدّيمقراطيّة هي حقًّا سليمة ومتوازنة، وما هي إمكاناتها للحياة والنُّمُوّ” [9].
لذلك، من المهمّ أن يرى المواطنون، وخاصّة الأجيال الشّابة التي تُدعى إلى صناديق الاقتراع للمرّة الأولى، أنّ مسؤوليّتهم الأساسيّة هي المساهمة في بناء الخير العام، من خلال المشاركة الحرّة والواعية في التّصويت. ومن ناحيّة أخرى، يجب أن نفهم أنّ السّياسة ليست استيلاء على السّلطة، بل هي “أسمى شكل من أشكال المحبّة” [10]، ومن ثَمَّ، فهي خدمة للقريب في داخل المجتمع المحلّي والوطني.
إنّ الطّريق إلى السّلام يمرّ أيضًا عبر الحوار بين الأديان الذي يتطلّب أوّلًا وقبل كلّ شيء حماية الحرّيّة الدّينيّة واحترام الأقلّيّات. ومن المؤلم، على سبيل المثال، أن نلاحظ أنّ عدد البلدان التي تتبنّى طرق مراقبة مركزيّة على حرّيّة الدّين، مع استخدام مكثّف للتكنولوجيا، آخذ في الازدياد. وفي أماكن أخرى، الجماعات الدّينيّة تجد نفسها بسبب قلّة عددها في وضع مأساويّ على نحو متزايد. وفي بعض الحالات، يتعرّضون لخطر الانقراض، بسبب كثرة الأعمال الإرهابيّة، والهجمات على التّراث الثّقافي، والإجراءات الخفيّة ضدّهم، مثل كثرة التّشريعات ضدّ تغيير الدّين، والتّلاعب بالقواعد الانتخابيّة والقيود الماليّة.
إنّ تزايد الأعمال المعادية للسّامية التي حدثت في الأشهر الأخيرة أمر مثير للقلق بشكل خاصّ، وأكرّر مرّة أخرى أنّه يجب استئصال هذه الآفة من المجتمع، وخاصّة بالتّربية على الأخوّة وقبول الآخر.
ما يثير القلق بالمقدار نفسه هو تزايد الاضطهاد والتّفرقة ضدّ المسيحيّين، خاصّة في السّنوات العشر الماضية. وهي إجراءات لها صلة، ولو بطريقة غير دمويّة وغير ظاهرة في المجتمع، بظاهرة التّهميش البطيء والاستبعاد من الحياة السّياسيّة والاجتماعيّة ومن ممارسة بعض المهن، وهذا يحدث أيضًا في بلدان أصلًا مسيحيّة. بشكل عام، هناك أكثر من 360 مليون مسيحيّ حول العالم يعانون الاضطهاد الشّديد والتّفرقة بسبب إيمانهم، وهناك عدد متزايد من المسيحيّين الذين يضطرّون إلى الهرب من أوطانهم.
وأخيرًا، فإنّ الطّريق إلى السّلام يمرّ عبر التّربية، وهي الاستثمار الرّئيسيّ للمستقبل وفي الأجيال الشّابّة. لا أزال أحتفظ بذكريات حيّة عن اليوم العالميّ للشّبيبة الذي أقيم في البرتغال في آب/أغسطس الماضي. إنّي أشكر مرّة أخرى السّلطات البرتغاليّة، المدنيّة والدّينيّة، على التزامها في تنظيم اللقاء، ما زال ذكره في قلبي، اللقاء مع أكثر من مليون شاب، أتوا من جميع أنحاء العالم، مليئين بالحماس وحبّ الحياة. كان حضورهم نشيدًا بليغًا للسّلام وشهادة بأنّ “الوَحدة تتفوَّق على الصّراع” [11] وأنّه “من الممكن تنمية الوَحدة في الاختلافات” [12].
في العصر الحديث، جزء من التّحدي في التّربية هو الاستخدام الأخلاقيّ للتكنولوجيّات الجديدة. فهي يمكن أن تصبح بسهولة أدوات للانقسام أو نشر الأكاذيب، أو ما يسمّى بالأخبار المزّيفة، ولكنّها أيضًا وسيلة للقاء والتّبادل وأداة مهمّة للسّلام. “إنّ التّقدّم الملحوظ الذي حقّقته تكنولوجيّات المعلومات الجديدة، وخاصّة في المجال الرّقمي، هي في الوقت نفسه فرص إيجابيّة مثيرة ومخاطر جسيمة، ولها آثار خطيرة على السّعي لتحقيق العدالة والوئام بين الشّعوب” [13]. ولهذا السّبب رأيت أنّه من المهمّ تخصيص الرّسالة السّنويّة لليوم العالميّ للسّلام للذّكاء الاصطناعي، الذي هو من أهمّ تحدّيات السّنوات المقبلة.
ومن الضّروريّ أن يتمّ التّطوّر التّكنولوجيّ بطريقة أخلاقيّة ومسؤولة، مع الحفاظ على مركزيّة الإنسان، الذي لا يمكن ولن يمكن استبدال مساهمته بخوارزميّة أو آلة. “إنّ الكرامة الجوهريّة لكلّ شخص والأخوّة التي تربطنا كأعضاء في الأسرة البشريّة الواحدة يجب أن تكون في أساس تطوير التّقنيّات الجديدة وتكون بمثابة معايير لا جدال فيها لتقييمها قبل استخدامها، حتّى يمكن تحقيق التّقدّم الرّقمي، في احترام العدل والمساهمة في قضيّة السّلام” [14].
