Public domain, via Wikimedia Commons

رأفةً برسالة القديسة فيرونيكا جولياني

علّنا نكون من الأصدقاء الأربع نساعد المخلّع المحتاج أن يصل ليسوع الرحمة

Share this Entry

إنّ كنيستنا لم تكن يوماً عاقرًا: إنما هي تولّد القديسين وتعلن سمات قداسة بعضهم لتجعل من نمط حياتهم ونموهم في العلاقة مع الرب ومن تعاليمهم وتجاربهم وخبراتهم نماذج أمامنا نستفيد منها للتقدم في مسيرتنا الروحية. وتكاد لا تخلو منطقة أو بلد في العالم من قديس مُعلن، لا  بهدف خلق أندية مقفلة لكل منطقة أو بلد و لكن ليتسنى للجميع الإستفادة من غنى تنوّع الخبرات الروحية.

إذاً ليس المطلوب أن نتقوقع على قديسي مناطقنا وطبعاً ليس المطلوب أن نعتبر قديسي البلدان المختلفة عنا في خانة ” الأفضل” ممن برزوا في ربوعنا.

إنما المطلوب هو الوعي في شرح وفهم سيرة كل قديس والإضاءة السليمة على ما جعل منه قديساً على مذابح الكنيسة جمعاء لفائدة الكنيسة جمعاء.

تصاعد في الآونة الأخيرة  ضجيج كبير بسبب سوء فهم للقديسة فيرونيكا جولياني وبعض كتاباتها: فانقسم العديدون بين من سمّي مؤيد للقديسة أو “معارض” لها و حتى إنّ البعض لم يرَ في فيرونيكا سوى رؤى جهنم كما يؤخذ على بعضٍ آخر “تحسسهم” ضد القديسة نفسها و صبغها بضلال القرون الوسطى !!!!

لا شك أنّ ما يحصل من الفئتين يضرب رسالة القديسة التي يوصّف عارفو قلمها الكتابات التي خطتها بيدها ب” أنشودة الحبّ الرائعة ” – وعلى هذه الكتابات بالذات قُدمت لتكون معلمة في الكنيسة!!!

قد تكون أوروبا قد ضلّت فعلاً في قرونها الوسطى في مواضيع عدة ولكنّ الكنيسة لم تطوّب ضلالات من هذه القرون المظلمة إنما قديسيها هم أنوار في هذه الظلمة، وفيرونيكا من هذه الأنوار.

غير أنه في المقابل: علينا توضيح أمر بالغ الأهمية من شانه أن يصوّب الأمور إذا تنبهنا له :

أنّ ما كتبته القديسة بأمر الطاعة يندرج تحت خانة الإيحاءات الفردية: ليس المطلوب أن نأخذها بحرفيتها إنما كمادة تؤكد حقائق إيمانية عامة و لكن بلغة القديسة وخبرتها الشخصية ورموز يفهمها أبناء عصرها.

الإيحاءات الخاصة يقول عنها (تعليم الكنيسة الكاثوليكية في الفصل الثاني-10 – الإيحاءات الفردية) أنها لا تدخل في اطار التعليم الرسمي، ولا تشكّل جزءاً من مضمونه، ولكن يمكنها أن تساعد على عيش الايمان الخاص، مع الحفاظ على الارتباط السليم بشخص يسوع المسيح. من هنا نفهم كيف أن بعض القديسين والقديسات المتصوّفين والمتصوّفات تكلموا عن الحقائق الأبدية كالسماء وجهنم وغيرها ولكن بتوصيفات مختلفة! إذاً؟ من هو المحِق بينهم أو بينهنّ؟

السؤال منطلقه مخطىء، فالمهم ليس حرفية الكلام أو التوصيف إنما المهم هو الحقيقة وراء هذه الصور والرموز التي إستعملها هؤلاء!

فالقديسة فيرونيكا جولياني تحدثت عن حقيقة الحرب الروحية تماماً كما فعل قديسون كثيرون ومنهم شرقيين كالقديس أنطونيوس الكبير مثلاً و لكن مع تمايز في الصور… فالقديسون  يختلفون بإختلاف البيئة بطرق التعبير و لكن الحقائق وراء هذه التعابير تبقى ثابتة وهي تعلو على مرور الزمان أو إختلاف المكان…

أما بركة القديسين وما يحوّلهم الى حياة قداسة لا يكمن بالرؤى أو الأعاجيب إنما بسر علاقتهم  بذاك المعلّق على الصليب!!

علينا أن ندرك أن جواب فيرونيكا جولياني على الحب بالحب  أولاً ووعي القديسة على تحديّات هذا الحب الجدّية وقبولها كما إدراكها للحقائق الأبدية: كل هذه شكلّت عوامل أوصلتها الى أن تكون “عملاقة” في القداسة!!

