القديس يوحنا المعمدان، بشيرُ النعمة ورسولُ الحق الذائع الصيت، مِشعلُ الرّب يسوع المسيح قد صار إنجيليَّ النور الأبدي . ها إنَّ الشهادة النبويّة التي دأبَ على تجسيدِها في رسالتِه وأعماله وطوالَ مسيرة حياته يوقعُها اليومَ بدمِه واستشهاده. إنّه السّابق الدائمُ للرّب إذ أعلنَ بميلاده مجيءَ الرّب يسوع المسيح إلى العالم، وجسّدَ رسالته بعِماد التائبين في نهر الأردن منتظراً يسوع الذي سيعلن العماد ” بالروح والحق ” .
عاشَ يوحنا المعمدان مسبقاً موتَ المخلّص الفادي الذي أعطى العالمَ الحياة وذلك بسفكِ دمه عربونَ محبّته للرّب يسوع المسيح .
عبثًا رماهُ الطاغية هيرودُس في زنزانةٍ وقيّده بالسلاسل . فلن تستطيعُ السلاسلُ أن تقيّدَ من فتحَ قلبَه المتحرِّر للملكوت بالمسيح . كيف للظلمة وفظائعُ التنكيل في زنزانةٍ بسيطة أن ينالا من الذي عاين مجدَ الرّب يسوع المسيح وتلقى منه مواهبَ الروح ؟
ها هو قد سلّمَ رأسَه طوعاً للسيّاف ، فكيفَ لمن جعلَ منَ الرّب يسوع المسيح رأسًا له أن يفقدَ رأسَه ؟
ها إنّ السرورُ يغمرُ قلبَه بإتمام دور السّابق في هذا اليوم ورحيله عن هذا العالم . فمن شهدَ للرّب يسوع المسيح الآتي والحاضر وهو على قيد الحياة ، يعودُ لينادي به اليومَ عند الممات. فكيف يقوى مثوى الأموات على احتجاز هذا الرسول المتحرِّر من قبضته ؟ يغمرُ الصالحين والأنبياءَ والشهداءَ فرحُ مرافقة يوحنا لملاقاة الملخّص فيحيطونه بالتهاليل والتّسابيح ولهيب المحبة ، ويرجون معه منذ الآن مجيء الرّب يسوع المسيح إلى خاصّتهِ .
يوحنا المعمدان ، مات من أجل الربِّ يسوع المسيح :
لم يعيش يوحنّا من أجل نفسه كما ولم يمت من أجل نفسه . فكم من البشر المثقلين بالخطايا أوصلتهم حياته الصارمة والقاسية إلى الاهتداء ؟
وكم من البشر شجّعهم موته غير المستحقّ على تحمّل محنهم ؟
ونحن ، من أين تأتي المناسبة لشكر الله بإخلاص على ذكرى يوحنّا الذي قُتل من أجل العدالة والحق والحقيقة ، أي من أجل الرّب يسوع المسيح .
أجل ، لقد ضحّى يوحنّا المعمدان بحياته من كلّ قلبه من أجل حبّ المسيح . لقد فضّل أن يحتقر أمر الطاغية هيرودُس على أن يحتقر أمر الله .
يعلّمنا القديس يوحنا المعمدان أنّ لا شيء أغلى عندنا من إرادة الله ، وأنّ إرضاء الناس ليس بالأمر المهم ، بل غالباً ما يضرّنا بشكل كبير … لذلك ، فلنَمتْ عن خطايانا مع كلّ أصدقاء الله ، ولنَدسْ على حبّنا المنحرف ولنَسهرْ على أن ننمّي فينا حبّ الرّب يسوع المسيح المضطرم .
يا سابق الفادي العظيم ، لن يتأخر من سيحرِّرُكَ من الموتِ إلى الأبد . هلُّم وادخل برفقة الرب يسوع مع موكب القديسين خدر المجد الإلهيّ .
أخي المؤمن كنّ على مثال القديس يوحنا المعمدان : ” صوت صارخ في البرية : أعُّدوا طريق الرّبّ ، وأجعلوا سُبُلَه قويمة ” ( مرقس ١ : ٢ )
كن رجل الحق، رجل المواقف، رجل الجرأة، ضد هيروديسيّ اليوم .
كن وجل الرسالة والشاهد لمحبّة المسيح .
كن معمدان اليوم ، ممهداً ومعطياً للمسيح بشهادة حياتك وبرسالتك في عائلتك ، وكنيستك ، ومجتمعك ووطنك ، كن صوتاً صارخاً ضد الخطيئة، حاملاً خطايا الآخرين، داعياً إليهم بالتوبة والعودة إلى الله .
كن مستعداً لتقديم حياتك في سبيل الحق. أظهر الشجاعة وكن قوياً ومثالاً لكُلِّ الذين تلتقي بهم خلال حياتك للإنطلاق معهم نحو الله ، نحو الإنسان ونحو الخليقة .
صلاة :
يا رب ، بحق ذلك الصوت الصارخ في البرية ،
أعطنا أن نكون :
صوتاً صارخاً ينشر محبتك ويُطالب بالحقِّ والعدل بكُلِّ جراءة .
صوت الضمير الحي .
صوت الرحمّة الإنسانية ،
صوت من لا صوت لَهُ .
أعطنا من تواضعك فنعرف أننا لاشيء إن لم نمتلئ من روح الله .
أعطنا من عشقك للخالق فتزهد من هذه الدنيا الفانية ونطمح للملكوت .
أعطنا زهدك فتكون قوتنا كلمة الله المحيية والمُغنية .
أعطنا من شجاعتك فلا نخاف الموت ونصرخ مع يوحنا المعمدان : ” توبوا قد إقترب ملكوت السماوات ” ( متى ٣ : ٢ ) .
+المطران كريكور اوغسطينوس كوسا
اسقف الاسكندرية للأرمن الكاثوليك