علاقة البطريرك الدويهي بالأولاد

معلوم الأطفال هم مستقبل الغد وهم خزّانه والأمل

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

يقول المطران بطرس شبلي: “وللحال بعد وضع اليد عليه شرع يتاجر بالوزنات التي سلمه اياها مولاه غير مدعٍ بعلم ولا متطلب عالي المراتب والوظفائف التي خدعت أبناء هذا العصر خصوصًا الكهنة حتى أضحى كثيرون يحسبون خدمة النفوس انحطاطاً عن منزلتهم ولا يذكرون ان ابن الله نزل من علو مجده  ولاشى ذاته وظهر بصورة العبد وقاسى الإهانات والأتعاب طلباً للنعجة الضالة وانه علم تلاميذه ان بكون كبيرهم خادماً للآخرين وأرسلهم للعالم لا ليخملوا الأموال ولا ليدعوا من الناس أرباباً بل ليعملوا ويعمدوهم ويرشدوهم إلى سبيل الخلاص. أما اسطفانس فانه اتبع هذا المنهاج منذ البدء واخذ يعلم الأولاد في اهدن ويدرجهم في مبادئ القراءة. وقد تصورته جالساً على الحجارة أمام احدى كنائس القرية يحيط به جمهور الأطفال على شبه ذلك الذي كان يدعو الصغار اليه. وهو يسقي ابكار عقولهم بغيث معارفه ويفسر لهم الأشياء البسيطة بالوداعة واناة الروح كـأنه جهل ذاته أو نسي مقامه في أعين الناس وتمسك بقول الإقتداء: أحببْ أن تُجهل واتبع اتضاع الفادي هاتفاً معه، ادعوا الأطفال يأتون إليَّ[1]“.

 إنطلاقاً من ذلك يمكننا الكلام عن مدى أهميّة هذا الموضوع عنده. فكما معلوم الأطفال هم مستقبل الغد وهم خزّانه والأمل. فهو يعلم جيداً أنهم قديسو الغد. وهو قد كتب عن نفسه: ” (…) وسنة 1655 كانت عودتنا إلى البلاد، وكرم علينا مجمع انتشار الإيمان أن نكون من جملة المرسلين، وفي ترددنا في البلاد اعتنينا على علم الأولاد، وعلى الوعظ وتهذيب الشعب بدرجة الكهنوت. وعندما طلبوا جماعتنا (الموارنة) الحلبية من المرحوم بطريرك جرجس (البسبعلي) أن نكرز عليهم، ثبتنا عندهم نكرز عليهم ونعلم أولادهم ونتعاطى في أمورهم مدة ست سنين. وعندما في سنة 1668 توجهنا من عندهم إلى زيارة المواضع المقدسة، في العودة مسكنا البطريرك المرحوم وقدمنا إلى درجة المطرانية على أسقفية قبرص، فزرناهم وتعبنا فيهم جهدنا. وفي السنة الثانية عندما انتقل البطريرك جرجس ابن الحاج رزق الله إلى رحمة خالقه ألزمونا رؤساء الكهنة ورؤساء الشعب  في درجة البطريركية. وفي كل هذه المدة احتملنا مشقات واضطهاد لا يوصف من جور العصاة، حتى أننا طفرنا إلى بلاد كسروان وإلى بلاد الشوف. ولأجل هذه الديورة والكنائس والنصارى التزمنا نرجع لأجل حفظهم، وإلاّ كانوا دشروا، ولله الحمد قايمين بحملتنا وفي عمار الكرسي والطائفة، وفي كل هذه المدة تعبنا تعب بليغ حتى جمعنا غالب رتبها… وعمال نتعب بسبب مدرسة الموارنة برومة ونفعها ونشر تلاميذها. ومن غير تعبنا مع طائفتنا ما تأخرنا أيضًا عن نفع الطوائف التي بجيرتنا…”.

نعم، هذا صحيح إذا علمنا أن البطريرك الدويهي كان محاطاً بالعناية الإلهية طوال حياته. وقد أنعم الله عليه بنعم كثيرة وفضائل عديدة. اشتهر بكثرة علمه وحكمته ونقاء قلبه وصفاء نفسه. كان صبورًا جدًا ومتواضعًا بشكل عظيم. كان حبه نقيًا وقادرًا على إظهار العجائب والكرامات. يقول الأستاذ أنطوان القوال فيه: “هذا الراعي الذي عرف اليتم طفلاً، والذي قيض له الله من اعتنى به وأرسله إلى المدرسة المارونية في روما، كان، على ما نعتقد، في طليعة ما يشغله، عندما نذر نذره، وهو ساجد أمام والدة الله، أن يكرّس وقتًا واهتمامًا للصغار والفتيان أمثاله. ولا نعرف، في تاريخ البطريركية المارونية، من ساوى بطريركنا في بذل العناية والجهود في سبيل تعليم الناشئة وتهذيبها، إذ إنه فور عودته إلى لبنان، باشر فتح المدارس لتعليم الأولاد في إهدن، وفي حلب، ثم في قنوبين غير مدع بعلم ولا متطلب عالي المراتب والوظائف… كان يدعو الصغار إليه. ويسقي أبكار عقولهم  بغيث معارفه ويفسر لهم الأشياء البسيطة بالوداعة وأناة الروح…[2]“.

يشهد البطريرك سمعان عواد فيقول: “كان يؤنس صغار التلامذة وحرضهم على مواظفة العلم ومخافة لله ويأتيهم بالحلوى والمأكل بنفسه ويأكل معهم. وأنا الحقير سمعان عواد قد شرفني بمؤاكلته جملة مرات وكان يحبني إكراماً لعمي المطران يعقوب. وقد دخلت عليه مرة وكان منشغلا بالتأليف والتصنيف فلاطفني وقال لي: متى تأخذ في مثل هذا فليبلغك لله. فأنا أذكر هذا وأفتخر بأني من الذين قد عرفته وتكلموا معه”. وأخيرًا يتابع بمكان آخر كان شديد العناية بالإكليريكيين، يرسل النابغة منهم إلى روما للدراسة، ولا يتوانى عن تقديم أي جهد من أجل تعليمهم وحمايتهم وأرسل العديد من الرسائل إليهم يحضهم على الثبات والعمل. بعد هذا العرض القصير، يظهر جلياً أهمية الصغار لديه ومدى علاقته بهم، فكان يحميهم من كل أذى مهما كان نوعه. يمكننا القول يحميهم “برموش العين” وما ذكرته سابقاً إلا شهادة على ما قلت.

[1]  بطرس شبلي، اسطفانوس الدويهي بطريرك انطاكية 1630 – 1704، منشورات الحكمة، بيروت، لبنان، ص 26 – 27.

[2] أنطوان القوال، كان أباً للصغار، منشورات مؤسسة البطريرك اسطفان الدويهي، زغرتا، لبنان، 1990، ص 7 – 8.

Print Friendly, PDF & Email
Share this Entry

سليمان فرنجيه

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير