أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، أحد مبارك!
اليوم في إيطاليا وفي بلدان أخرى يُحتَفَلُ بعيد جسد الرّبّ ودمه الأقدسَين. إنجيل الليتورجيّا يروي لنا حدث العشاء الأخير (مرقس 14، 12–22)، الذي قام الرّبّ يسوع خلاله بعطائه الأخير: في الواقع، في الخبز الذي كسره وفي الكأس التي قدّمها لتلاميذه، كان هو نفسه يقدّم ذاته من أجل البشريّة كلّها، ويبذل نفسه من أجل حياة العالم.
في عمل يسوع هذا، لمـَّا كسر الخبز، معنًّى مهمّ يؤكّد عليه الإنجيل حين يقول: “وناوَلَهم” (الآية 22). لنثبِّت هذه اللفظة في قلبنا: ناولهم. في الواقع، الإفخارستيّا تذكّرنا أوّلًا بمعنى العطاء. أخذ يسوع الخبز لا ليأكله وحده، بل ليكسره ويعطيه لتلاميذه، وبهذا أظهر لهم هويّته ورسالته: لم يحتفظ بالحياة لنفسه، بل أعطاها لنا، ولم يعتبر كونه الله كنزًا يَغار عليه فيحتفظ به لنفسه، بل تجرّد من مجده ليشاركنا في إنسانيّتنا ويُدخلنا إلى الحياة الأبديّة (راجع فيلبي 2، 1-11). جعل يسوع حياته كلّها عطاءً لنا.
يمكننا أن نفهم إذن، أنّ احتفالنا بالإفخارستيّا وتناولنا هذا الخبز، كما نفعل خاصّة يوم الأحد، ليس عمل عبادة منفصل عن الحياة أو لحظة نجد فيها تقوية شخصيّة بسيطة، بل علينا أن نتذكّر دائمًا أنّ يسوع، عندما أخذ الخبز، ناولهم إيّاه، ومن ثَمَّ، فإنَّ شركتنا ووَحدتنا معه تجعلنا قادرين أن نصير نحن أيضًا خبزًا نكسره لنعطيه للآخرين، وقادرين أن نتقاسم معهم ما نحن وما لنا. قال القدّيس لاون الكبير: “اشتراكنا في جسد المسيح ودمه لا يؤدّي إلّا إلى أن يجعلنا نصير ما أكلنا” (العظة 12 عن الآلام، 7).
أيّها الإخوة والأخوات، نحن مدعوّون إلى هذا: إلى أن نصير ما أكلنا، إلى أن نصير ”إفخارستيّا“، أي أشخاصًا لا يعيشون بعد لأنفسهم (راجع رومة 14، 7)، في منطق الامتلاك والاستهلاك، بل يعرفون كيف يجعلون من حياتهم عطيّة للآخرين. وهكذا، وبفضل الإفخارستيّا، نصير أنبياءً وبُناةً لعالمٍ جديد: عندما نتغلّب على الأنانيّة وننفتح على المحبّة، وعندما ننمّي روابط الأخوّة بيننا، وعندما نشارك في آلام إخوتنا ونتقاسم الخبز والموارد مع المحتاجين، وعندما نضع مواهبنا في خدمة الجميع، إذّاك نكسر خبز حياتنا مثل يسوع.
إخوتي وأخواتي، لنسأل أنفسنا إذًا: هل أحتفظ بحياتي فقط لنفسي أم أُعطيها مثل يسوع؟ هل أبذل نفسي من أجل الآخرين أم أنا مُنغلق في نفسي الضّيّقة؟ وفي مواقف الحياة اليوميّة، هل أعرف كيف أشارك أم أبحث دائمًا عن مصلحتي الخاصّة؟
مريم العذراء التي قَبِلَت يسوع، الخبز النّازل من السّماء، ووهبت نفسها معه كاملة، لتساعدنا نحن أيضًا لنصير عطيّة محبّة، ومتّحدين بيسوع الذي صار إفخارستيّا.
صلاة الملاك
بعد صلاة الملاك
أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء!
أدعوكم إلى أن تصلّوا من أجل السّودان، حيث الحرب المستمرّة منذ أكثر من سنة لم تجد بعد حلًّا سلميًّا. لتسكت الأسلحة، وبالتزام السّلطات المحليّة والمجتمع الدّولي، لتقدَّم المساعدة إلى السّكان والنّازحين الكثيرين، وليجد اللاجئون السّودانيّون التّرحيب والحماية في البلدان المجاورة.
ولا ننسَ أوكرانيا المعذّبة، وفلسطين وإسرائيل وميانمار… أناشد حكمة الحكام لوقف التّصعيد وبذل كلّ جهد للحوار والمفاوضات.
وأتمنّى لكم جميعًا أحدًا مباركًا. ومن فضلكم، لا تنسَوْا أن تصلّوا من أجلي. غداءً هنيئًا وإلى اللقاء!
***********
© جميع الحقوق محفوظة – حاضرة الفاتيكان 2024
Copyright © Dicastero per la Comunicazione – Libreria Editrice Vaticana