لذلك لا بد من تفكير دقيق، على كافّة المستويات، الوطنيّة والدّوليّة، والسّياسيّة والاجتماعيّة، بحيث يبقى تطوير الذّكاء الاصطناعيّ في خدمة الإنسان، ويشجّع ولا يعيق، وخاصّة في الشّباب، العلاقات بين الأشخاص، وروح أخوّة سليمة، وفكر نقدي قادر على التّمييز.
ومن هذا المنظور، يكتسب المؤتمران الدّبلوماسيّان للمنظمّة العالميّة للملكيّة الفكريّة أهميّة خاصّة، اللذين سيُعقدان في سنة 2024 ويشارك فيهما الكرسيّ الرّسوليّ كدولة عضو. يرى الكرسيّ الرّسوليّ أنّ الملكيّة الفكريّة موجّهة بشكل أساسي نحو تعزيز الخير العام ولا يمكنها تحرير نفسها من القيود الأخلاقيّة، لأنّ ذلك يؤدي إلى حالات ظلم واستغلال غير مبرّر. ويجب بعد ذلك إيلاء اهتمام خاص لحماية التّراث الجيني البشري، ومنع تنفيذ الممارسات التي تتعارض مع كرامة الإنسان، مثل إمكانيّة الحصول على براءة اختراع للمواد البيولوجيّة البشريّة واستنساخ البشر.
أصحاب السّعادة، سيداتي، سادتي،
تستعدّ الكنيسة هذه السّنة لليوبيل الذي سيبدأ في عيد الميلاد المقبل. وأشكر بصورة خاصّة السّلطات الإيطاليّة، الوطنيّة والمحليّة، للالتزام الذي تقوم به في إعداد مدينة روما لاستقبال العديد من الحجّاج والسّماح لهم بجني الثّمار الرّوحيّة من مسيرة اليوبيل.
إنّا نحتاج اليوم أكثر من أيّ وقت مضى إلى السّنة اليوبيليّة. لنواجه الآلام العديدة التي تسبّب يأسًا ليس فقط في الأشخاص المتأثّرين بشكل مباشر، ولكن في جميع مجتمعاتنا. أمام شبابنا، الذين بدلًا من أن يحلموا بمستقبل أفضل يرون أنفسهم يشعرون بالعجز والإحباط، وأمام ظُلمة هذا العالم، التييبدووكأنّهاتنتشر بدلًا من أن تبتعد، اليوبيل هو الإعلان أنّ الله لا يترك شعبه أبدًا وأنّه يبقي دائمًا أبواب ملكوته مفتوحة. في التّقليد اليهوديّ المسيحيّ، اليوبيل هو زمن نعمة نختبر فيه رحمة الله وعطيّة سلامه. وهو زمن عدل تُغفَرُ فيه الخطايا، وفيه المصالحة تتغلّب على الظّلم، والأرض تطمئن. يمكن أن يكون للجميع – مسيحيّين وغير مسيحيّين – هو الزّمن الذي فيه تُكسَّر السّيوف ويُصنَعُ منها سكك الحراثة، هو الزّمن الذي لن تعود فيه أمّة ترفع السّيف على أمّة أخرى، ولن تتعلّم الحرب من بعد (راجع أشعيا 2، 4).
هذه هي أمنيتي التي أتمنّاها من كلّ قلبي لكلّ واحد منكم، السّفراء الأعزّاء، ولعائلاتكم ومعاونيكم، وللشّعوب التي تمثّلونها.
شكرًا وسنة سعيدة للجميع!
***********
© جميع الحقوق محفوظة – حاضرة الفاتيكان 2024
_______________________________
[1] رسالة إذاعيّة لعيد الميلاد إلى شعوب العالم بأسره، 24 كانون الأوّل/ديسمبر 1944.
[2] دستور رعوي “فرح ورجاء”، الكنيسة في عالم اليوم، 7 كانون الأوّل/ديسمبر 1965، 79.
[3] راجع بندكتس الخامس عشر، رسالة إلى رؤساء الشّعوب المتحاربة، 1 آب/أغسطس 1917.
[4] راجع رسالة بابويّة عامة، كلّنا إخوة، في الأخوّة والصّداقة الاجتماعيّة، 3 تشرين الأوّل/أكتوبر 2020، 262.
[5] راجع الإرشاد الرّسوليّ، سبِّحوا الله، إلى كلّ النّاس ذوي النّية الصّالحة حول الأزمة المناخيّة، 4 تشرين الأوّل/أكتوبر 2023.
[6] كلمة إلى مؤتمر الدّول الأطراف في اتفاقيّة الأمم المتّحدة الإطاريّة بشأن تغيّر المناخ، 2 كانون الأوّل/ديسمبر 2023.
[7] المرجع نفسه.
[8] كلمة في الجلسة الختامية ”للقاءات البحر الأبيض المتوسط“، مارسيليا، 23 أيلول/سبتمبر 2023، 1.
[9] راجع رسالة إذاعيّة لعيد الميلاد إلى شعوب العالم بأسره، 24 كانون الأوّل/ديسمبر 1944.
[10] بيوس الحادي عشر، لقاء لرؤساء اتّحاد الجامعات الكاثوليكيّة، 18 كانون الأوّل/ديسمبر 1927.
[11] الإرشاد الرّسوليّ، فرح الإنجيل، 24 تشرين الثّاني/نوفمبر 2013، 228.
[12] المرجع نفسه.
[13] رسالة في مناسبة اليوم العالمي السّابع والخمسين للسّلام، 8 كانون الأوّل/ديسمبر 2023، 1.
[14] المرجع نفسه، 2.
Copyright © Dicastero per la Comunicazione – Libreria Editrice Vaticana