“القديسون هم الذين يجعلون الكنيسة تتقدم، فهم الذين يعطون هذه الشهادة” هذا ما شرحه البابا فرنسيس خلال لقائه مع الحركات الرسولية يوم السبت 18 مايو في ساحة القديس بطرس. أجاب البابا عن أربعة أسئلة مهمة كنا قد نشرنا السؤال الأول وإليكم اليوم السؤال الثاني الذي وجهه الشباب للبابا.
***
صاحب القداسة، تجربتي هي تجربة الحياة اليومية، كالآخرين. أنا أحاول أن أعيش إيماني في مكان عملي، في التواصل مع الآخرين، كالشهادة الصادقة للخير التي تلقيتها من خلال لقائي مع الرب. أنا، أو بالأحرى نحن “أفكار الله” مستثمرة بمحبة غامضة أعطتنا الحياة. أنا معلمة في مدرسة ووعي هذه الحقيقة يعطيني حافزًا لأكون متحمسة من أجل تلاميذي وزملائي. أنا أجد أن غالبًا ما يبحث الكثيرون عن السعادة على طرق الحياة حيث تتحول المسائل الكبرى الى مادية أولئك الذين يطمحون لنيل كل شيء ويبقون غير مكتفيين، أو الى العدمية التي لا تجد معنى في أي شيء.أنا أتساءل كيف أن اقتراح الإيمان، الذي هو عبارة عن علاقة شخصية، لجماعة، أو لشعب، يمكنه أن يصل الى قلب الرجل والمرأة في عصرنا. نحن خلقنا للانهاية- “راهنوا في حياتكم على أشياء كبيرة”- هذا ما قلتموه لنا في الآونة الأخيرة، ومع ذلك، فحولنا وحول شبابنا، كل شيء يبدو وكأنه يقول أنه يجب علينا أن نرضى بالنتائج المتواضعة، والسريعة، وبأن على الإنسان أن يتكيف بالمحدودية من دون أن يبحث عن شيء آخر. نحن أحيانًا نخاف كمكان حال التلاميذ عشية العنصرة.
تدعونا الكنيسة الى التبشير الجديد. أنا أظن بأننا جميعًا، نحن المتواجدين هنا، نشعر بشدة بهذا التحدي المتواجد في قلب تجرباتنا. لذلك أود أن أسألكم، يا صاحب القداسة، أن تساعدني، وتساعدنا لكي نفهم كيف نعيش هذا التحدي في عصرنا. ما هو بالنسبة إليك، الشيء الأكثر أهمية، الذي يجب علينا كلنا كحركات وجمعيات وجماعات أن ننظر إليه لننفذ هذه المهمة التي نحن مدعوون للقيام بها؟ كيف ننقل الإيمان بشكل فعال اليوم؟
سأقول ثلاث كلمات.
الأولى هي يسوع. من هو الأهم؟ الأهم هو يسوع. إن مضينا قدمًا بتخطيطٍ وأشياء أخرى، أشياء جميلة بالفعل، ولكن من دون يسوع فيكون هناك خطأ ما. إنّ يسوع هو الأهم. أود الآن أن أوجه لكم معاتبة صغيرة، ولكن بأخوية بيننا. لقد صرختم جميعًا في الساحة منادين: “فرنسيس، فرنسيس، بابا فرنسيس.” ولكن أين كان يسوع؟ كنت أتمنى أن تنادوا: “يسوع، يسوع هو الرب، وهو حقًّا بيننا.” من الآن وصاعدًا لا أود أن أسمع كلمة “فرنسيس” بل “يسوع.”
الكلمة الثانية هي الصلاة. . انظروا الى وجه الله، ولكن فوق كلّ شيء، وهذا متعلق بما قلته سابقًا، يجب أن تشعروا بأنه ينظر اليكم أيضًا. الرب ينظر الينا، هو أول من ينظر. هذا ما أشعر به حين أتوجه في المساء للصلاة أمام بيت القربان. في بعض الأحيان أغفو قليلا؛ نعم هذا صحيح، لأنه مع تعب النهار من الطبيعي أن نغفو قليلًا. ولكن هو يفهمني. وأشعر بارتياح شديد حين أفكر بأنه ينظر إلي. نحن نعتقد بأنه يجب علينا أن نصلي، ونتكلم، ونتكلم، ونتكلم…كلا! دعوا الرب ينظر اليكم. حين ينظر الينا، يعطينا القوة، ويساعدنا بأن نشهد له- لأن السؤال تمحور حول الشهادة للإيمان أليس كذلك؟ ولكن “يسوع” في المقام الأول، ومن ثم تأتي “الصلاة”- نشعر بأن الله يمسك بأيدينا. إذًا أنا أشدد على أهمية ذلك: أن ندعه يقودنا. هذا أهم من أي مسألة حسابية أخرى. نحن إنجيليون حقيقيون إن تركناه يقودنا. فلنفكر ببطرس: لربما كان يأخذ قيلولة بعد الغذاء، وأبصر رؤية، رأى فيها المنامة والحيوانات، وسمع بأن يسوع كان يقول له شيئًا ما لكنه لم يفهم. في هذه اللحظة جاء للبحث عنه عدد كبير من الناس غير اليهوديين ليأخذوه الى منزل، وحينها رأى أن الروح القدس كان هناك. ترك بطرس يسوع يقوده ليصل الى هذا التبشير الأول للأمم غير اليهوديين: كان هذا شيئًا لا يمكن تصوره في ذلك الوقت (أعمال 10، 9-33). وهكذا التاريخ كله، كله! أن ندع يسوع يقودنا. هو حقًّا القائد، قائدنا، يسوع.
ثالثًا، الشهادة. أولا، يسوع، ومن ثم الصلاة-الصلاة: وأن ندعه يقودنا وأخيرًا الشهادة. ولكن أود أن أضيف شيئًا. إن قيادة يسوع لكم تقودكم الى مفاجآت يسوع. يمكننا أن نفترض بأنه يمكننا إعداد برنامج التبشير حول طاولة، مفكرين باستراتيجيات، ومحضرين مشاريع. ولكن هذه كلها أدوات، أدوات صغيرة. المهم هو يسوع وأن ندعه يقودنا. بعد ذلك يمكننا أن نخطط لاستراتيجيات وإنما هو أمر ثانوي.
أخيرًا، الشهادة: إن الإيمان لا يمكن أن ينقل إلا عبر الشهادة أي عبر المحبّة. ليس من خلال أفكارنا بل الإنجيل الذي نعيشه في وجودنا والذي يبعثه الروح القدس في داخلنا. يشبه ذلك بتآزر بيننا وبين الروح القدس، وهذا يقود الى الشهادة. أما الكنيسة فالقديسون هم الذين يجعلونها تتقدم، هم الذين يعطون هذه الشهادة. وكما قال كل من يوحنا بولس الثاني وبندكتس السادس عشر، إن عالم اليوم بحاجة ماسة الى شهود. لا الى معلمين، بل الى شهود. لا تتكلموا كثيرًا بل تكّلموا من خلال طريقة عيشكم أيّ إستقامة حياتكم! إن استقامة الحياة تعني عيش المسيحيّة كلقاء مع يسوع الذي يقودني نحو الآخرين وليس كواقعٍ إجتماعيّ. على المستوى الإجتماعي، هذا ما نحن عليه، نحن مسيحيّون، منغلقون على ذاتنا. كلا، لسنا كذلك. فلنشهد!
***
نقلته الى العربية نانسي لحود- وكالة زينيت العالمية