اليوم فيرونيكا تقول لعالم يرفض الله و يعيش جحيم ينكر وجوده، أمامك طريقان إما أن تثبت بتعاستك أبدياً أو تختار الله مصدرك و سعادتك و تثبت فيه أبدياً… و في هذا الخيار الأخير قد تحمل صليباً ولكنه سيكون جسرك صوب السعادة المنشودة ولا تخف فالمصلوب يحمل معك !! ليست فيرونيكا بمازوشية إنما هي أيقونة الحب المصلوب ولكنها الحب الشافي الذي لا ينكر حقيقة الألم إنما يحوّلها من حالة اللعنة الى حالة النعمة!!

لمن يعرف الرسالة الفيرونيكية يحزن اليوم لكل هذا الصخب، فالرسالة التي تنضوي على نقاط اربع أساسية، تم إختصارها و التركيز على حرفية واحدة منها، مما جعل من هذه الرسالة تختنق في هذا الضجيج المزعج!!

  • الرسالة الفيرونيكية يتوّجها إعطاء الأولوية لحب الله اللامتناهي و التركيز على أهمية وسع رحمة الرب المتألم لأجلنا و ضرورة أن يدفعنا هذا الواقع، حباً، أن نتوب…
  • و الرسالة تؤكد على واقع إحترام الرب لحريتنا مما يتركنا أمام المسؤولية الهائلة التي يتوجب على كلٍّ منا التحلي بها في سبيل مصيرنا الأبدي: وعلى ضوء هذا الواقع إعادة تأكيد على تعليم الكنيسة في مسألة وجود جهنم وابديتها (1035- 1036- 1037) لا للترهيب بل كدعوة الى التوبة والدخول من الباب الضيق فانه واسع الباب ورحب الطريق التي تؤدي الى الهلاك.
  • في النقطة الثالثة دعوة لإدراك أهمية شفاعة العذراء مريم وعدم إعتبار دورها كأمر ثانوي.
  • وفي النقطة الرابعة تذكرنا الرسالة الفيرونيكية أن الكنيسةهي عائلة واحدة لا بل هي جسد واحد، جسد يسوع السري. وأعضاء الجسد لا تحيا منفصلة، لذلك في اطار شركة القديسين التي تؤسس الكنيسة وتجمعها في جسد واحد متضامن ومترابط: تدعونا لأن نكون قريبين من جميع أبناء الكنيسة خاصة الضعفاء والخطأة أكان في ربوع الكنيسة المجاهدة على الأرض أو المتألمة في المطهر (راجع التعليم المسيحي للكنيسة الكاثوليكية رقم 1030 عن المطهر) الرسالة الفيرونيكية تدعونا أن نكون عضضاً لبعضنا في الصلاة و في المحبة قولاً و فعلاً … من هنا نشارك في عمل يسوع “التعويضي” على الصليب بشكل فعّال وملموس في قلب هذا الرباط السري: لتضحي محبتنا و صلاتنا غذاء لكل أعضاء الجسد (طبعاً مع إحترام رغبة العضو في قبول هذا “الغذاء” أو رفضه).

تكثر إختبارات فيرونيكا جولياني الصوفية والأمور الخارقة في حياتها تكاد لا تعد، ولكن “أمام ظاهرة فيرونيكا جولياني، لايمكننا أبدًا أن نقف موقف ذوي الروحانيّة الزائفة الذين يركضون باحثين دومًا عن الفائق الطبيعة، أو موقف رجل العلم الذي لا يمكنه تخطّي الأطر التحليليّة، بل علينا التحلي بموقف موسى أمام العلّيقة المشتعلة دون أن تحترق: “أريد أن أقترب لأرى هذا المشهد العظيم” (خروج3/3)، هذا ما قاله الأب العلاّمة اريارتيه الكبوشي عن هذه القديسة العظيمة… إذاً نحن مدعوّين، بعيداً عن أي تهويل و تكفير أو تسخيف وتحقير: أن نرى الله في الرسالة الفيرونيكية لعصرنا هذا!

فرأفةً برسالة القديسة هلم نكون علامة لحب الرب وللحقيقة التي وحده يختصرها! و في عملنا لخلاص النفوس… علّنا نكون من الأصدقاء الأربع نساعد المخلّع المحتاج أن يصل ليسوع الرحمة والخلاص ولا نكون ممن يزحم المدخل، ولا ممن ينتهر الأعمى ليسكت بل برفق وتشجيع نساعده على رمي رداء الظلمة ولقاء السيد في النور!!

 

Share this Entry

أنطوانيت نمّور

1

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير