Audience du Mercredi 8 Janvier 2025 @ Vatican Media

يسوع ينظر إلى أعماق كلّ واحد منّا، ويحبّنا كما نحن

النص الكامل للمقابلة العامة مع المؤمنين يوم الأربعاء 9 نيسان 2025

Share this Entry

دروس في التّعليم المسيحيّ

أُعِدَّت للمقابلة العامَّة في سنة اليوبيل يوم الأربعاء 9 نيسان/أبريل 2025

يسوع المسيح رجاؤنا

القسم الثّاني: حياة يسوع. اللقاءات

4. الشَّاب الغنيّ

“حَدَّقَ إِليهِ يسوع” (مرقس 10، 21)

أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء،

اليوم نتوقّف عند لقاء آخر من لقاءات يسوع التي ترويها الأناجيل. وهذه المرّة، الشّخص الذي التقى به يسوع لا يحمل اسمًا. الإنجيليّ مرقس يقدّمه ببساطة على أنّه ”فلان“ (راجع مرقس 10، 17). إنّه رجل حفظ الوصايا منذ صباه، لكنّه، رغم ذلك، لم يجد بعد معنى لحياته. فما زال يبحث. ربما هو شخص لم يتّخذ قراره النّهائي بعد، على الرّغم من مظهره أنّه شخص ملتزم. لأنّ ما يهمّ حقًّا لنكون سعداء ليس مجرّد ما نفعله، أو التّضحيّات التي نقدّمها، أو النّجاحات التي نحقّقها، بل ما نحمله في قلوبنا. إن أرادت السّفينة أن تبحر وتغادر الميناء إلى عرض البحر، قد تكون سفينة رائعة، ولها طاقم متميّز، ولكن إن لم تفكّ المرابط والمراسي التي تثبّتها، فلن تتمكّن أبدًا من الانطلاق. هذا الرّجل بنى سفينة فاخرة، لكنّه بقي في الميناء.

بينما كان يسوع يسير في الطّريق، أسرَعَ إِليه هذا الرّجل، فجثا له وسأله: “أَيُّها المُعَلِّمُ الصَّالح، ماذا أَعمَلُ لأَرِثَ الحَياةَ الأَبَدِيَّة؟” (مرقس 10، 17). لنلاحظ الأفعال: ”ماذا أَعمَلُ لأَرِثَ الحَياةَ الأَبَدِيَّة“. المحافظة على الشّريعة لم تمنحه السّعادة ولا اليقين بالخلاص، لذلك لجأ إلى المعلِّم يسوع. ما يلفت الانتباه هو أنّ هذا الرّجل لا يعرف لغة المجانيّة! بدا له أنّ كلّ شيء يُكتَسَب ويصير حقًّا له، وكلّ شيء واجب. فالحياة الأبديّة بالنّسبة له هي ميراث، شيء يُكتسب ويصير حقًّا له إذا قام ببعض الممارسات الدّقيقة. ولكن في حياة نعيشها بهذه الطّريقة، حتّى وإن كانت بنيَّة حسنة، فما هو المكان الذي يبقى للحبّ؟

وكما هو الحال دائمًا، فإنّ يسوع يتجاوز المظاهر. في حين أنّ هذا الرّجل قدَّم أمام يسوع سيرته الذّاتية الجيّدة، فإنّ يسوع تجاوز ذلك، ونظر إلى داخله. الفعل الذي استخدمه مرقس له دلالة عميقة: “حَدَّقَ إِليهِ” (مرقس 10، 21). لأنّ يسوع ينظر إلى أعماق كلّ واحد منّا، ويحبّنا كما نحن حقًّا. وماذا رأى فعلًا في داخل هذا الرّجل؟ وماذا يرى يسوع عندما ينظر إلى داخلنا ويحبّنا رغم تشتتنا وخطايانا؟ إنّه يرى ضعفنا، ويرى أيضًا رغبتنا في أن يحبّنا الجميع كما نحن.

يقول الإنجيل: لمّا نظر إليه “أَحبَّه” (الآية 21). أحبّ يسوع هذا الرّجل قبل أن يدعوه إلى اتّباعه. أحبّه كما هو. محبّة يسوع مجّانيّة، وهي تمامًا عكس منطق الاستحقاق الذي كان يُقلق هذا الرّجل. نحن سعداء حقًّا عندما ندرك أنّ الله يحبّنا، مجّانًا، نِعمةً منه. وهذا ينطبق أيضًا على علاقاتنا مع الآخرين: طالما نحن نحاول أن نشتري الحبّ أو أن نستجدي المودة، فإنّ هذه العلاقات لن تجعلنا نشعر أبدًا بالسّعادة.

الاقتراح الذي قدّمه يسوع لهذا الرّجل هو أن يغيّر طريقته في العيش وأن يكون على علاقة مع الله. في الواقع، أدرك يسوع أنّ شيئًا ما في داخله ناقص، كما هو الحال فينا جميعًا. إنّها الرّغبة التي نريد بها أن نكون محبوبين. فينا نحن البشر جُرح، وبهذا الجُرح يمكن للحبّ أن يمرّ.

ولسدّ هذا النّقص، يجب ألّا ”نشتري“ اعتراف الآخرين بنا، أو مودتهم لنا، أو احترامهم لنا، بل من الضّروري أن ”نبيع“ كلّ ما هو ثِقَلٌ في حياتنا، حتّى يزداد قلبنا حرِّيَّةً. لا يفيد الاستمرار في الأخذ لأنفسنا، بل في العطاء للفقراء، وفي الاستعداد للخدمة، ومشاركة ما لنا مع الآخرين.

أخيرًا، دعا يسوع هذا الرّجل إلى ألّا يبقى وحيدًا. دعاه إلى أن يتبعه، فيكون ضمن رباط، ويعيش في علاقة. في الواقع، بهذه الطّريقة فقط، سيخرج من الإبهام، سيكون له اسم. يمكننا أن نصغي إلى اسمنا فقط في علاقة، حيث ينادينا أحدٌ. إن بقينا وحدنا، لن نسمع أبدًا من ينادينا باسمنا وسنظلّ ”فلان“، لا اسم لنا. ربّما اليوم، ولأنّنا نعيش في ثقافة الاكتفاء الذّاتي والفرديّة، نجد أنفسنا بائسين، لأنّنا لم نعد نسمع أحدًا ينادينا باسمنا ويحبّنا بمجّانيّة.

لم يقبل هذا الرّجل دعوة يسوع، وبقي وحيدًا، لأنّ أعباء حياته أبقته في الميناء. الحزن هو العلامة على أنّه لم يستطع الانطلاق. أحيانًا نفكّر في أنّ ما نملكه هو غِنًى، لكنّه في الواقع مجرّد ثقل يُعيقنا. الرّجاء هو أن يتمكّن هذا الشّخص، مثل كلّ واحد منّا، في يوم من الأيّام، من أن يتغيّر وأن يقرّر أن يبحر بعيدًا.

أيّها الإخوة والأخوات، لنوكل إلى قلب يسوع كلّ الأشخاص الحزانى والمتردّدين، لكي يتمكّنوا من أن يشعروا بنظرة الحُبِّ في يسوع، الذي يتأثّر عندما ينظر إلى داخلنا بحنان.

*******

© جميع الحقوق محفوظة – حاضرة الفاتيكان 2025

Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير