samaritan-woman

Robert Cheaib - theologhia.com CC BY NC

الإنجيل فسحة لقاء شخصي مع يسوع

واجب الحبّ

Share this Entry

الإنجيل هو المكان الذي يصبح فيه يسوع معاصرًا لي وأصير أنا معاصرًا له. كل لقاء هو دعوة وفرصة لكي تصبح كلمة الله كلمة موجهة إلي شخصيًا ولكي تصبح جسدًا فيَّ، لحمًا ودمًا وحياة فيّ. الإنجيل فسحة لقاء لكيما يصير ذاك الذي جاء “ليُبشِّّر المساكين وينادي للمساكين بالإطلاق للأسرى وشفاء العميان” (لوقا 4: 18؛ أش 61: 1) فرحًا حقيقيًّا وخلاصًا عميقًا ورؤية واضحة لي شخصيًا.

إنّ فن قراءة الإنجيل یتمثل في رؤية ذواتنا بين صفحات الإنجيل. على ضوء هذا المبدأ سنقرأ لقاء يسوع مع المرأة السامرية (یو 4، 1 – 42). من المؤكد أنّ يسوع يخاطب تلك المرأة، ولكنه في الوقت نفسه يخاطب كل شخص لم يكتشف بعد عمق عطشه. تبرز ترنيمة Dies Irae التي تعود إلى القرون الوسطى هذا العنصر. يتحدث النشيد عن جلوس يسوع على البئر، ليقول فجأة: “Quaerens me sedisti lassus” – “لقد جلست على البئر، متعبًا، وأنت تبحث عني أنا!”.

واجب الحب

ولكن دعونا نسير مع النص منذ البداية. یريد يسوع أن یذهب من اليهودية إلى الجليل، ولهذا – كما يخبرنا النص – ” وَكَانَ لاَ بُدَّ لَهُ أَنْ يَجْتَازَ السَّامِرَةَ”. هذا الواجب ليس واجبًا جغرافيًا، نحن أمام ما يمكن أن نعتبره واجبًا لاهوتيًا تمليه المحبة وليس الضرورة. إنه یذكّرنا بقول يسوع لزكا: “يجب عليّ أن أتوقف عندك” (راجع لوقا 19: 5). من أين يأتي هذا الواجب؟ سببه الوحيد هو حب الرب!

في سيكار، يجلس يسوع منهكًا عند بئر يعقوب. لا يجب أن نتشكك البتة من هذا التعب. فهذا التعب بالتحديد وهذا الضعف الذي اختار الكلي القدرة أن يلبسه سيُظهر قوة خلاص الرب التي لا تتعب من البحث عمّن تاه. يكتب القديس أوغسطينوس بهذا الصدد:

قوة المسيح خلقتك، وضعف المسيح أعاد خلقك. قوة المسيح أعطت الوجود لما لم يكن، وضعف المسيح منع ما كان موجودًا من الضياع. بقوته خلقنا، وبضعفه جاء ليبحث عنا.

إنّ ضعف المسيح الجسدي يظهر نزوله وإفراغ ذاته لملاقاة الإنسان، ونزوله لرفع الإنسان. ولقد تغنى المسيحيون الأوائل بهذا النزول، بإفراغ الذات هذا في نشيد نقله لنا القديس بولس في رسالته إلى أهل فيليبي (ارجع فل 2: 7) .

إنها مفارقات، والمفارقة ليست مسكن العبث، بل هي الأرض الخصبة لإدراك عظمة الله. عظمة الله ليست الأبهة، بل هي تنازل الله، قدرته على رفع البشرية، قدرته على تحويل السقوط إلى نهوض. عظمة حب الله هي عظمة وكلية قدرة حبه الذي لا يتردد بعض الآباء بوصفه بالحب المجنون (éros manikón).

كَانَ نَحْوَ السَّاعَةِ السَّادِسَةِ”

هذه هي الساعة نفسها التي صُلب فيها يسوع. والصليب هو المكان بامتياز حيث يصبح ضعف يسوع قوتنا، والحكم عليه فداءً لنا، وجراحه شفاءً لنا (ارجع أش 53: 5). إن الترنيمة التي استشهدت بها أعلاه توازي بين البئر والصليب: “Quaerens me sedisti lassus; redemisti crucem passus” (لقد جلست على البئر، متعبًا، وأنت تبحث عني أنا، فدیتني بمعاناة الصليب). كلا المكانين هما موضعان ورمزان للزواج.

في الذاكرة التوراتية، الآبار هي أماكن لقاء الحب، أماكن زوجية حيث التقى البطاركة بزوجاتهم. فخادم إبراهيم يجد رفقة زوجة إسحق المستقبلية عند بئر (تك 24)؛ ويعقوب أيضًا یلتقي بحبيبته راحيل بالقرب من بئر؛ وموسى كان أول لقاء له مع زبورة عند البئر (خر 2). لذا، لا يجب أن يغيب عن القارئ اللبيب أن یوحنّا یلمّح إلى قراءة زواجيّة لنص المرأة السامريّة. أين العجب، واللقاء بين الله والبشريّة في التجسّد هو لقاء زوجي روحي وصوفي. الكلمة صار جسدًا ليتزوج من إنسانيتنا، ليتحد بنا. لنتذكر أنّ المرأة السامرية تمثل رمزيًا لقاء يسوع مع الوثنيين، بعد أن قدم یوحنا الفصل الثالث لقاء يسوع مع نيقوديموس كرمز للقاء يسوع مع اليهود.

سنتأمل في الأيام المقبلة ببعض أحداث آلام المسيح انطلاقًا من هذه البوابة الزوجية، لأن عمق سر التجسد وسر الآلام هو اللقاء والاتحاد بالختن الإلهي، الذي خلقنا له وتجسد لكي يتحد بنا في عمق التاريخ.

Share this Entry

د. روبير شعيب

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير