الخدمة البطرسيّة، في عملها لصالح الكنيسة كلّها، أظهرت دائمًا اهتمامها الأخويّ بالكنائس المحلّيّة وبِرُعاتِها لكي تشعر دائمًا بالوَحدة والشّركة في الحقّ والنّعمة الّتي وضعها الرّبّ يسوع في أساس كنيسته.
كان الممثّلون البابويّون المرسلون إلى مختلف الأمم والأقاليم هم الرّكيزة والمرجعيّة الّتي تؤكّد خدمة الكنيسة المتواصلة للشّعوب والكنائس ومودّة البابا وقربه منهم. إنّهم حرّاس لاهتمام الكنيسة الّذي ينطلق من المركز نحو الأطراف، ليُشرِكَ الجميع في اندفاع الكنيسة الإرساليّ، ثمّ يعودون إليها باحتياجاتهم وتأمّلاتهم وتطلّعاتهم. حتّى في الأوقات الّتي يبدو فيها أنّ ظلال الشّرّ أثّرت على كلّ عمل بالضّياع والشّكّ، هم يبقون “عين خليفة بطرس السّاهرة والواعية على الكنيسة والعالم” (فرنسيس، كلمة إلى المشاركين في اجتماع الممثّلين البابويّين، 17 أيلول/سبتمبر 2016). هم مدعوّون ليجعلوا حضور أسقف روما في البلدان التي أُرسلوا إليها “المبدأ والأساس، الدّائم والمنظور لوَحدة الأساقفة ولوَحدة جمهور المؤمنين” (المجمع الفاتيكانيّ الثّاني، دستور عقائدي في الكنيسة، نور الأمم، 23)، ويقومون بعمل رعويّ يُبيِّن روحهم الكهنوتيّ ومواهبهم الإنسانيّة ومهاراتهم المهنيّة.
إلى هذا العمل الكهنوتيّ والبشارة بالإنجيل في الوقت نفسه، لخدمة الكنائس، كلّ كنيسة بمفردها، فإنّ المهمّة الموكولة إلى دبلوماسيّي البابا تشمل أيضًا التّمثيل لدى السّلطات العامّة. إنّها مهمّة تُظهر الممارسة الفعّالة للحقّ البديهي والمستقلّ لتمثيل السُّلطة وهو أيضًا جزء من الخدمة البطرسيّة، التي تقتضي ممارستها احترام قواعد القانون الدّولي في أساس حياة الجماعات في الشّعوب (راجع مجموعة الحقّ القانونيّ، القانون 362). تُظهر أيّامنا هذه أنّ هذه الخدمة لم تَعُدْ تقتصر على البلدان الّتي صار فيها حضور الكنيسة متجذِّرًا بعد إعلان الخلاص فيها، بل تتحقّق أيضًا في الأراضي حيث الكنيسة ما زالت ناشئة، أو في المجتمعات الدوليّة حيث تهتمّ الكنيسة، بواسطة ممثّليها، للمناقشات، وتقيّم محتوياتها، وفي ضوء البعد الأخلاقيّ والدّينيّ المناسب لها، تقدِّم وجهة نظرها في المواضيع الكبرى التي تخصّ حاضر ومستقبل العائلة البشريّة.
لكي يؤدّي الدّبلوماسيّ مهامه على النّحو المناسب، يجب عليه أن يلتزم باستمرار في مسار تنشئة متين ودائم. فلا يكفي أن يقتصر على اكتساب المعرفة النّظريّة، بل من الضّروري أن يطوّر أسلوب عملٍ ونمط حياةٍ يسمحان له بأن يفهم ديناميكيّات العلاقات الدّوليّة فهمًا دقيقًا، ويقدِّم بصورة مقبولة تفسيره للأهداف والصّعوبات التي ستواجهها الكنيسة السّينوديّة دائمًا وبصورة متزايدة. فقط من خلال الملاحظة الدّقيقة للواقع المتغيّر باستمرار، وباعتماد التّمييز السّليم، يمكننا أن نعطي معنى للأحداث ونقترح إجراءات عمليّة. في هذا السّياق، تُعتَبر الصّفات التّالية أساسيّة، وهي القُرب، والإصغاء باهتمام، والشّهادة للإنجيل، والنّهج الأخويّ، والحوار. ويجب أن تقترن هذه الصّفات مع التّواضع والوداعة، حتّى يتمكّن الكاهن، ولا سيِّما الدّبلوماسيّ البابويّ، من ممارسة عطيّة الكهنوت التي نالها على صورة المسيح الرّاعي الصّالح (راجع متّى 11، 28-30؛ يوحنّا 10، 11-18).
كلّ هذا يستدعي اليوم إعدادًا أكثر ملاءمة لاحتياجات العصر، لرجال قادمين من مختلف أبرشيّات العالم وقد سبق لهم أن حصلوا على التّنشئة في العلوم المقدّسة وقاموا بنشاط رعوي أوّلي، وبعد اختيارهم بعناية، يستعدّون لمتابعة رسالتهم الكهنوتيّة في الخدمة الدّبلوماسيّة للكرسيّ الرّسوليّ. ليست القضيّة هي فقط توفير تعليم أكاديميّ وعِلميّ على مستوى عالٍ من التّأهيل، بل هي أيضًا الحرص على أن يكون عملهم عملًا كنسيًّا، مدعوًّا إلى المواجهة الضّروريّة مع واقع عالمنا “خاصّة في زمن مثل زمننا الذي يتميّز بتغيّرات سريعة ومستمرّة وواضحة في مجال العِلم والتّكنولوجيا” (الدّستور الرّسوليّ، Veritatis Gaudium، المقدّمة، 5).
