كانت الساعة قرابة الواحدة ظهراً يوم الخميس 10 نيسان، عندما تحوّلت همسات غير متوقّعة إلى حماسة كبيرة داخل كاتدرائية القدّيس بطرس، ثمّ إلى صَيحات تردّد صداها عبر الأعمدة الرّخاميّة: “إنّه البابا! إنّه البابا!”
في التفاصيل التي أوردها القسم الإنكليزي من زينيت، انقطع إيقاع الحياة الفاتيكانية عندما قام البابا فرنسيس بزيارة غير مُعلَنة، بلا كلمات، وإنسانيّة للغاية. لم يكن هذا لقاءً بابويّاً كبيراً، ولا احتفالاً طقسيّاً مُصمَّماً بعناية، بل كانت لحظة خاصّة، تحوّلت ببساطتها إلى شيء لا يُنسى. فالأب الأقدس، الذي لا يزال يتعافى من المرض فيما هو غائب إلى حدّ كبير عن أعين الجمهور منذ أسابيع، غادر بهدوء دار القدّيسة مارتا ودخل البازيليك من خلال “باب الصلاة”. لم يكن يرتدي ثياب الاحتفالات الطقسيّة، بل وضع بطانية مُقلّمة على رِجلَيه للحماية من البرد، مع أنابيب الأكسجين الأنفيّة التي تشهد بصمت على فترة نقاهته المستمرّة.
أمّا وجهته فقد كانت قبر البابا بيوس العاشر، وهو شخصيّة لطالما عبّر عن احترامه الشخصي العميق له وكرّمه. وكانت هذه هي المرّة الثانية في غضون أسبوع يأتي فيها إلى هذا المكان المقدّس للصلاة بمفرده، بعد يوم الأحد الفائت عندما فاجأ الجميع بظهوره على كرسيه المُدولب.
إنّ زيارة هذا الخميس، على الرغم من كونها أكثر هدوءاً وحميميّة، إلّا أنّها تمتّعت بنفس قدر العمق بالنسبة إلى الحاضرين. لم تكن البازيليك فارغة. ومن بين الحضور، كان هناك عشرات الزوّار والسيّاح والحجّاج، وحتى مرمّمون فنّيون يعملون خلف ستائر مؤقتة نصبتها Fabbrica di San Pietro لأعمال التجديد الجارية. وخلال لحظات، انتشر صمت واحترام مع انتشار خبر حضور البابا. تجمّع الناس، بجنون وإجلال – بعضهم يبكي والبعض الآخر يشاهد فقط. اقترب عدد قليل من الأطفال منه وتلقّوا بركاته، فيما اصطفّ حجّاج آخرون لمجرّد فرصة التواصل البصري، ولِمَدّ يدهم بهدف لمس يده. أمّا رجال الأمن الذين يكونون غالباً هادئين ويقظين، فقد كانوا متأثّرين بشكل واضح.
في سياق متّصل، قال أحد المارّة: “لقد نظر إلينا البابا نظرة عميقة ومُنيرة. لم يكن بحاجة إلى الكلام. صمته قال كلّ شيء”. في الواقع، لم يقل فرنسيس شيئاً ولم يتفوّه بكلمات علنيّة. كانت هناك فقط إيماءات: تلويح، يد مرفوعة للبركة، وابتسامة تحوّلت إلى تحيّة هامسة. لكنّ الحاضرين وصفوا اللحظة بأنها أبلغ من أيّ عظة! وقالت امرأة ركعت لتلقّي البركة: “لم يكن الأمر مجرّد مجيئه، بل كيفية مجيئه – هشّاً، حاضراً، وقريباً منّا”.
بالنسبة إلى حبر أعظم غالباً ما كانت خدمته تدور حول القُرب، لمس الجرحى، احتضان المهمّشين والظهور حيث يكمن الألم، لم يكن يشكّل هذا الحضور استثناءً. حتّى في الضعف، نقل البابا القوّة. حتّى في الصمت، كان يتحدّث كثيراً. وعن هذا، قال زائر آخر: “ركض الجميع عندما سمعوا بقدومه. لم يكن هناك أي إعلان. كان البابا فقط، كما هو. وهذا ما زاد الأمر قدسيّة”.
بعد هذه الزيارة، عاد البابا فرنسيس إلى مقرّ إقامته ولم يترك وراءه أيّ بيان رسمي، بل ترك شعوراً بالنّعمة. في مكان مليء بالفخامة والبروتوكول، بدا لقاء الخميس 10 نيسان العابر بمثابة تذكير بأنّ جوهر الإيمان لا يكمن في المشهد، بل في القُرب والحنان. وبالنسبة لمن شهدوه، فإنّ ذكرى البابا الذي يكتسي ببطانية ويبارك في صمت، ستبقى في أذهانهم إلى ما هو أبعد من تلك الصّلاة التي استمرّت عشر دقائق.