الرُّوح والعروس. الرُّوح القدس يقود شعب الله إلى لقاء يسوع رجائنا
12. ”الرّوح القدس يشفع لنا“
الرُّوح القُدُس والصّلاة المسيحيَّة
أيّها الإخوة والأخوات الأعزّاء، صباح الخير!
عمل الرُّوح القُدُس المقدِّس، يظهر في كلمة الله والأسرار المقدّسة، وأيضًا في الصّلاة. وفي هذا نريد أن نتأمّل اليوم.
الرّوح القدس هو في الوقت نفسه الذي يصلّي فينا وهو موضوع الصّلاة المسيحيّة. أي هو الذي يعطينا أن نصلّي، والصّلاة تعطينا إياه. نحن نصلّي لكي ننال الرّوح القدس، ونناله لكي نصلّي حقًّا، أي نصلِّي صلاةَ أبناءٍ لله لا صلاةَ عبيد.
أوّلًا، يجب علينا أن نصلّي لننال الرّوح القدس. في هذا الموضوع، يوجد في الإنجيل قولٌ واضح ومحدّد ليسوع: “فإِذا كُنتُم أَنتُمُ الأَشرارَ تَعرِفونَ أَن تُعطوا العَطايا الصَّالِحَةَ لأَبنائِكم، فما أَولى أَباكُمُ السَّماوِيَّ بِأَن يَهَبَ الرُّوحَ القُدُسَ لِلَّذينَ يسأَلونَه!” (لوقا 11، 13). كلّ واحد منّا يعرف كيف يعطي الأشياء الجيِّدة للصّغار، سواء كانوا أبناء أو أحفادًا أو أصدقاء. الصّغار يحصلون دائمًا على أشياء جيّدة منّا. وبالتّالي كيف لا يهبنا الآب روحه القدوس؟ وهذا سيمنحنا الشّجاعة للاستمرار. في العهد الجديد، نرى الرّوح القدس ينزل دائمًا في أثناءِ الصّلاة. نزل على يسوع في المعموديّة في نهر الأردن بينما “كانَ يُصَلِّي” (لوقا 3، 21)، ونزل في يوم العنصرة على التّلاميذ بينما “كانوا يُواظِبونَ جَميعًا على الصَّلاةِ بِقَلْبٍ واحِد” (أعمال الرّسل 1، 14).
الصّلاة هي ”القدرة“ الوحيدة التي لنا على روح الله. على جبل الكرمل، كان أنبياء بعل الكذبة يصيحون لتنزل النّار من السّماء على ذبيحتهم، ولم يحدث شيء لهم. لكن عندما بدأ إيليّا يصلّي، نزلت النّار وأحرقت الذّبيحة (راجع 1 ملوك 18، 20-38). الكنيسة تتبع هذا المثال بأمانة: فهي تتضرّع دائمًا وتقول ”تعال!“ كلّما توجّهت إلى الرّوح القدس. وخاصّة في القدّاس، ليحلّ مثل النّدى ويقدّس الخبز والخمر في الذّبيحة الإفخارستيّة.
وهناك جانب آخر وهو أهمّ وفيه تشجيع أكثر لنا: الرّوح القدس هو الذي يُعطينا الصّلاة الحقيقيّة. القدّيس بولس يؤكّد بأنّ “الرُّوحَ أَيضًا يَأتي لِنَجدَةِ ضُعْفِنا لأَنَّنا لا نُحسِنُ الصَّلاةَ كما يَجِب، ولكِنَّ الرُّوحَ نَفسَه يَشفَعُ لَنا بِأَنَّاتٍ لا تُوصَف. والَّذي يَختَبِرُ القُلوب يَعلَمُ ما هو نُزوعُ الرُّوح فإِنَّه يَشفَعُ لِلقِدِّيسينَ بِما يُوافِقُ مَشيئَةَ الله” (رومة 8، 26-27).
صحيح، نحن لا نُحسِنُ الصّلاة. وسبب ضعفنا هذا في صلاتنا، كان يُعبَّر عنه في الماضي بكلمة واحدة تُستخدم بثلاث طرق مختلفة: اسم، ومفعول به، وحَال. من السّهل أن نتذكّر قولًا مأثورًا، حتّى لمن لا يعرف اللغة اللاتينيّة، ومن الجيّد أن نحفظه في عقلنا، لأنّه يحتوي على معنى عميق كامل: يقول القول المأثور إنّنا نحن البشر ”mali, mala, male petimus“ وتعني: نحن الخطأة (mali)، نطلب أشياء خاطئة (mala)، وبطريقة خاطئة (male). قال يسوع: “اطلُبوا أَوَّلًا مَلَكوتَه وبِرَّه تُزادوا هذا كُلَّه” (متّى 6، 33). لكن نحن نطلب ما يُزاد لنا أوّلًا، أي مصالحنا، وننسى تمامًا أن نطلب ملكوت الله.
صحيح أنّ الرّوح القدس يأتي لمساعدتنا في ضعفنا، لكنّه يصنع ما هو أكثر وأهمّ: هو يَشهدُ بأنّنا أبناء الله ويجعلنا نصرخ: “أَبَّا، يا أَبَتِ!” (رومة 8، 15؛ غلاطية 4، 6). ليست الصّلاة المسيحيّة مثل الشّخص الذي يتكلّم من أحد طرفَي الهاتف إلى الله في الطّرف الآخر، لا، بل الله هو الذي يصلّي فينا! ونحن نصلّي إلى الله بحضور الله فينا.
