العيش في عائلة سعيدة مطلب أساسي لنمو الإنسان بشكل صحّي وطبيعي. وكم هو جميل أن تكون لدينا عائلة مؤسَّسة على الصخر كالعائلة المقدسة.
فهل كانت عائلة يسوع ومريم والقديس يوسف عائلة سعيدة ؟
هل كانت عائلة الناصرة سعيدة بعدما سمِعت كلام سمعان الشيخ : ” وأنت سينفذ سيفٌ في قلبك لتنكشفَ الأفكار عن قلوب كثيرة ” ( لوقا ٢ : ٣٥ ) ؟
الجواب نعم، بالرغم من التحديّات والصعوبات التي واجهتها والمتمثّلة في :
١ – عدم استقبال القديس يوسف ومريم العذراء في مدينة بيت لحم وبالتالي ولادة يسوع الطفل في مغارة حقيرة ” فولدت إبنها البكر ، فقمطته وأضجعتهُ في مذود لأنه لم يكن لهما موضعٌ في المضافة ” ( لوقا ٢ : ٧ ) .
٢ – الهروب إلى مصر: حيث أنّ القديس يوسف والقديسة مريم العذراء اضطرا أن يحملا الطفل الرضيع ويهربا به إلى مصر خوفاً عليه من هلاك هيرودس ” من مِصْرَ دعوتي إبني “
( متى ٢ : ١٥ ) .
٣ – ضياع يسوع في الهيكل : تخيّلوا الألم الذي أصاب القديس يوسف والقديسة مريم البتول أم يسوع عندما أضاعاه مدة ثلاثة أيام أثناء رحلة الحج إلى أورشليم ( لوقا ٢ : ٤١ – ٤٨ ).
٤ – موت القديس يوسف : كم هو مؤلم فقدان الأب الحامي والمربي.
٥ – خيانة يهوذا ( متى ٢٦ : ١٤ – ١٦ ) .
٦ – اعتقال المعلم الإلهيّ ونكرانه ( لوقا ٢٢ : ٤٧ – ٦٥ ) .
٧ – محاكمة يسوع ( يوحنا ١٨ : ١٢ – ٤٠ و ١٩ : ١ – ١١ ) .
٨ – تعرض يسوع للشتم والسخرية ( متى ٢٧ : ٣٩ – ٤٤ ) .
٩ – الحكم على يسوع بالموت على الصليب : موت الابن الوحيد أشنع ميتة مظلوماً ( يوحنا ١٩ : ١٢ – ٢٢ ) ، موت البار من أجل الخطأة.
بالرغم من ذلك كلّه إلّا أنّ هذه العائلة كانت سعيدة ، فما هو سرّ سعادتها ؟
الجواب على ذلك : لأن المسيح يسوع كان محور حياتهما، واليوم نحن بحاجة أن نصلي كعائلة، هناك أقليّة من المؤمنين يواظبون على حضور الذبيحة الإلهية . العائلة التي تصلي معاً تبقى معاً .
وكما كانت أختا اليعازر، مريم تتأمل ومرتا تعمل، تحتاج عائلاتنا إلى هذين العنصرين، فكل فرد فيها عليه أن يؤدي مهمته ومسؤوليته، كأعضاء الجسد الذين يتعاونون مع بعضهم بَعضاً . وهنا نتذكّر قول بولس الرسول :” من لا يعمل لا يأكل”.
سببٌ ثانٍ أسهم في أن تكون هذه العائلة سعيدة هو الاحترام : هذه العائلة، القديس يوسف والعذراء مريم ويسوع الطفل ، كان كلٌّ منهم يحبُّ الآخر و يحترمه، وعندما كانت مريم تعجزُ عن فهم ما يقوله يسوع، كانت تحفظ ذلك في قلبها وتتأمله ( لوقا ٢ : ١٩ ).
تواجه عائلاتنا اليوم مشكلات شبيهة بالمشكلات التي واجهتها العائلة المقدسة :
الفقر والبحث المضني من أجل تأمين لقمة العيش والذي بات كابوساً يهدّد أمننا وسلامنا.
الرفض : الذي يولد بسبب الخلافات بين الأهل والإخوة والأقارب بصرف النظر عن الأسباب الاجتماعية والمادية و …. .
الضياع : الذي يعيشه أبناؤنا اليوم ، لقد أضاعوا البوصلة التي تهديهم في طريقهم، وباتوا يسيرون في هذه الحياة على غير هدى ، لا يعرفون ماذا يريدون، يملأون فراغ وحدتهم وفراغ أوقاتهم بأدوات ووسائل عصرية ، تسلب منهم الحياة و زهرة الشباب رويداً رويداً .
فقدان الأب أو الأم : سواء بسبب الموت ، او حالات الانفصال ، وهذا أمر خارج عن إرادتنا ، ولكنّ تأثيراته بالغة في نفوس الأبناء .
فقدان يسوع : مريم العذراء والقديس يوسف تألما كثيراً بسبب فقدانهما ليسوع، وبحثا عنه حتى وجداه، ونحن ماذا نفعل عندما نفقده بسبب كسلنا وإهمالنا، وتهاوننا في أداء صلواتنا الجماعية والشخصية، وتقصيراتنا في كل ما تطلبه منّا الكنيسة المقدّسة ؟
لنفكّر جديًّاً : هل نحن كعائلة سعداء ؟ وإذا لم نكن كذلك ، فما هي أسباب عدم سعادتنا ؟
لنتذكّر أنّه ما زالت لدينا فرصة إصلاح الذات ، وتجديد حياتنا ، لأن الجديد ليس الزمن والتاريخ والتقويم ، وإنما نحن ، علينا أن نتجدد روحيًاً وداخلياً ، على الصعيد الفردي الشخصي ، وعلى الصعيد العائلي .
نصلي من أجل عائلاتنا لا سيما الشّابة لتكون على مثال عائلة الناصرة في المحبة والسعادة والتضحية.
+المطران كريكور اوغسطينوس كوسا
اسقف الاسكندرية للأرمن الكاثوليك