باتَ القدِّيسُ شربل، إبنُ الرَّهبانيَّة اللبنانيَّة المارونيَّة وفخرها، “ظاهرةً عالميَّةً”، يُكرَّمُ في كثيرٍ مِنَ البلدان، ولدى عددٍ لا يُستهانُ به مِنَ الشُّعوب. فقداسةُ مار شربل لا تُحصَرُ بزمانٍ ومكان؛ خرجَ مار شربل مِنْ إطار رهبانيّتِه وكنيستِه المارونيَّة المحلِّيَّة، وأصبحَ حاضرًا في المسكونةِ قاطبةً، يجدُ فيه الجميع، أينما كانوا، قدِّيسًا ومثالًا وشفيعًا.
القدِّيسون، ومنهم مار شربل، يُحطِّمُونَ الحواجز، ويُبدِّلونَ المقاييس، ويفتحونَ الحدود. إنَّ صلاةَ مار شربل وشفاعتَه تعملانِ خارجَ الأُطُرِ الجغرافيَّةِ والتَّاريخيَّة، فتَفيضُ نِعَمُ اللهِ ورحمَتُه وخيراتُه على طالبيها، أينَما وُجِدوا، مِنْ مرضى وأصحّاءَ وأمواتٍ وأحياءٍ، وعلى جميعِ الشُّعوبِ والأُمَمِ مِنْ كلِّ عرقٍ ولونٍ ولسان … إكرامُ القدِّيسِ شربلَ ٱنتشرَ في كلِّ أصقاعِ الأرض، في كلِّ مكانٍ وتحتَ كلِّ سماء، ويبلغ عدد الكنائس الحاملة ٱسمه حوالى المئة ما بين لبنان وبلاد الإنتشار.
يُطِلُّ القدِّيسُ شربلُ على عالمِنا بهذا القدْرِ مِنَ القداسةِ والوهجِ الرُّوحيِّ والرهبانيِّ والكنسيّ، وهذا كلُّه نتيجة تحويلِ حياتِه بجملتِها إلى صلاة، فأصبحَتْ حياتُه كذاتٍ كيانيَّةٍ منسوجةٍ كلُّها مِنْ نسيجِ الرّبّ، وبذلكَ يكونُ مار شربل وَلَجَ إلى سرِّ الله، وتفاعلَ معَ حيويَّةِ الرُّوحِ القدس، وٱنقادَ إلى إلهاماتِه …
تَظهرُ عالميَّةُ القدِّيسِ شربلَ بنوعٍ خاصّ من خلال أديرةِ ورسالاتِ الرَّهبانيَّةِ اللُّبنانيَّةِ المارونيَّةِ الحاملةِ ٱسمَهُ خارجَ لبنانَ وهي: كامبيناس، ساوباولو – البرازيل (1954)، سيدني- أستراليا (1972)، بيت لحم (1982)، سورين – فرنسا (1987)، كراكاس وبورتو أورداس- فنزويلا (1988)، بوا سينيور إيزاك – بلجيكا (2010)، روما (2019)، ممَّا ساهَمَ في حضور القدِّيسِ شربلَ في العالم، إذْ تخطّى بشهرةِ قداستِه حدودَ لبنانَ والشرقَ وعمَّ الآفاق، إلى أنْ أصبحَ “ظاهرةً عالميَّةً” مالئًا المؤمنينَ في العالم كلِّه ببطولةِ فضائلِه وعجائبِه. إنَّه يُدعى بحقّ قدِّيسًا عالميًّا، كالقدِّيس بادري بيو (1887-1968)، والقدِّيسة تريزيا الطفل يسوع (1873-1897). فالقدِّيسُ شربلُ لَأشبهُ بمعلّمِه الإلهيّ، الذي بعدَ قيامتِه مِنَ الموتِ مُمَّجدًا أضحى فوقَ الزمانِ والمكان.
وتظهرُ “عالميَّةُ القدِّيسِ شربلَ” كونَه قدِّيسًا عابرًا البلدانَ والقارّات، يوزِّعُ نِعَم اللهِ بسخاءٍ، وما رفعُ لوحة فسيفساء تحمل رسم وجه القدِّيس شربل، التي باركها قداسة البابا فرنسيس، في الخامس عشر من الشهر الجاري، بشكل دائم على جدار كاتدرائيَّة مار بطرس في الفاتيكان، في 19/1/2024، وتثبيتها على الحائط الخارجي لمدفن البابا القدِّيس بولس السادس، سوى دلالة على هذه العالميَّة، واختيار المكان له دلالته ورمزيّته إذ رفعه البابا القدِّيس بولس السادس على المذابح طوباويًّا، في ختام المجمع الفاتيكانيّ الثّاني المسكونيّ في 5/12/1965، كما وأعلنه قدِّيسًا للكنيسة الجامعة في 9/10/1977. وهذه ليست المرّة الأولى التي يقرع فيها القدِّيس شربل باب العواصم الكبرى، ويكون له فيها مقامٌ رفيعٌ. يبلغ طول فسيفساء القدِّيس شربل 80 سم وعرضها 60 سم، وتمَّ شغلها وتنفيذها في Studio del mosaico vaticano، وذلك ببادرة مشكورة من رجل الأعمال اللبنانيّ الأستاذ أنطوان نبيل الصحناوي، وسعادة سفير لبنان لدى الكرسيّ الرسوليّ في الفاتيكان السيِّد فريد الياس الخازن، وذلك بعد موافقة المراجع الكنسيَّة المختصة. هذا الحدث الرُّهبانيّ الكنسيّ يحتفل به الكاردينال غامبيتي عميد كاتدرائيَّة القدِّيس بطرس في الفاتيكان، وللمناسبة الجلل تُقرع أجراس الكنائس والأديرة في لبنان، بطلبٍ من غبطة أبينا البطريرك مار بشارة بطرس الرَّاعي، ابتهاجًا وفرحًا، لمدّة 5 دقائق.
مِنْ جبلٍ قفرٍ وعرٍ لا تصلُه طريقٌ، وصومعةٍ تَهزُّ بابَها ريحُ الشتاءِ ويملؤُها صقيعُ البرد، ها هو القدِّيسُ شربلُ يقتحمُ عواصمَ العالمِ ابتداءً مِنْ عاصمةِ الكثلكةِ روما، لا ينعسُ ولا ينامُ، مالئُ الدنيا وما فيها، ينثرُ بياضَ ثلجِ تلالِ عنَّايا، وعبيرَ منسكتِه، على العالمِ أجمع، يقظًا مُصغيًا إلى أنينِ الإنسانيَّةِ المتألِّمةِ، طالبًا لها البلسمَ مِنْ ربِّ الرحمة.
لبنانُ “وطنُ الرِّسالة”، كما قالَ عنهُ القدِّيس البابا يوحنَّا بولسُ الثَّاني، ومار شربل هو ذروةُ بلدِ الأرز ورمزُه وسفيرُه، في كلِّ العالم؛ ذروةُ إيمانِ الآباءِ والأجداد، ورمزُ النُّسّكِ والصلاةِ في جبلِ لبنان، وسفيرُ لبنانَ الحريَّةِ والسلامِ إلى الكونِ أجمع. نختم بما دوَّنه الأب بولس ضاهر، الرَّاهب اللُّبنانيّ المارونيّ، وواضع سيرة القدِّيس شربل، في كتابه الشَّهير “شربل إنسان سكران بالله“: “حديثُ الدُّنيا عنْ شربل! الكلامُ عليه ما له نهاية”، لا بل هو الإسم الذي يردِّده العالم. رزقنا الله شفاعته!