كلمة حق

بقلم جميلة ضاهر موسى

القبيات، الجمعة  8 يناير 2010(Zenit.org) .- من جرن المعموديّة إلى المذبح، يمُرُّ العمر مع كلّ إنسان دَخَلَ في هذا السرّ المقدّس. مِن “أنت هو ابني الحبيب” إلى “خذوا كلوا، وخذوا اشربوا من أجل الحياة الأبديّة”، تُكتَب صفحات كلّ مَن آمن بهذا الابن، وتناوله، راجياً الحياة معه للأبد.

 

Share this Entry

فمن هو هذا الابن؟

إنّه “حمل الله الحامل خطايا العالم” (يو :29) . هو الذيّ كان قبل الأكوان والإنسان، قَبِلَ أن يصير “حَمَلَ الفِصحْ” المتألّم، الذي سيق إلى الذبح (أش52) كي يفتَدينا ويحرّرنا من عبوديّة الخطيئة والموت. هو المحبّة المُكتَمِلة، الكائن منذ الأزل، اعتمد مثلنا، نحن الخطأة، كي يفتح بصيرتنا عليه، لا على شريعة “الخوف من الله” ، أتى كي يستبدل قلوبنا المتحجّرة بأُخرى، من “لحمٍ ودمٍ” ، قادرة على رؤيته في الآخَر، فتكرّمه في سِتْر عُري من يرتجف من البرد ويتجمّد من الصّقيع.

صار مثلنا كي يكشف لنا حقيقة ما صرنا إليه، ومدى فقداننا الحنان والرأفة نحو الآخر. لقد عزّت عليه رؤية كؤوس الذّهب والتّقادم تملأ الهياكل، وليس هناك من “أحد يمنح كأس ماءٍ” (يوحنا فم الذهب). لقد آلَمَتهُ رؤية الحرير والأحجار الكريمة تُرصِّع زينة المذابح وتوابعها، ولا مِن قطعة قِماط تُوهَبُ لِتَلُفّ طفلاً وُلِدَ في كوخ، أو حجر زاوية يثبّت جدار بيتٍ يُحاكي زمن ما قبل التّاريخ لشدّة هشاشتِهِ!

لقد أخذ الألم من قلبه مأخذًا حين رأى مَن خلَقهم على صورته ومثاله، يأسرون النَفس في الأجساد ويكبّلونها حتىّ تكاد لاتميّز بين ما تلبسه وتتزيّن به وبين واجهات متاجر زبائن ال “VIP” الأرضيّة. توَجَّع حين لَبِس البشر قناع التبرّج، وتلوّنوا بألوانِ الدُنيا، حتىّ تكادُ لا تتعرّف على شخصٍ التَقَيتَهُ بالأمس. حَزِن لرؤيتهم يموّهون صَنَميّتهم بالألوان والأشكال و “الإيتيكات” المُمَكننة، المناسبة لكلّ قناع، ويربطون حياتهم بتدجيل المنجّمين وكاشفي المستقبل المزعومين، بورقة لعبٍ، المُسْتَغِلّين صِغارَ النّفوس.

وهناك، على الطُرُقات وتحت الجسور مَن يَقبَع باكياً، ينتظر مَن يسُدّ رَمَقَهُ بكَسرَة خبزٍ، أو يسمح له بِغَسلِ غبارٍ العَوَزِ عن وجههِ؛ وفي زوايا الأكواخ مَن يَنتظر تعزيَةً أو بسمة حقيقيّة، تردّ له الأمل، وتدفعه للإستمرار في الحياة، مُستَبدِلَةً يأسَه وكآبته بِفَرَحِ يسوع وسلامه!

” هو من نَزَلَ عليه الروح، كحمامةٍ من السّماء” (يو1 : 34- 32).

إنّه ابن الله الذيّ “رفرف الرّوح فوقه” كما يوم خَلَق العالم والإنسان. إنّه الذّي يمتلك الروّح متّحداً به؛ هو من أتى كي يَلِدنا من جديد فنصبح بذلك خليقة جديدةً، أبناءً حقيقيّن لِللّه بِعمادنا بالرّوح، فنرث معه الحياة الأبديّة.
لقد أتى كي يفتح بصيرتنا على عظمة سرّ الثاّلوث بإتّحاد الآب والابن وانبثاق الرّوح، الّذي نناله حين نخلع الإنسان العتيق، ونَلْبَس الإنسان الجديد، بالعماد. أتى كي ينبّهنا إلى مدى أهميّة الرّسالة التي نحمل: ألا نفتخر بطفلٍ أتى ثمرة اتّحادِ أبٍ وأمّ بالحبّ؟ ألا نرغب في تقديمه لكلّ من نلتقي به، ونسعد برفقته؟

اليوم، الدّعوةُ مُلِحّة كي نتنبّه إلى صراع العالَمَيْنِ داخلنا: عالم المادّة المُسْتَعبِد إرادتنا، وعالم الرّوح، محرّرنا من قيود الضعف والخوف من الآخر ونظرته، ومن الفشل، من ألف إغراء وإغراء…

لِنلجأ إذاً إلى الّذي كان وسيبقى كائناً فينا، عاملاً فينا بروحِه، محرّراً، مُرشداً، مُعزّياً، إلى الأبد.

موقع القبيات الإلكتروني

Share this Entry

ZENIT Staff

فريق القسم العربي في وكالة زينيت العالمية يعمل في مناطق مختلفة من العالم لكي يوصل لكم صوت الكنيسة ووقع صدى الإنجيل الحي.

Help us mantain ZENIT

إذا نالت هذه المقالة اعجابك، يمكنك أن تساعدنا من خلال تبرع مادي صغير