عقدت ظهر أمس أمانة سر بطريركية أنطاكية للسريان الكاثوليك، مؤتمراً صحافياً في المركز الكاثوليكي للإعلام، أعلنت خلاله عن المطران الشهيد مار فلابيانوس ميخائيل ملكي، طوباوياً. وكان الحبر الأعظم البابا فرنسيس قد أصدر قرارا قضى بإعلان تطويبه في لقاء قداسته مع الكاردينال أنجلو اماتو، رئيس مجمع القديسين، مساء السبت 8 آب الجاري، بعد أن ختمت أعمال دعوى التطويب التي دامت خمس سنوات. وسيقام احتفال بذبيحة القداس الإلهي الحبري الذي سيترأسه صاحب الغبطة مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان بطريرك أنطاكية للسريان الكاثوليك، في كنيسة دير سيدة النجاة البطريركي ـ الشرفة، درعون ـ حريصا، في تمام السادسة والنصف من مساء السبت 29 آب الجاري، وهو اليوم عينه الذي فيه استشهد الطوباوي الجديد لمئة عام خلت.”والأحتفال يبدأ بإعلان الكاردينال أنجلو أماتو موفد قداسة البابا قرار تطويب المطران الشهيد، الذي ستعرض إيقونته فوق المذبح. وسيشارك آباء سينودس الكنيسة السريانية الكاثوليكية، وكذلك بطاركة وأساقفة عديدون يمثلون الكنائس الشقيقة، وجمع غفير من المؤمنين القادمين من أبرشيات الكنيسة السريانية في الشرق والعالم. وستوزع على المؤمنين صورة الطوباوي الجديد مع صلاة تطلب شفاعته. وسيحتفل البطريرك يونان بقداس الشكر يوم الأحد 30 آب الجاري في دير الشرفة الساعة الحادية عشرة صباحاً.
شارك في المؤتمر المعاون البطريركي وسليل عائلة الطوباوي الجديد المطران مار فلابيانوس يوسف ملكي، مدير المركز الكاثوليكي للإعلام، الخوري عبده أبو كسم، ، أمين سر بطريركية السريان الكاثوليك، ومسؤول الإعلام في البطريركية الأب حبيب مراد، وحضور الإعلاميين والمهتمين.
الخوري أبو كسم
بداية رحب الخوري عبده أبو كسم بالحضور باسم رئيس اللجنة الأسقفية لوسائل الإعلام، سيادة المطران بولس مطر والذي تغيب اليوم بسبب وفاة المثلث الرحمات المطران مارون صادر وقال:
“نجتمع اليوم في المركز الكاثوليكي للإعلام، لنعلن عن نشاطات تطويب المطران الشهيد مار فلابيانوس ميخائيل ملكي، الذي استشهد منذ مئة عام على يد السلطنة العثمانية، وسوف يتمّ تطويبه في لبنان نهار غد السبت، بحضور ممثل عن قداسة الحبر الأعظم البابا فرنسيس، الكاردينال أماتو الذي سيحضر خصيصاً لإعلان هذا التطويب.”
تابع “إنه لفرح كبير، وشرف كبير أن نعلن هذا الخبر ونضيء على حياة هذا المطران الشهيد الذي عاش حياته بروح القداسة والإيمان المستقيم. وهو في الأساس من الكنيسة السريانية الأرثوذكسية وعندما نمت في قلبه الدعوى دخل إلى الدير لكنه عاد وانتمى إلى الكنيسة السريانية الكاثوليكية، وسيم كاهنا واسقفاً واستشهد مع أنه أعطيت له فرصة لكي ينجو بنفسه ويترك رعيته أثناء هذه المذبحة الشنيعة، كان هناك صديق له مسلم حاول أن ينقذه فأبى المطران ميخائيل ملكي أن يترك رعيته واستشهد معهم ورميت جثته في النهر ونال أكليل الشهادة.”
