Avatar

1

Articles par أنطوانيت نمّور

قراءة في رسومات شارل إبدو وحرية التعبير

الحرية.
كم تُرتكب بإسمها الزلات…. و كم تُفقد من مقدسات تحت شعار ” البطولات ” و كسر “التابوهات”!! 
و ها هو الويل و الثبور و عظائم الامور يقع على من يتجرأ على الإنتقاد و لو بمحبة أو بحس المسؤوليّة الأخويّة… ففي عالم العولمة، إعتدنا رؤية “الأخطاء” و تخدرت فينا مشاعر الغيرة على كل خير : الخير العام أو الخاص.
و في زمن تحوّل فيه إنساننا الى “قرد ذكي” يقتحم الفضاء الخارجي، فرغ عالمنا الداخلي و سقطت من قاموس مجتمعاتنا كلمة ” خطيئة” تحت شعار “قدسية الحرية”…. ليقابلها مشهد متطرف يدعي التطهير و هو أولى بالحاجة إليها… أما المؤمن الذي ينوح على مأساة عالمنا فيتم رشقه ب ” أصمت و لا تدين”!!
صحيح. لقد دعا الرب الى عدم الإدانة ” لأنكم بالدينونة التي بها تدينون تُدانون، وبالكيل الذي به تكيلون يُكال لكم” (مت 7: 1-2).
ولكن….
عدم الإدانة لا يعني السلوك بلا تمييز، و الرب نفسه على لسان أشعيا يحذر من الويل الذي يقع على “القائلين للشرّ خيرًا وللخير شرًا، الجاعلين الظلام نورًا والنور ظلامًا، الجاعلين المرّ حلوًا والحلو مرًا” (إش 5: 20). فمن في داخله روح الرب القدوس يحمل روح التمييز، ويرى سقطة أخيه ولا يتجاهلها، و رغم مرارتها هو مدعو للحزم بمحبة . و العهد الجديد نفسه لا يصدر حظراً واسعاً على فكرة (الإدانة):نسمعه في الرسالة الأولى الى كورنتس يتحدث عن الإنسان ” الروحي الذي يحكم في كل شيء، وهو لا يُحكم فيه من أحد” (1 كو2: 15).
فهل هنا تناقض مع متى ؟؟؟ بالطبع لا!!
آخذين بعين الإعتبار أن اليونانية هي لغة العهد الجديد، يتحدث علماء الكتاب المقدس عن الكلمة اليونانية المستخدمة في آية متى حول عدم الدينونة و هي ( krino) بمعنى حكم أو لعن أما في كورنتس يستخدم المؤلف (anakrino) بمعنى تمييز أو دراسة. 
وهكذا بينما يحثنا الرب على عدم إدانة الآخرين بمعنى عدم “لعنهم” هو ما يزال يشجعنا على “الحكم على كل شيء،” باستخدام ما وهبنا للتحقيق في الأمور و تمييز الحقيقة.
على صورة الله ومثاله شُكّل الإنسان. ولأننا نعيش في عالم فيه الحق والباطل، الخير والشر، والأخلاق والقيم، لا يمكننا إلا أن نشكّل الأحكام حول الأمور الخاصة بنا و أيضاً أفعال الآخرين. هذا جزء من عمل الضمير والفكر الفاعل في كل منا… وهذا ما نحن مدعوون أن نفعّله في حياتنا على ضوء من هو الطريق و الحق و الحياة : التمييز دون لعن الآخر…. فالمحبة تتوّج كل الفضائل و بإسمها كل منّا مدعو للنصح الأخوي حيث الحقيقة تقتضيه!!

لم تم إعلان عقيدة الحبل بلا دنس؟

8 كانون الأول 1854، و بعد ان امضى كل حياته – أيام طفولته و كهنوته، كأسقف، كاردينال وبابا – عند قدمي والدة الإله وقف البابا بيوس التاسع ليعلن ما حملته الكنيسة بالإيمان عقود عديدة من الزمن… و قف ليعلن أخيراً صدى قلوب المؤمنين الكاثوليك في عقيدة الحبل بلا دنس:
أن العذراء مريم قد ولدت من دون أن ترث الخطيئة الأصلية . ويقول البابا بيوس التاسع في هذا الخصوص, أن العصمة من الخطيئة الأصلية كانت لمريم هبة من الله وتدبيراً استثنائياً لم يعط إلا لها…
وأوضح أن مريم كانت بحاجة إلى الفداء وقد افتديت فعلاً بنعمة المسيح لكن بشكل مسبق وكانت العلة الغائية للحبل بمريم البريء من الدنس هي أمومتها الإلهية. 

لقاء فرنسيس بالسلطان ومذود الطفل يسوع… أية علاقة؟

في نص قديم يتناول روحانية القديس فرنسيس الأسيزي في مجلة بورتسيونكولا و من تعريب الأب لطفي الفرنسيسكاني، يتحدث الكاتب عن علاقة ما بين اختراع القديس فرنسيس لفكرة المذود ولقائه بالسلطان المُسلم الملك الكامل.
للوهلة الأولى يبدو الحدثان متباعدين، لا صلة مباشرة بينهما و لكن للمُتمعّن يبدو جليّاً أن فرنسيس اختار عيش خبرة مسيحية صرفة، خبرة المسيحي الذي يتقن الحوار. فالمذود الذي أقامه القديس في غريتشو عام 1223م هو رمز الهوية كما أن لقائه مع السلطان الملك الكامل الذي كان الأخ الأكبر للسلطان الشهير صلاح الدين الأيوبي، هو رمز الحوار.

شجاعة الشهادة

الطوباوي مارتن مارتينيز باسكوال، أعدم أثناء الحرب الأهلية الأسبانية و هو في سن الخامس و العشرين و الذنب الوحيد الذي إقترفه هو أنه كان كاهن للرب ….عندما سئل ما اذا كان يرغب في الإبتعاد عن البنادق أثناء إعدامه أجاب بالنفي و قال :” كل ما أريده هو أن أبارك أولئك الذين يطلقون النار و أصلي أن يغفر لهم الرب.”
وعندما سئل إذا كان يريد أن يضيف قولاً أخير، أجاب الأب مارتن:” أعطيكم بركتي سائلاً الله الاّ يأخذ بعين الإعتبار الجنون الذي ترتكبوه.” و هتف للمسيح الملك : 
!!Viva Cristo Rey 

كاترين لابوري والأيقونة العجائبية

في السابع و العشرين من تشرين الثاني تسلمت القديسة كاترين لابوري من العذراء ما سوف يُعرف بالأيقونة العجائبية. 
تقول القديسة “سمعت صوتا قائلا لي، إصنعي أيقونة وفقا لما ترين ….”
و لهذه الأيقونة جانبين. 
في الجانب الأمامي :
تقف العذراء فوق الكرة الأرضية، وتسحق الحية القديمة تحت قدميها. ووفقاً للرؤية بحسب الراهبة القديسة تبدو العذراء مشعة كما شروق الشمس، وفي جمالها الكمال و في أصابعها خواتم مرصّعة بالحجارة الكريمة. هذه الأشعة ترمز الى النِعم التي تنالها العذراء للذين يطلبونها منها أما الحجارة فهي رمز النعم التي لم يطلبها أحد… حول النقش يُقرأ “يا مريم التي حُبل بها بلا دنس, صلي لأجلنا نحن الملتجئين إليك”

