بلدة فاطيما في البرتغال :
فاطيما بلدة تقع في وسط البرتغال، على بُعد حوالي ١٠٠ كيلومتر شمال لشبونة. تتكون من قرى صغيرة عديدة مختبئة في مرتفع يُعرف باسم سييرا دي إيريا ،تُسمى هذه القرية ألجوستريل ، وهنا، وبالتحديد في المراعي الصخرية المحيطة، تدور أحداث تاريخنا عن ظهور ات العذراء مريم.
هناك، عندما كانت أوروبا تعيش في خضم الحرب العالمية الأولى، أرادت السيدة العذراء أن تظهر لثلاثة أطفال : شقيقان، جاسينتا ٧ سنوات ، وفرانسيسكو مارتو ٨ سنوات ، وابنة عمها لوسيا دوس سانتوس ١٠ سنوات ، من عائلات متواضعة جداً، نصف أميين، يتعلمون الإنجيل وتعاليم السيد المسيح على يد أباء كهنة محترفين، وموهوبين بتدين وبإيمان عميق.
على الرغم من أن الثلاثة كانوا رائين، لأنهم رأوا السيدة العذراء كنعمة روحية، إلا أن لوسيا وحدها من تحدثت إليها العذراء مريم . أما جاسينتا فقد استمعت إليها فقط، واستمتع شقيقها فرانسيسكو أيضاً بالرؤية، لكنه لم يستطع الاستماع إلى العذراء. ظهرت لهم العذراء القديسة ، ست مرات ما بين ١٣ مايو / أيار و١٣ أكتوبر / تشرين الأول ١٩١٧. وخلال هذه الظهورات، أخبرتهم سيدتنا الكلية القداسة أن السماء ستمنح السلام للعالم أجمع إذا استُجيبت طلباتهم بالصلاة والتكفير والتكريس لقلب يسوع إبنها ولقلبها الأقدس قائلةً : ” إذا فعلوا ما أقوله لهم ، … فسيكون لهم السلام ” .
شرحت سيدتنا للأطفال أن الحرب عقاب على الخطيئة، وحذرتهم من أن الله سيعاقب عصيان العالم لإرادته بالحرب والجوع والاضطهاد ضد الكنيسة والأب الأقدس الأساقفة والكهنة والمؤمنين . وتنبأت العذراء القديسة بأن روسيا ستكون ” أداة العقاب ” المختارة من الله، التي ستنشر الإلحاد والتعلق بالماديات ، وستبيد الأمم، وستضطهد المؤمنين في جميع أنحاء الأرض .
” إذا لم يستجيبوا لرغباتي، ستنشر روسيا أخطاءها في جميع أنحاء العالم، مشجعةً الحروب والاضطهاد ضد الكنيسة و سيستشهد الصالحون، وسيعاني الأب الأقدس كثيراً ، وستباد عدة دول ” .
في جميع ظهوراتها في فاطيما، شددت السيدة العذراء مراراً وتكراراً على ضرورة تلاوة المسبحة الوردية يومياً ، وإقامة صلاة التعويض المقدس لقلب يسوع ، والقيام بأعمال الرحمة والتضحيات كفارةً عن الخطايا التي يرتكبها البشر يومياً .
وللحيلولة دون العقاب الرهيب على يد روسيا، ولتحويل ” تلك الأمة المسكينة “، طلبت السيدة العذراء تكريس روسيا رسمياً وعلنياً لقلبها الطاهر، من قِبل قداسة البابا وجميع الأساقفة الكاثوليك في العالم. كما طلبت من المؤمنين ممارسة عبادة جديدة للتكفير فيعن الخطايا ، كل أول سبت من الشهر لمدة خمسة أشهر متتالية ” أيام السبت الخمسة الأولى” .
رسالة العذراء مريم للعالم :
تتمثل رسالة السيدة العذراء للعالم فيما يُعرف بـ”السر” الذي عهدت به إلى الأطفال الرائين الثلاثة في يوليو / تموز ١٩١٧.
يتكون السر من ثلاثة أجزاء ، وقد نُشر أول جزءين منها بالفعل.
كان الجزء الأول من السر عبارة عن : رؤية مرعبة للجحيم “حيث تذهب أرواح الخطاة المساكين”، وتضمن نداءً عاجلاً من السيدة العذراء إلى أداء أعمال الصلاة والتضحية لإنقاذ النفوس.
تنبأ الجزء الثاني من السر تحديداً باندلاع الحرب العالمية الثانية، وتضمن طلباً رسمياً من والدة الإله، لتكريس روسيا، كشرط للسلام العالمي . كما تنبأ بالنصر الحتمي لقلبها الطاهر بعد تكريس روسيا واعتناق ” تلك الأمة المسكينة ” الإيمان المسيحي.
الجزء الأخير من السر : يُسمى أحياناً ” السر الثالث ” ، كتبته لوسيا دوس سانتوس، آخر رائيات فاطيما الأحياء، عام ١٩٤٤، وظل في حوزة الكرسي الرسولي من عام ١٩٥٧ حتى ١٣ مايو ٢٠٠٠. أعلنه قداسة البابا القديس يوحنا بولس الثاني في عيد سيدة فاطيما.
دعونا نتذكر الكلمات الأخيرة لسيدة فاطيما، ١٣ أكتوبر ١٩١٧ : “من الضروري أن…” “لا يسيئوا إلى ربنا بعد الآن ” .
صلاة للعذراء مريم سيدة فاطيما :
يا سيدة فاطيما، أم المسيح وأم البشر، ننحني أمامكِ مثل لوسيا وجاسينتا وفرانسيسكو. نرفع أنظارنا نحوكِ لنرى عينيكِ الرحيمة، عيناكِ التي تُحبّ الجميع، عيناكِ المليئة بالمحبة ، ولكن أيضاً عيناكِ المليئة بالخوف والقلق نحو أبناءكِ المبتعثين عن إبنك ورحمته وحنانه .
أنتِ، يا مريم ، يا ممتلئة نعمةً ، انظري في عيوننا الحزينة والمليئة بالخطايا ، عيونٍ تحدّق أحياناً بفقدان محبة الآخرين.
لقد ساعدتِنا مراتٍ عديدة في مختلف الظروف العائلية والشخصية والإجتماعية الصعبة. وفي لحظات الخطر العظيم ، طلبتي من إبنكِ الخلاص للكنيسة المقدسة ، وللعالم أجمع ، ولبلادنا خاصةً . لقد تركناكِ حين ابتعدنا عنك مراتٍ كثيرة ، لكنك لم تتركينا ، حتى أنك شجعتينا أن نتقدم ونعترف بخطايانا أمام الكهنة في سر الإعتراف ، ونتصالح مع ابنكِ الوحيد ومخلصنا يسوع المسيح .
اليوم نطلب منكِ مرةً أخرى نعماً خاصة… [اذكروا النعمة]. وكلنا ثقة ، نؤمن أننا لن نغادر هذه الأرض الفانية ، دون أن تسمعينا وتستجيبي لطلباتنا ،لن نغادرها دون نظرتكِ الدافئة نحو كل واحد منا ، معك أيتها الأُم الحنونة والرؤوفة ، نسأل يسوع ابنكِ أن يستجيب لنا برحمته وأن يحررنا من الخطيئة، وأن يزيدنا إيماننا ورجاءً ومحبة .
يا أم يسوع، يا سيدة فاطيما، يا ملجأ الخطاة، يا سلطانة السلام، يا أمنا السماوية – تشفعي لنا لدى إبنك . آمين.
+المطران كريكور اوغسطينوس كوسا
اسقف الإسكندرية للأرمن الكاثوليك