أضاف “المهم اليوم إن إعلان هذا الطوباوي يأتي في زمن يشبه إلى حد بعيد زمن المجازر التي ارتكبت بحق السريان والأرمن منذ 100 عام، والتي ارتكبت ايضاً بحق اللبنانيين بطريقة أخرى، تحن عانينا ايضاً من هذه المجازر عبر السخرة والمجاعة وسقط لنا في جبل لبنان الكثير من الناس الذين قضوا جوعاً بفضل تعنت وأضطهاد السلطنة العثمانية لكل المسيحيين.”
تابع “اليوم المسيحيون يهجرون ويقتلون في سوريا والعراق والموصل والحسكة ودير الزور على ايدي منظمات إرهابية، لا لشيء سوى لأنهم مسيحيين، يأتي تطويب المطران الشهيد ليكون علامة رجاء وقوة لنا جميعاً، إننا مهما اشتدت الصعاب، ومهما حاولوا أن يقضوا على هذه الكنيسة وعلى المؤمنين المسيحيين، “نحن نؤمن أننا مثل حبة الحنطة التي إن لم تقع في الأرض وتمت تبقى مفردة وإن ماتت أعطت ثماراً كثيرة”، إن الإضطهاد والشهادة والإستشهاد هو من االميزات الأساسية لكل إنسان مسيحي، فالموت لا يخيفنا. لأننا إن متنا مع السيد المسيح فسنحيا معه.”
وختم الخوري أبو كسم “هنيئا ًللطائفة السريانية الكاثوليكية بإعلان الطوباوي الجديد المطران ميخائيل ملكي، طوباوياً على مذابح الكنيسة، هذه الكنيسة التي خسرت بالأمس أهم دير في منطقة حمص (من القرن السادس) والذي يدل على عمق وتراث الكنيسة السريانية الكاثوليكية، واليوم هذا التطويب علامة رجاء لنقول لكل العالم “نحن أبناء الرجاء، أبناء الحياة، فلا نخاف دمروا ما شئتم، واقتلوا ما شئتم، ونحن بنعمة المسيح باقون، وابواب الجحيم لن تقوى علينا.”
المطران يوسف ملكي
تحدث المطران مار فلابيانوس يوسف ملكي “عن حياة الطوباوي الجديد مستعرضاً مراحل خدمته الكهنوتية منذ دخول دير الزعفران في ماردين (تركيا اليوم)، حتى دخول دير الشرفة في لبنان حيث انضوى إلى الأخوية الأفرامية، ثم رقي إلى الكهنوت في حلب، وعين لخدمة دير مار أفرام في ماردين، ثم أفرز للخدمة في ديار بكر، وبعدئذٍ عين نائباً عاماً على الأبرشية ورقي إلى رتبة خورأسقف.”
ثم تكلم عن “خدمته في مسقط رأسه بلدة قلعتمرا، حيث أسس رعيةً ومعها مدرسة لتعليم الأطفال ثم ابتنى كنيسة مار جرجس الشهيد فيها. هذا إلى جانب اتعابه وجهوده خلال
تسلمه مهام النيابة البطريركية في ماردين ببناء الصرح البطريركي السرياني في مدينة ماردين الذي اصبح الآن متحفاً وطنياً في تركيا.
وعرض مراحل خدمته في أبرشية جزيرة أبن عمر (تركيا اليوم) حيث عينه قداسة البابا بيوس العاشر مطراناً عليها بعد أن طالب به أسقفاً أبناء الأبرشية من إكليروس ومؤمنين. وبعد أن سيم اسقفاً في بيروت أهتم برعاية أبرشية الجزيرة لمدة سنتين، حتى حلّت عام 1915 اضطهادات سيفو الإجرامية، فآثر البقاء مع الرعية يثبت المؤمنين مكراًراً قوله الشهير (أبذل دمي عن خرافي)، فاعتقل وعذب وقتل رمياً بالرصاص ورمي في نهر دجلة في 29 آب 1915.”