في الصّلاة بالتّحديد يظهر الرّوح القدس لنا مثل ”المؤيِّد“، أي المُحامِي والمُدافِع عنَّا. هو لا يتّهمنا أمام الآب، بل يُدافِع عنّا. نعم، هو يُدافِع عنّا ويُقنعنا بأنّنا خطأة (راجع يوحنّا 16، 8)، ويقوم بذلك ليجعلنا نتذوّق فرح رحمة الآب، لا ليسحقنا بشعورٍ عقيمٍ بالذّنب. وحتّى عندما يوبّخنا قلبنا على شيءٍ ما، هو يذكّرنا أنّ “اللهَ أَكبَر مِن قَلْبِنا” (1 يوحنّا 3، 20).
الرّوح القدس يشفع لأجلنا، ويعلّمنا أيضًا أن نشفع بدورنا للإخوة، ويعلّمنا صلاة الشّفاعة. هذه الصّلاة بشكلٍ خاصّ مرضيّة لدى الله لأنّها مجّانيّة ونزيهة. قال القدّيس أمبروزيوس إنّه عندما يصلّي كلّ واحدٍ من أجل الجميع، يحصل أنّ الجميع يصلّون لكلّ واحد، وتصير الصّلاة متعدّدة [1]. هكذا هي الصّلاة. وهذه مهمّة ثمينة وضّروريّة في الكنيسة، وخاصّة في هذا الوقت للتّحضير لليوبيل: أن نتّحد مع المؤيِّد الذي ”يشفع لنا جميعًا بحسب مشيئة الله“.
ليساعدنا الرّوح القُدُس في الصّلاة، فنحن في أمسّ الحاجة إليه! شكرًا.
*******
قِراءَةٌ مِن رسالَةِ القِدِّيسِبولس الرَّسولِ إلى أهلِ رُومَة (8، 26-27)
الرُّوحُ يَأتي لِنَجدَةِ ضُعْفِنا لأَنَّنا لا نُحسِنُ الصَّلاةَ كما يَجِب، ولكِنَّ الرُّوحَ نَفسَه يَشفَعُ لَنا بِأَنَّاتٍ لا تُوصَف. والَّذي يَختَبِرُ القُلوب يَعلَمُ ما هو نُزوعُ الرُّوح فإِنَّه يَشفَعُ لِلقِدِّيسينَ بِما يُوافِقُ مَشيئَةَ الله.
كلامُ الرَّبّ
*******
Speaker:
تَكلَّمَ قَداسَةُ البابا اليَومَ علَى عملِ الرُّوحِ القُدُسِ في الصَّلاةِ المسيحيَّة، وقال: الرُّوحُ القُدُس هو الَّذي يُصَلِّي فينا وهو موضوعُ صلاتِنا. نُصَلِّي لكي نَنالَ الرُّوحَ القُدُس، وعندما يَنزِلُ علينا فإنَّهُ يُساعِدُنا لكي نُصَلِّي، صلاةَ أبناءٍ للهِ لا صلاةَ عبيد. الرُّوحُ القُدُس هو الَّذي يُعلِّمُنا ويُعطِينا أنْ نُصَلِّي، فهو يَشفَعُ لنا بِأَنَّاتٍ لا تُوصَف. أحيانًا، نحن لا نُحسِنُ الصَّلاةَ بِسَبَبِ ضَعفِ صلاتِنا، لأنَّنا نَطلُبُ ما يَهُمُّنا ونَنسَى أنْ نَطلُبَ أوّلًا ملكوتَ اللهِ وبِرَّهُ. لهذا فهو يأتي لِمُساعَدَتِنا ونَجدَتِنا. والرُّوحُ القُدُس يَشهَدُ بأنَّنا أبناءُ اللهِ فَيَجعَلُنا نَصرُخُ في صلاتِنا: أَبَّا، يا أَبَتِ! فتصيرَ صلاتُنا تعبيرًا عن عَلاقَتِنا البَنَوِيَّةِ معَ الله. وهو لنا مِثلُ ”المُؤَيِّد“، أي المُحامِيَ والمُدافِعَ عنَّا. فيُبَيِّنَ لنا خطايانا لِيَقودَنا إلى رحمةِ الله. وأخيرًا الرُّوحُ القُدُس يَشفَعُ لأجلِنا، ويُعَلِّمُنا صلاةَ الشَّفاعَةِ أيضًا لكي نَشفَعَ لأجلِ الآخرين، فنكونَ كنيسةً مُتَّحِدَةً معه في صلاتِها أمامَ الله.
*******
Speaker:
أُحَيِّي المُؤمِنينَ النَّاطِقينَ باللغَةِ العربِيَّة. الرُّوحُ القُدُس هو الَّذي يُلهِمُنا الصَّلاةَ الحقيقيَّةَ، ويُعَلِّمُنا أنْ نُصَلِّيَ مِثلَ أبناءٍ لله، بِثِقَةٍ واستِسلام. باركَكُم الرّبُّ جَميعًا وحَماكُم دائِمًا مِن كُلِّ شَرّ!
*******
جميع الحقوق محفوظة – حاضرة الفاتيكان 2024
_____________
[1] من قايين وهابيل، I، 39.
Copyright © Dicastero per la Comunicazione – Libreria Editrice Vaticana