منذ ثلاثمائة سنة تقوم الأكاديميّة الحبريّة الكنسيّة بهذه الوظيفة الخاصّة، وهي مؤسّسة تخطّت بعض الأوقات الصّعبة في التّاريخ، وثبتت على أنّها ”المدرسة الدّبلوماسيّة للكرسيّ الرّسوليّ“، فقامت بتنشئة أجيال من الكهنة الّذين جعلوا دعوتهم العمل في دائرة الخدمة البطرسيّة، فعملوا في الممثّليّات البابويّة وفي أمانة سرّ الدّولة. ولكي تستجيب هذه المدرسة بشكل أفضل للأهداف الموكولة إليها، وعلى مثال أسلافي السّعيدي الذّكر، قرّرتُ أن أُجَدِّد هيكليّتها وأُصادق بصورة خاصّة على قانونها الدّاخلي الجديد، الّذي هو جزء لا يتجزّأ من هذا المرسوم.
لذلك، أُقَرِّر أن تكون الأكاديميّة الحبريّة الكنسيّة، معهدًا بمستوى كلّيّة جامعيّة لدراسة العلوم الدّبلوماسيّة، فتُضاف إلى عدد المعاهد الشّبيهة المنصوص عليها في الدّستور الرّسوليّ، Veritatis Gaudium (راجع الأحكام التّطبيقيّة، 70).
تتمتّع الأكاديميّة بشخصيّة قانونيّة عامّة (راجع Veritatis Gaudium، المادّة 62، الفقرة 3)، وتُدار بحسب الأحكام العامّة أو الخاصّة للقانون الكنسيّ، الّتي تنطبق عليها، وبحسب الأحكام الأخرى الصّادرة عن الكرسيّ الرّسوليّ لمؤسّساته الخاصّة بالتّعليم العالي (راجع المرجع نفسه، الأحكام التّطبيقيّة، المادّة 1، الفقرة 1).
بسُلطة الكرسيّ الرّسوليّ (راجع Veritatis Gaudium، المادّة 2 و6؛ الأحكام التّطبيقيّة، المادّة 1) ستَمنح الدّرجات الأكاديميّة الأولى والثّانية في العلوم الدّبلوماسيّة.
وستقوم الأكاديميّة بمهامها في أحدث الأشكال المطلوبة اليوم للتنشئة والبحث في القطاع التّخصّصي للعلوم الدّبلوماسيّة، وتساهم فيه دراسة التّخصّصات القانونيّة والتّاريخيّة والسّياسيّة والاقتصاديّة، واللغات المستخدمة في العلاقات الدّولية والخبرة العلميّة. وفي هذا التّجديد، لا بد من الحرص لتكون البرامج التّعليميّة مرتبطة ارتباطًا وثيقًا بالتّخصّصات الكنسيّة، وبأسلوب العمل في الكوريا الرّومانيّة، وبحاجات الكنائس المحلّيّة، وعلى نطاق أوسع بعمل البشارة بالإنجيل، وعمل الكنيسة وعلاقتها بالثّقافة والمجتمع البشري (راجع المرجع نفسه، المادّة 85؛ الأحكام التطبيقيّة، المادّة 4). في الواقع، هذه هي العناصر الأساسيّة في العمل الدّبلوماسيّ للكرسيّ الرّسوليّ وقدرته على العمل، والتّوسّط، وتجاوز الحواجز، وبالتّالي تطوير مسارات حقيقيّة للحوار والتّفاوض، لضمان السّلام وحرّيّة الدّين لكلّ مؤمن، والنّظام بين الأمم.
علاوة على ذلك، وبسبب طبيعتها كمعهد أكاديميّ غايته التّنشئة الخاصّة للعاملين في الدّبلوماسيّة الحبريّة، وبسبب غاية برامجها للدّراسة والبحث، أُقَرِّر أن تكون الأكاديميّة الحبريّة الكنسيّة جزءًا لا يتجزّأ من أمانة سرّ الدّولة، الّتي تعمل في نطاقها، وهي جزء في هيكليّتها بصفة خاصّة (راجع الدّستور الرّسوليّ، أعلنوا البشارة، المادّة 52، الفقرة 2).
كلّ ما جاء في هذا المرسوم، له صلاحيّة فوريّة وكاملة وثابتة، على الرّغم من أيّ ترتيب مخالف، ولو كان يستحقّ انتباهًا خاصًّا.
صَدَرَ في روما، قرب ضريح القدّيس بطرس، يوم 25 آذار/مارس 2025، عيد البشارة بالرّبّ، في السّنة الثّالثة عشر من حبريّتي.
فرنسيس
***********
© جميع الحقوق محفوظة – حاضرة الفاتيكان 2025
Copyright © Dicastero per la Comunicazione – Libreria Editrice Vaticana