تحتفل الكنيسة الأرمنية اليوم السبت ١٥ يونيو / حزيران ٢٠٢٤ بعيد إكتشاف ذخائر القديس كريكور ( غريغوريوس ) المنوِّر، رسول أرمينيا وشفيعها واول اسقف وبطريرك عليها ، ومعروف بشفيع الأمراض الخبيثة .
من هو القديس كريكور ( غريغوريوس ) المنوِّر ( الارمني ) ؟
الملك تريدات والشاب كريكور :
عندما كان ملك الأرمن تريدات ( درطاد ) الثالث عائداً من روما ، مرّ بقيصريّة ( تركيا الوسطى ) حيث كان يعيش فيها عدد كبير من الأرمن الهاربين من السيطرة الفارسية ، فاستعان بهم وكان من بينهم كريكور بن اناك ، وكان مسيحياً .
أُعجب الملك بكريكور دون أن يعلم انه ابن الذي قتله أبوه ، وطلب منه أن يصطحبه إلى أرمينيا ، فلبى طلبه وعاد كريكور إلى أرمينيا ليخدم البلاط الملكي .
كان كريكور من أنشط حاشية الملك لدرجة أن تريدات الثالث طلب منه يوماً أن يُقدّم إلى الالهة اناهيد البخور وأغصان الغار تمجيداً لإسمها ، فرفض كريكور هذا الطلب معلناً بجهارةٍ أنه مسيحي ، لا يعبد الأصنام ولا الأوثان ولا يُقدّم لهم القرابين . فحزن الملك ، واشتدّ غضبه لما علِم أن والد كريكور قتل أباه الملك خوسروف . فأمر بتعذيبه ، ثمّ بسجنه وأخيراً رماه في بئر عميق ليتخلّص منه .
وكان القديس كريكور يتحمّل كل هذه المشقات متذكراً كلام القديس بولس : ” وهاءَنذا ً اليوم ماضٍ إلى اورشليم أسيرَ الرُّوح ، لا أدري ماذا يَحدُثُ لي فيها . على أنَّ الرُّوحَ القُدُسَ يُؤَكِّدُ لي في كُلِّ مدينةٍ بأن السّلاسِلَ والشَّدائِدَ تنتظِرُني . ولكِنِّي لا أُبالي بحياتي ولا أرى لها قيمةً عندي ، فحسبي أن أُتِمَّ شوطي وأُتِمَّ الخِدمةَ التي تلَقَّيتُها من الربِّ يسوع ، أي أن أشهَدَ لِبِشارةِ نِعمَةِ الله ” ( أعمال الرسل ٢٠ : ٢٢ – ٢٤ ) لكن العناية الإلهية خططت مصير الشعب الأرمني من هذا البئر .
عاش كريكور خمسة عشر عاماً في البئر بين الثعابين والحشرات دون أن يمسه أذى ، وكان يأكل رغيفاً واحداً من الخبز بفضل إمرأة كانت ترميه له من خلال ثقب وجدته محفوراً في إحدى جوانب البئر ، إلى أن أنقذه الله وكان خروجه من البئر نصراً جديداً .
مرض الملك تريدات :
في هذه الأثناء أعلن ترايانوس امبرطور روما القضاء على المسيحيين بإضطهادهم وقتلهم ورميهم أمام الأسود المفترسة ، فهرب من روما ثلاثون فتاة مع القديسة هربسيمه اللواتي التجأنا إلى أرمينيا.
علِم الملك تريدات الثالث بوجودهن فأمر بحضور هربسيمه إلى القصر .
كانت نية الملك إمتلاك هذه الفتاة الجميلة ، لكنها رفضت جميع مغرياته وعروضه . ولمّا حاول السيطرة عليها بالقوة ، دفعته إلى الوراء وخرجت من القصر هاربة . فأمر بقطع رؤوس الفتيات بعد أن خرجت هربسيمه وجرحت كرامة الملك . فعاقبه الله لهذه الجريمة ، فأصيب بداء غريب ، فترك القصر وذهب إلى الغابات بعد أن أصبح منظره لا يُطاق كالحيوانات المفترسة .