روحانية التجسد

على الرغم من أن الله خلق كل شيء للإنسان إلاّ أنه جعل من هذا الأخير كما ” الكاهن” لهذه الخليقة: مؤتمن عليها لكي يقدّسها محبةً بخالقه. و كما أن المسيح هو جسرنا صوب الآب، نستطيع باجسادنا أن نكون جسراً بين عالم المادة و عالم الروح . وبهذا ، لكن بعيداً عن المفهوم الهندوسي في” وحدة الوجود”، نستطيع أن ” نؤنسن” الخليقة… فالسلام مع الخالق ينعكس على كل خليقته كما كان يؤكد البابا القديس يوحنا بولس الثاني…. و لعله من هذا الباب كتب فرنسيس نشيد سلامه مع الخليقة، ولم يتوانى ان يطلب العفو لقيود “الاخ الحمار” ، و يتحادث مع “أخيه الصرصور” :
” فأثناء صيف ما ، حين كان مقيماً في البورسيونكولا في آخر غرفة قرب سياج الحديقة وراء البيت ، خرج فرنسيس ذات يوم من قلايته فرأى على متناول اليد صرصوراً على غصن تينة نبتت هناك، فأمسك به وخاطبه: ”يا أخي الصرصور، تعالَ إليّ“ … للحال أتى الصرصور واستقر على أصابعه. وبدأ القديس يداعبه بأصبع اليد الأخرى قائلاً: ”غنِّ يا أخي الصرصور“. وللحال أطاعه الصرصور وبدأ أزيزه. سُرَّ فرنسيس جداً وأخذ يسبح الله. وظل لفترة طويلة ماسكاً الصرصور على يده ثم أعاده إلى الغصن حيث سبق وأخذه. ظلت الحال هكذا مدة ثمانية أيام، فكان كلما خرج من قلايته يجده في المكان عينه فيأخذه كل يوم بين يديه وكلما طلب منه أي يغني، بدأ الصرصور بالأزيز. بعد مرور ثمانية أيام، التفت فرنسيس إلى رفاقه وقال: ”لنترك الآن أخانا الصرصور يذهب حيثما يشاء. لقد أعطانا من التعزية ما فيه الكفاية…. عندئذ صرفه فابتعد الصرصور ولم يعد يرجع إلى مكانه. وظل الإخوة متعجبين كيف أنّ الصرصور أطاعه هكذا وبادله هذا المقدار من الحب.”
و يتعالى نشيد فرنسيس القديس: 
” نحن نمجّدك يا الله لكل مخلوقاتك، خاصة لأختنا الشمس، فمن خلالها منحتنا النور في النهار: إنها جميلة وتشع نوراً عظيماً يشابه نورك يا قدير…
نمجّدك يا الله لأخينا القمر وأخوتنا النجوم، فجعلتهم في السماء متلألئين ساطعين 
نمجّدك يا الله لأختنا الريح وأخينا الهواء، بجميع حالاتها، العاصفة منها أو الهادئة، والتي تعتبر دليلاً ساطعاً عن ما صنعته يديك…
نمجدك يا الله على أختنا المياه، المفيدة القيّمة والنقية
نمجّدك يا الله على أختنا النار، فمن خلالها أضأت الليل فهي جميلة لعوبة وقوية…” 

بين جميع القديسين ومهرجان الشياطين. مقاربة تاريخية تأملية

من المعروف أن شعوب السلتيك كانت تحتفل بالسنة الجديدة في 1 نوفمبر، و كان الإعتقاد سائد أن أرواح الموتى، خيّرة كانت أو شريرة، تجول الأرض في الليلة التي تسبق العيد. و بهدف “الحماية” من تلك الأرواح، أخذت تلك الشعوب تقوم بطقوس تنطوي على إضرام النيران و إرتداء الأقنعة التي كانت تُعتبر “مقدسة” وكل ذلك بهدف إبعاد الأرواح…. وعلى مر الزمن عادت وأضافت الوثنية على هذا التاريخ لمسة أخرى تحت عنوان “مهرجان المرح ” الذي أصبح فيما بعد “هالوين” كما نعرفه… 

ما هو درب قداستك أنت؟

بعد المناولة اليومية، وبعد الإتحاد العميق بين النفس و خالقها كانت تقوم الأم تريزا بتلاوة “صلاة السلام” التي كتبها فرنسيس الأسيزي.
بين الأم الطوباوية و القديس الساروفيمي علاقة محبة وطيدة تتخطى مئات السنين التي تفصل بينهما بحسب زمن الأرض ، ففي ساعة الحب تتوحد الأزمنة و تمحى المسافات…
وفي مدرسة “السيدة فاقة” أي الفقر بحسب فرنسيس، الإثنان يمتهنان النهج ذاته. فتجرّد ابن الله العلي، و ملء عطائه في التجسد و الصليب و الإفخارستيا… إستوقف القلبين:
تشرّبا الروح السماوي الذي “يعرف كلّ شيء حتى أعماق الله” ففهما:
أن الذات الإلهية هي ذات معطاء. و إن كلّ أقنوم من الثالوث الأقدس، لا ينطوي على ذاته بأنانية. إنما الأمر كحركة دائمة فيها “يفرّغ” الآب ذاته في الإبن و الإبن يعيد هذه الذات للآب في دينامية محبة لا تتوقف في الروح القدس، روح كليهما….
الأقانيم الثلاثة لا تحتكر “الملء الإلهي” و بهذا ” الفقر” تخلق الحياة …
نعم ، بين كالكوتا و أسيزي، فهم “الفقيران” أن لا حياة من دون ذاك العطاء الذي يشبه بذل الذات الإلهية حيث تنتفي الأنانية ويسود الحب الأسمى.