للأب د. اغسطينوس رمزي الفرنسيسكاني
مقدمة :
- في الكنيسة تعلّمنا جيمعاً وتلقينا مباديء الإيمان المسيحي, حيث غَرَسَت بداخلنا كم يكون الله محب للإنسان, وكم يكون قريب منا خاصةً في وقت الضيق, فهو يصغي جيداً إلي مُتألمي القلوب والحزاني, و قِيل لنا أنه يَعلَم ما نحتاج لهُ قبل أن نسألهُ .
- ولكن في حقيقة الأمر كل هذا يتصادم ويتعارض لما نختبره في حياتنا العملية .
- لكل إنسان حياة فريدة بالتالي يعيش خبرة فريدة, من منطلق تلك الخبرة , في الغالب كثير منّا يعيش هذه الحالة : حالة التصادم بين ما تعلمناه في الكنيسة وما توارثناه من إيمان مع كل ما نختبرة في الحياة , إذ أن نختبر عكس ما تعلمناه في الكنيسة , أن الله بعيد جداً عن الإنسان , لا يصغي له ولا يُبالي بصراخه. !!
- فنسأل أنفُسنا أمام هذا التصادم ! لماذا لم يسمعني الله ؟ هل هو قريب ام بعيد ؟ هل هو بالأحري موجود ام غير موجود ؟ إذ كان موجود لماذا كل هذا الصمت العقيم ؟
- أجد أخيراً أنني أمام إختيارين ! عليّ أن أختار واحدة منهم ! إما أن أتنازل عن تعاليم الكنيسة أي إيماني المسيحي ! ولكن كيف أعيش بعد ! كيف أعيش بدون الله ؟. إما أن أتنازل عن خبرتي العملية أتنازل عمّا التمسته علي أرض الواقع ! ولكن هذا يجعل مني إنسان غبي إنسان بدون عقل ( عبيط ). إذاً ماذا افعل ؟
للإجابة علي هذا التصادم : من خلال قصة من الكتاب المقدس قصة ( أيوب ) الرجل الذي عاش ملء هذا الصدام. الرجل الشجاع الذي لا يخاف الله ولكن امام صمت الله ينقد ويصارع ولا يتنازل عن شيء , لأنه يعرف جيداً بأنه لم يخطأ في شئ . فلماذا يحدث هذا في حياته !!
اولاً : القصة
الجزء الأول ( حياة أيوب , التجارب التي يمر بها وفقدانه كل شئء , وسوسة زوجته وتشجيعه علي التمرد , عظمة أيوب وصبره .
- يبدأ سفر أيوب, بمقدمة قصيرة يُذكر فيها , وصف أيوب وكم كان إنسان عادل تقي يخاف الله, يقدم الذبائح ويقوم بأعمال البر, كل شئ علي حسب ما وُرد في شريعة موسي .
- فجأة بدون اي تحذير, الله يسمح للشيطان بتجربة أيوب, فيخسر كل شئ. يفقد كل ما كان يمتلك من غناء وثروة يفقد حتي بنيه وبناته , يصبح من أغني الرجال وأشهرهم إلي رجل فقير لا يمتلك شئ
- أيوب بكل صبر يتقبل تلك المأساه لم يخطأ ولم يقل في الله شيء:
فقامَ أَيُّوبُ وشَقَّ رِداءَه وحَلَقَ شَعرَ رَأسِه وٱرتَمى إِلى الأَرضِ وسَجَدَ، وقال: عُرْيانًا خَرَجتُ مِن جَوفِ أُمّي وعُرْيانًا أَعودُ إِلَيه. الرَّبُّ أَعْطى والرَّبُّ أَخَذَ. فلْيَكُنِ ٱسمُ الرَّبِّ مُبارَكًا». في هٰذا كُلِّه لم يَخطَأْ أَيُّوب ولم يَقُلْ في اللهِ غَباو ( ايو ١” ٢٠ – ٢٣).
- في المرة الأولي أيوب جُرِبَ في كل ما يمتلك فلم يقل شئ ولكنه سلّم أمره إلي الله, فيعود الله ويسمح لأيوب بأن يُجرّب في شئ آخر أكثر أهمية وأكثر صعوبة ,حيث يمرض بأمراض مؤلمة, يُصاب بقُرَح قوية جداً, لا أحد يطيق حتي أن يتحمل رائحتها أو رؤيتها. أيوب رغم كل هذا وما يعيشه من خبرة سلبية , لم يعترض ولكن بالأحرى يرد علي زوجته التي كانت تدفعه للتمرد علي الله, ” أَإِلي الآن متمسك :
- فَقَالَتْ لَهُ زَوْجَتُهُ: «أمَا زِلتَ مُتَمَسِّكًا بِاسْتِقَامَتِكَ؟ العَنِ اللهَ وَمُتْ!» فقال لَهَا أيُّوبُ: «تَتَكَلَّمِينَ كَالجَاهِلَاتِ! فَهَلْ نَقبَلُ الخَيْرَ مِنَ اللهَ وَلَا نَقبَلُ الشَّرَّ؟» فَفِي كُلِّ هَذَا لَمْ يَرْتَكِبْ أيُّوبُ إثمًا فِي مَا قَالَهُ (ايو ٢ : ٨ -١٢)
- في بداية الصراع أيوب , لم يتحدث ولكنه بالأحري يقف يتأمل في قصة حياته ويراجعها.