الأب مراد
ثم تكلم الأب حبيب مراد وقال: “منذ استشهاد المطران ميخائيل ملكي، ذاع صيت قداسته وفاح عطرها حتى راح الإكليروس والمؤمنون في الكنيسة السريانية يطالبون بإعلان قداسته. وجرت عدة محاولات لبدء دعوى التطويب، كان أبرزها في عهد البطريرك الكاردينال مار اغناطيوس جبرائيل الأول تبوني، في اربعينات وخمسينات القرن العشرين، ثم أهمل الموضوع حتى أعيد فتح الملف وتقديم الدعوى في عهد البطريرك مار اغناطيوس بطرس الثامن عبد الأحد عام 2003، ولظروف عدة لم تتابع الدعوى. حتى قام غبطة البطريرك مار اغناطيوس يوسف الثالث يونان فأعاد تهيئة الملف، وشكل في 5 نيسان عام 2010 المحكمة الأبرشية في لبنان التي تولت التحقيق في فضائل هذا الشهيد البار، تاريخياً وقانونياً وعلمياً، وختمت الملف في 30 أيلول 2012.
ثم رفعه البطريرك يونان إلى الكرسي الرسولي وعين مدافعاً عن الدعوى وتتابعت المراحل والأصول المرعية وصولاً إلى تقديمها إلى قداسة فرنسيس من قبل الكاردينال أنجلو أماتو رئيس مجمع دعاوى القديسين، فوجه قداسته الدوائر الفاتيكانية المعنية إلى الإسراع في إنهاء هذا الملف، وبفترة قياسية صدر المرسوم الباباوي بإعلان التطويب يوم السبت 8 أب 2015، وكان إصرار من قداسة البابا أن يعلن التطويب رسمياً في يوم الذكرى المئوية لوفاة الطوباوي الجديد في 29 آب الجاري.
وأكد الأب مراد إن هذا التطويب هو علامة رجاء للكنيسة في الشرق بأسرها في هذه الظروف العصيبة، حيث نرى المجازر تتكرر والإضطهاد يتجدّد، فلا نترك إيماننا، بل نتشبث به مهما اشتدت الصعوبات.
وذكر بأن هذا التطويب هو دعوة للكهنة والمكرسين إلى تجديد عهدهم مع الربّ وعيش دعوتهم وتكرسهم بالتجرد والتفاني خدمة للرسالة والعمل الراعوي وطاعة للكنيسة، بالعودة إلى المنابع وجذور التكريس، مستعرضاً بعض أقوال الطوباوي: “الموت ولا مخالفة الطاعة، أريد أن افتدي النفوس بمالي وحياتي، أبذل دمي عن خرافي، باسم يسوع ألقي شبكة الإنجيل“.
أردف بأن هذا التطويب هو دعوة إلى وحدة الكنيسة السريانية بشقيها الكاثوليكي والإرثوذكسي، هذه الوحدة التي لطالما نادى بها وتاق إلى تحقيها الطوباوي الجديد. ونحن نشكر الله أننا في هذه الأيام نعيش تجليات لهذه الوحدة بالعلاقات الوطيدة الطيبة التي تربط الكنيستين الشقيقتين، حيث أصبحتا تعتبران أنهما كنيسة واحدة وشعب واحد وإيمان واحد ولغة واحدة، ذاكرين بشكل خاص الدور المميز في هذا الإطار للبطريرك يونان ولمثلث الرحمات البطريرك مار اغناطيوس زكا الأول عيواص، واليوم للبطريرك مار اغناطيوس افرام الثاني. ونصلي إلى الله أن يحقق هذا الحلم ببركته وشفاعة الطوباوي الجديد.
وبعد أن عرض الأب مراد برنامج احتفالات التطويب، أشار إلى أن ما بقي من ذخيرة من الطوباوي الجديد هو التاج الحبري الذي لبسه يوم رسامته اسقفاً، ومنه ستؤخذ ذخائر للبركة، وسيعرض في كنيسة الدير لبركة المؤمنين.
وختم بشكر الرب على هذه البركة العظيمة طالباً صلاة وشفاعة الطوباوي الجديد في أيام الضيق هذه لتكون سوراً حصيناً لمسيحيي الشرق والعالم.”