الفاتيكان، الثلاثاء 12 يناير 2010 (Zenit.org). – لو كنا من المؤمنين بالفلك لاعتقدنا أن أبراج المسيحيين في بعض أصقاع هذا العالم تحمل لهم الفأل السيئ هذا العام، إذ لا ننفك نسمع أخبارًا محزنة، واضطهادات دامية تصب جورها لا على مقاتلين حاملين للأعلام ومدججين بالسلاح، بل على مؤمنين مصلين للسلام. ولكننا لا نؤمن بالفلك، بل نقرّ بأن الله خلق الإنسان حرًا، وأن الإنسان يختار أن يوظف مؤهلاته للخير أو للشر، للبناء أو للهدم، للحياة أو للقتل.
“لن نترككم تعيشون العيد”
في السادس من يناير الجاري، المصادف عيد الميلاد لدى الكنائس ذات التقويم اليولياني، جرى حدث مأساوي عند مدخل كنيسة أرثوذكسية قبطية، حيث قُتل سبعة أشخاص، من بينهم عامل أمن مسلم، وذلك خلال اعتداء قام به ثلاثة أشخاص كانوا يستقلون سيارة.
تم الاعتداء عند نهاية قداس الميلاد في مدينة نجع حمادي، بينما كان المؤمنون يغادرون الكنيسة. وجرح في الاعتداء 9 أشخاص آخرون.
وكان المسيحيون في تلك المناطق قد تلقوا تهديدات كثيرة في الأيام السابقة لعيد الميلاد. وكان الأسقف كيريلس راعي أبرشية نجع حمادي قد تلقى رسالة تلفونية تهدده: “لقد حان دورك”. وقد اضطر، بسبب هذه التهديدات أن يختم قداس الميلاد قبل ساعة من المعتاد.
وشرح الأسقف أن العديد من المؤمنين قد نالوا تهديدات على الطريق تقول لهم: “لن ندعكم تعيشون العيد”.
وقد صرح مدير مكتب الاستعلامات الكاثوليكية المحلية، الأب رفيق جريش عن مخاوف الكاثوليك والمسيحيين الآخرين في المنطقة، موضحًا أن الوضع صعب في الصعيد. بينما الحالة في القاهرة هي أكثر أمنًا، خلافًا للقرى. وشرح أن “الاعتداءات تنبع عادة من مزيج من الكره الديني والصراعات الدورية.
هذا ويعبر المسيحيون عن ضيقتهم في الحالة التي يفرضها التطرف الإسلامي، وخصوصًا من ناحية العمل، بحيث يُفرض على المواطنين المصريين، أن يحملوا أوراقًا ثبوتية تبين انتماءهم الديني، والكثيرون يلقون الرفض والبطالة لأنهم مسيحيين.
ماليزيا: صراع حول من يملك “الله”
على صعيد آخر، استهدف هجومان يوم الأحد كنيستين في الجمهورية الماليزية، التي تعيش منذ فترة جدلاً حادًا حول استخدام كلمة “الله” من قبل غير المسلمين. ووقعت الهجمات بعد أقل من يومين من هجمات أخرى بعبوات حارقة ضد الكنائس. وبلغ عدد الاعتداءات على دور العبادة المسيحية 9 اعتداءات في ظرف 4 أيام، من 8 حتى 11 الجاري.
وصرح المسيحيون أن الاعتداء عليهم بحجة استعمال كلمة “الله” في الحديث عن إلههم، هو بالحقيقة ستار لاهوتي مغلوط لدافع سياسي. فالحزب السياسي الحاكم المعروف بـ “منظمة الاتحاد الماليزي الوطني” يسعى إلى الفوز بأصوات جديدة بعض أن انخفضت شعبيته مؤخرًا.
وقد عبرت المعارضة الماليزية عن رفضها لهذا التسييس للدين، ولتقسيم ماليزيا انطلاقًا من مبدأ ديني.
هذا وعبر “حزب ماليزيا الإسلامي” وهو حزب قوي في المعارضة الماليزية، عن عدم معارضته لاستخدام المسيحيين لتعبير “الله”. وشرح رئيس الحزب أن “تعبير الله يُستعمل بطريقة عادية منذ 14 قرنًا من قبل المسلمين والمسيحيين واليهود”.
هذا وقد شرحت وكالة فيدس الحبرية أن المشكلة القانونية بدأت منذ ثلاث سنوات، عندما طرحت مسألة استعمال كلمة “الله” في المنشورات المسيحية، ولكن الانفجار حدث في مطلع هذا العام.
ففي الثامن من يناير، هجم بعض الهاكرز على مواقع العديد من الكنائس المسيحية في ماليزيا ونشروا كتابة تقول: “الله هو خاصة المسلمين”. وفي الساعات الأولى من ذلك اليوم، بدأت الاعتداءات على الكنائس، بينما احتشد العديد أمام جامعي “كوالا لومبور” مع شعارات معادية للمسيحيين.
لا تستعمل اسم الله باطلاً
تتوارد إلى الذهن عبارة من الخطابات الكثيرة التي كرسها يوحنا بولس الثاني للتعايش بين الأديان، وبين مؤمني الديانات المختلفة. قال البابا في إحدى لقاءات أسيزي: “لا يمكن استخدام العنف باسم الله لأن قضية السلام، قضية الإنسان، هي قضية الإله الحق”.
الله هو إله سلام، والله ليس ملكًا لأحد فهو ملك البشرية وربها. واسمه تعالى يسمو على حقوق الملكية والتفرد. وليس من يستخدم اسم الله للصلاة هو من يدنس اسمه تعالى، بل من يستعمله لما يخالف جوهر الله وكيانه الذي هو محبة (راجع 1 يو 4، 16).
الحديث عن الشهداء الأبرياء، لا يمكن أن يتم في مقالة هامدة وموضوعية محض، بل ينساب عفويًا صلاةً وصرخة نحو إله السماوات والأرض لكي يقبل دمهم الزكي تطهيرًا لكنيسته وبذرًا لمسيحيين جدد (فدم الشهداء هو بذار المسيحيين بحسب ترتليانس)، ولكي يغفر لمبغضيهم وينير عقولهم، ويعلمنا أن نفهم أن الله ليس ملكنا، بل نحن خليقة الله وصنع يديه، وصورة بهائه التي تشع بقدر ما نفسح في قلوبنا مجالاً للمحبة، ونغسل القلوب من الضغينة.