الأعجوبة الكبيرة :
لكن العناية الإلهية ، مهدّت الطريق إلى معرفة النور من خلال ظلام البئر . فألهمت أخت الملك أن شفاء أخيها لم يأتِ إلاّ على يد كريكور الذي اضطهده .
لكن من يؤمن بمثل هذا الخبر ؟ فتكرّرت الرؤيا إلى أن اضطرت الأميرة بالذهاب إلى بئر ” خورفيراب ” ومعناه ” البئر العميق ” لتبحث عن كريكور ، فكان إعجابها كبيراً لمّا رأته في البئر وهو على قيد الحياة فطلبت منه شفاء أخيها من مرضه الخبيث . ففعل كريكور وشفاه من علله وأمراضه الخبيثة .
أرمينيا أول دولة مسيحية :
في سنة ٣٠١ ، وبعد الأعجوبة الكبيرة ، اعتنق الملك تربدات الثالث وإمرأته وحاشيته والوزراء والعاملين في البلاط ، الدين المسيحي ، ثمّ أصدر مرسوماً ملكياً بإلغاء عبادة الأصنام وبهدم هياكلها ، ثم طلب من كريكور أن يذهب إلى قيصرية كبادوكيا لينال الرسامة الكهنوتية والأسقفية . فذهب إلى هناك ومنحه الأسقف الرسامة .
عاد كريكور من هناك وعمّد الملك والوزراء وأهل البلاط الملكي وكل الشعب في أرجاء المملكة ، وحارب الشرّ والظلمة ونشر الإيمان وعلّم الثالوث الأقدس وأسس التعليم المسيحي ، وأقام الكهنة قائلاً لهم : ” تنبّوا لأنفُسِكُم ولجميع القَطيع الذي جَعَلَكُم الرُّوح القُدُسُ حُرّاساً له لِتَسهَروا على كنيسةِ اللهِ التي اكتسَبَها بدمِهِ ” ( اعمال الرسل ٢٠ : ٢٨ ) .
ولكن هذا العمل الثابر لغى كثير من العقبات . فكانت هناك مواجهة عنيفة من طرف عُبّاد الأصتام والأوثان ، غير أن الملك تغلب عليهم وأعطى أرزاقهم للكنيسة الجديدة .
وفاة كريكور :
توفي القديس كريكور ، بعد أن بشّر بالإنجيل وتنسّكَ في مغارة على سفح جبل ، ولسان حاله يقول : ” والآنَ أستودِعُكُمُ الله وكلمة نعمَتِهِ وهو القادر على أن يَشيدَ البُنيان ويجعلَ لكمُ الميراث مع جميع المُقَدَّسين ” ( اعمال الرسل ٢٠ : ٣٢ ) . رآه الرعاة في جوف شجرة وقد أسلم الروح .
كما توفي الملك تريدات الثالث برائحة القداسة .
صلاة لإلتماس شفاعة القديس غريغوريوس ( كريكور ) المنوِّر :
أيُّها الحبر الأعظم ، القديس كريكور ( غريغوريوس ) المنوِّر ، انت الذي حاربت الشر والظلمة ، ونشرت نور الإيمان بين الشعب الأرمنيّ ، والبلاد المجاورة لأرمينيا ، وعلّمته سر الثالوث الأقدّس ، ونلت ملكوت الله ، تشفَّع من أجلنا لدى أبينا السماويّ ، آمـيـن .
ملاحظة : الرجاء من الاشخاص الذين ينالون نِعَماً بشفاعة القديس كريكور ( غريغوريوس ) المنوِّر أن يُعلموا بطريركية الأرمن الكاثوليك ، ٣٦ شارع صبري ابو علم ، عابدين ، طلعت حرب ، القاهرة .
+ المطران كريكور اوغسطينوس كوسا
اسقف الإسكندرية للأرمن الكاثوليك